زارت اليمن قبل أيام صحفية بريطانية من وكالة إخبارية دولية شهيرة وأمتد بقائها في اليمن إلى ما يقارب الشهر زارت خلالها عدة مناطق والتقت بالعديد من المسئولين والقيادات الحزبية والشخصيات الاجتماعية ومع شرائح مختلفة من قطاعات الشعب.. وقد أرادت تلك الصحفية إجراء عملية استقصاء ميدانية واسعة ومباشرة عن أوضاع اليمن والتحديات الرئيسية التي تواجهه في الوقت الراهن وأي الأولويات أو المعالجات التي ينبغي الأخذ بها للتغلب على تلك التحديات.
وفي نقاش مطول دار معها كان محصلة قناعتها واستنتاجها من المشاهدات الميدانية واللقاءات التي أجرتها في اليمن بأنه وبقدر ما وجدت فقراً في اليمن فإنها وجدت هامشاً واسعاً من حرية التعبير والصحافة لا مثيل لها في العديد من البلدان النامية التي زارتها وان الغرب لا يفهم اليمن على حقيقته ولا يستطيع أن يفهم حقيقة الأوضاع في اليمن الا من زار واكتشف الواقع اليمني بنفسه..
وهذا ما أكده أيضاً الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان الذي قال بأنه وفي زيارته الأولى لليمن اكتشف حقائق جديدة لم تكن لديه قبل زيارتها بها حتى أنه تصور بان زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن سيكون في استقباله عند بوابة الطائرة لدى وصوله مطار صنعاء بأن المشكلة الاقتصادية وبمختلف جوانبها المالية والاجتماعية وتلك الآفاق المستقبلية المرتبطة بها سواء المشكلة السكانية أو المياه هو التحدي الأهم الذي ترتبط بوجوده المشكلات الأخرى ومما توصلت إليه تلك الصحيفة من حقيقة يقينية سواء المتصلة بظاهرة الإرهاب والتطرف أو فيما يجري من فوضى وأنشطة معادية للوحدة في بعض المناطق الجنوبية والتي يكون عادة وقودها أولئك الشباب العاطلين عن العمل الذين يتملكهم الإحباط واليأس بعد أن سدت في وجوههم الآمال في الحصول على وظيفة بعد تخرجهم من الجامعات أو التعليم الثانوي وفي المقابل هناك علاقة طردية متلازمة بين تفاقم مثل هذه المشكلات الارتدادية للأوضاع الاقتصادية وشحة الموارد ونفور الاستثمارات وتقلص توافد السياح لليمن..
وبين تزايد تلك الظواهر التي توفر لها مناخات الفقر والبطالة البيئة المناسبة والجاذبة لسقوط المزيد من الشباب في حبائل المتطرفين والإرهابيين والدفع بهم إلى محارق الموت والهلاك ليكونوا مجرد أحزمة ناسفة جاهزة للإنفجار والتشظي دون هدف أو غاية .. بالإضافة إلى الدفع بالمزيد منهم للتظاهر في شوارع ردفان والضالع وحيث ما يسمى ب"الحراك" تقوم بتعبئتهم وحشو عقولهم بكل عوامل الغضب والثورة والسخط على أوضاعهم وتحريضهم على الوحدة وارتكاب أعمال العنف والفوضى والتخريب بل وإقناعهم وبسذاجة بأن لهم هوية أخرى غير هويتهم اليمنية وجعلهم وقوداً في معركة المتاجرين بهم من وراء الحدود والذين جعلوا من الترويج لثقافة الكراهية والبغضاء والاستهداف الجهوي والمناطقي لبعض المواطنين وسيلة لإذكاء نيران الفتنة لتمرير مشاريعها الصغيرة وأجنداتها الخاصة.
ويدرك الكثير من أشقاء اليمن وأصدقائه بأن التغلب على التحديات الاقتصادية والمضي قدماً في عملية الاصلاحات يمثلان المدخل الرئيسي لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية والاجتماعية وتحقيق ذلك القدر من الاستقرار الذي يؤمن لليمن العبور بسلام من مشكلاته الراهنة والمستقبلية فالانتعاش الاقتصادي سوف يؤدي إلى تدفق الاستثمارات التي بدورها سوف توفر المزيد من فرص العمل وهذا بدوره سوف يمتص الكثير من بطالة الشباب وهو ما سيؤدي إلى الدفع بجهود التنمية والإعمار وإزدهار السياحة في اليمن والتي تمتلك الكثير من المقومات الطبيعية للجذب السياحي الأمر الذي سوف يكون له انعكاساته الايجابية على الاوضاع الاقتصادية والاحوال المعيشية للمواطنين.
ولهذا على صناع القرار في اليمن التركيز على الجبهة الاقتصادية وإعطائها أولوية قصوى في إطار اهتمامهم وجهدهم.. والنجاح في هذه الجبهة سوف تكون له ثماره الايجابية السريعة في تحسين الأوضاع بصورة عامة في اليمن والتقليل بدرجة كبيرة من تلك الأخطار والتهديدات التي تمثلها التحديات الأخرى.