حين كنت ادرس الهندسة المعمارية في ايام الشباب وعز السنين لم أكن أرى فيها ما أرآه الآن. أحببت الهندسة المعمارية، والعمارة إلى درجة العاشق المتيم بحبيبته.
وأنا هنا أمهد الحديث الذي أفترضه فأزعم أنه حديثا سياسيا بالحديث عن العمارة والهندسة المعمارية، لأن هناك علاقة ما، فمن المبادئ الجميلة والهادئة، في العمارة الجميلة الهادئة، مبدأ أساسي ... وجميل وهادئ وبسيط، ويدرسه الطالب في أول سنة في مدرسة العمارة، ولكن غالبا لا يهتم في التمعن فيه، والتركيز عليه، وفهمه بطريقة عميقة فلسفية تقترح الإتزان، والتوازن، والتعادلية معيارا أساسيا للإنسان، ... والحياة، والكون.
هذا المبدأ الهندسي الرقمي هو النسبة الذهبية، أو الرقم الذهبي، أو المستطيل الذهبي، أو - تجاوزا كما يسميه بعض أصحاب المهنة - المربع الذهبي! والنسبة الذهبية ببساطة هي رقم ثابت، ينتج عن قسمة رقم على رقم آخر يتعلق به بشكل ما..، وتكون نتيجة القسمة هي الرقم 1.618 - أو نسبة المقسوم على المقسوم عليه 1:1.618 .
مثال على ذلك؛ إذا أخذت المسافة من الكتف إلى هامة أو قمة الرأس، وقسمتها على المسافة من الكتف إلى قمة الأذن، سترى أن النسبة تساوي النسبة 1:1.618 ، أو ما يقاربها كثيرا، إعتمادا على معيارية الخطأ الإنساني عند الشخص الذي يأخذ قياس المسافات. وهكذا.
و يسري ذلك على كل شئ في الحياة من الذرة إلى المجرة. وقد أسهب كثير من المفكرين، والفلاسفة، والعلماء، والمهتمين بالشأن، في ذلك كثيرا منذ إقليدس، مرورا بآينشتاين، إلى نظرية الفوضى وفراشتها الرائعة!..
الخلاصة من هذا التمهيد هو.. ما أريد قوله، والتأكيد عليه هو أن ثبات الأشيآء في الإنسان، والكون.. والحياة، تدور فلسفتها حول الإتزان في الإنسان، والتوازن في الكون.. والتعادلية في الحياة. ومتى تحقق ذلك؛ فإنك ترى الأشياء تزدهر في الحياة وتفترش الصحراء بالسندس الأخضر، وطلع الإنسان البهي والمثير.. وتسقط الحضارات، وتتهاوى الأمم والشعوب، ويهوي الإنسان إذا انعدمت تلك الشروط الثلاثة..!
و ما يحدث عندنا هنا في اليمن هو نتيجة طبيعية للإختلالات في منظومة النسبة الذهبية، وفقدان إتساقها وأنساقها في البلاد فكأن هذا الذي يحدث إذا لم يحدث، فأنه كان يجب أن يحدث؛ لأن المقسوم والمقسوم عليه كانت نتيجة قسمتها ليست 1.618بل رقم آخر لا يعرفه العقل، ولا قال النقل فيه شيئا، ولا يفهمه العلماء إلا رقما خارجا عن منظومة، وناموس تلك النسبة الذهبية الآنفة الذكر.
لو كان الرئيس يفهم ذلك، لما وصلنا إلى ما أوصلنا إليه من هلكة الأزمة التي أخذتنا في يدها ورجلها وأنيابها، ومن ضياع للأمة، والأرض، والعرض، والفرض الموجب عليه أن يحفظ السفينة، ويقودها إلى أقرب شاطئ آمن، أو ميناء يرحب بنا فيه أصحابه.
ولو كان يفهم شيئا في حساب الجبر والمقابلة لجبر ما كسر، ولقابل إحسان الناس بإحسانه لنفسه أولا، والناس ثانيا ؛ حتى تستقيم المعادلة، ويستقر طرفاها. ولو كان يفهم في الهندسة وأنساقها شيئا، لعلم أن الدائرة من أعظم الأشكال الهندسية أتزانا، ولضم الناس والبلاد والعباد بداخلها، وبمركز ثابت المسافة والبعد عن المحيط، الذي لا يبقى له أهمية إذا غدا نصف قطر الديمقراطية الناظم للاتزان يختلف من نقطة لأخرى على المحيط!..
فلا أموال الخليج، ولا مؤتمر لندن، ولا البيت الأبيض، ولا أسلحة بوتين.. تقدر أن ينتشل تلك السفينة من هول الموج القاذف بنا ضياعا في كل اتجاه، ولا يقدر أن يرفع عنا أثقال القيود الذي حبسنا فيه هذا الرجل، وأهله ... وزبانيتهم، وأزلامه وتنابلتهم!؟..
الحرب ليست الحل كما قلت في مقالة سابقة؛ لأنك إذا رفعت مسدسك، ووضعته فوق رأسي فأن ذلك بلا مواربة أو أدنى شك يعني أن رأسك توقف تماما عن وظيفته الطبيعية، وفقد قرآءة الحقائق في الواقع، فانتحيت به وبنفسك منحى الجهالة، والضلالة، والغي، والشرود عن حقيقة الإنسان، ودوره في الحياة كمخلوق خليق بالروح التي نفخت في طين الجسد!..
فاتخذت السبابة تهديدا، والدبابة وعيدا...
إن اليمن أكبر بكثير من كل الأشخاص، وهي ليست عليا وأسرته، فلا يدعي أحد بالفوقية!.. أو أن يدعي حزب ما، أو شيخ كان من كان، أن اليمن في قلبه لا جيبه! وهو لم يقدم حلا وتغييرا لما يحدت، ولم ينزل إلى الناس ويتحسس همومهم وآلامهم وآمالهم..
وهي أكرم، وأكبر وأوفى وأعز من أية دولة في هذا العالم لكل يمني كريم النفس، وعزيز الأنف أشمه (وعنده عرف) - كما يقول اليمني بلهجة رقيقة.
وهي أشرف، وأنظف من رجل وضيع، أو حزب رضيع، أو شيخ رقيع، ينتظر دولا عظمى، أو إقليمية،أن تمد له دولارات السحت لتمرير، أو تنفيذ مشاريع مشبوهة، ومؤامرات لصوص، وسرقات قطاع طريق، أو صفقة مرتش مهووس.
الحرب هي وسيلة الفؤوس لتحقيق مشاريع وأجندات لأطراف لم تستطع أن تقيم حوارات الرؤوس، فاحتكمت إلى الشيطان. وكلامي هذا موجه إلى الجميع على السوية "من علي وجر وأنت نازل". وأن الوقت ليس وقت الحرب أيها الرجل، أو نشر الغسيل، كما يضحكنا إخوتنا المصريون، بل وقت لف الغسيل كيلا تلفه الريح، فنصبح عراة لا نجد ما يستر عوراتنا..!
و حدث ما يحدث الآن!.. وكأنما نحن في حفل ختان.. والخاتن فيه أعمى، ومساعده أعمى.. والحاضرون في الحفل إما عميون أو عور خرس!.. أو يرون، ويسمعون، ولكنهم في شلل كامل!
الحرب ليست هي الحل.. وليست هي الحل الاخير في وضع كالوضع في اليمن. فبشع أن يصبح الحل رصاصا ودبابة وموتا!.. والأزمة ليست سياسية كما قد يراها البعض فحسب، ولا هي حقوقية فحسب في توصيف البعض، ولا هي اقتصادية فحسب كما قيمها مؤتمر لندن، أو يصنفها البيت الأبيض.
الأزمة أزمة أخلاق فينا، ومأساة إنسان جاهل بحقوقه!..
أخلاقنا التي أبدا ما تعلمت الرفض المؤدب والمؤدب.. ولهذا وصل إنساننا فينا كيمنيين إلى هذه المأساة!..
" ليس المال مالك، ولا مال أبيك يا محمد "!"
خلي عنه يا عمر"!
علمنا الرفض، وعلمنا ألا نخرس الناس لو رفضوا.. وذهب إلى ربه، ونحن ما زلنا نقرأ رسالته وسيرته وكأنها سيرة أبي زيد الهلالي والزيبق!. فلا نستنبط الدرس ونعيه، بل نبكي على أنفسنا وننتظر حلا من السماء، أو من الخليج!
ما حك جلدك مثل ظفرك!..
والحنا ما تسبطش إلا بيد من تحنى!..
نحن على الحقيقة - بلا استثناء - من خلق من علي هولاكو!.. وبمقدورنا أن نعيده إلى قمقمه و إلى حجمه المناسب!
فلا نلومن إلا أنفسنا!..
الحل بيدنا نحن!
القائد هو نحن!
والفارس هو نحن!..
والتغيير هو نحن..
والثورة على الباطل والفساد هي نحن!
وليس الخليج، أو مؤتمر لندن وأصدقاء اليمن!..
إن منا من ير الحل مازال بيد المعارضة التي دجن بعضها، وهمش بعضها، ... وخاف بعضها فتهيب المواجهة وآثر السكوت، وتهالك البعض الآخر على مائدة المناورات والمساومات والمراوغات فهو واهم، سادر في الوهم!
ولو كان في شمس كان من أمس!..
الحل في مسيرات تخرج.. وتنام.. وتستيقظ في الشوارع... ومسيرات سلمية تهز القصر الأحمر..
وعصيان مدني في كل القرى والمدن والمحافظات، وعند كل مبنى حكومي وبلا عبث أو أذى ؛ كيلا نعطي عليا اليد العليا في التبريرات وهو ضليع بها كما خبرناه وعهدناه ولنخلع عنه آخر ورقة توت يخصف بها سوءاته، وليراه العالم كله - القاصى والداني- كما هو لا كما يريد هو!..
ويدرك الناس في الدنيا أنه قد أكل الفاكهة المحرمة من شجر جنتي الأرض - اليمن - وليهبط في أرض جرمانيا إن شاء واختار، فإن له فيها مستقر ومتاع إلى حين!..