[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

المشكلة الحوثية وتراجع العمالة اليمنية في دول الخليج

عندما تتجدد المعارك في اليمن بين الحوثيين من جهة والقبائل أو الجيش اليمني من جهة أخرى، تتداعى التساؤلات حول وسائل إيقاف نزيف الدم الجاري في اليمن، والخسائر الجمة التي يتكبدها الاقتصاد اليمني، والخطورة المترتبة على هذا الوضع المضطرب على مستقبل اليمن بصفة خاصة، والجزيرة العربية برمتها كتأثير طبيعي متوقع تتراوح آثاره بين التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية المحدودة، والتفكك السياسي وإعادة رسم خارطة الجزيرة مرة أخرى.

وغني عن البيان أن المشكلة اليمنية التي تتعدد ملامحها ما بين التمرد الحوثي و"الحراك الجنوبي" وأخيراً عمليات تنظيم القاعدة المحدودة لا تتغذى فقط من الروافد الأيديولوجية الحاكمة لأفكار تلك العناصر المتنوعة، ما بين الفكر والعقيدة الرافضية المستمدة من مركزها في إيران والعراق، واليسارية المهيمنة على أوساط الحراك الجنوبي، والعقيدة التغييرية بالقوة التي يعتنقها أفراد القاعدة، وإنما تؤثر عليها عدة عوامل أخرى تركت أثرها ولم تزل على الطابع الأيديولوجي الحاكم لخروج هذه القوى عن النظام اليمني، ومن بين أهم تلك العوامل التي غذت التمرد المتعدد الأطياف، الفساد المالي، ومسألة توزيع الثروة بين طبقات الشعب اليمني وألوانه المختلفة.

لكن مع ذلك يبدو السؤال ملحاً عن دور تراجع العمالة اليمنية في دول الخليج، وما ترتب على ذلك من ازدياد البطالة لنسبة تكاد تقارب الـ40% من القوى العاملة اليمنية ساهمت بقوة في تعزيز تأثير هذه التمردات لاسيما أكبرها وأخطرها، وهو التمرد اليمني، الذي بات يمثل في الحقيقة تحدياً هائلاً ليس لليمن وحده وإنما لأكثر من دولة خليجية، إذ علينا أن نعترف أن عشرات الآلاف من المسلحين الموالين للتمرد الحوثي قد أضحوا قوة لا يستهان بها لاسيما إذا تم دعمها بالخبرات والمعدات الفارسية، وهذا التحدي لإنعاش الذاكرة لم يكن موجوداً بغض النظر عن الدعم الفارسي له عندما كانت العمالة اليمنية في الخليج تحظى بترحيب أكبر.

لقد أسهم حلول عمالة تنتمي لجنسيات أخرى لا عربية ولا إسلامية محل العمالة اليمنية التي لم تعد تمثل سوى 8,5% من العمالة الوافدة في دول الخليج في تهديد التركيبة الديموجرافية الخليجية وأمنها بدرجة كبيرة؛ فلم يعد اليمنيون في الخليج يمثلون أكثر من 860 ألف يمني وفقاً لتقديرات الدكتور مطهر العباسي، وكيل وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمني بما يعني أن هوية الخليج من جهة مهددة، ومن جهة أخرى تكتنفها مخاطر بسبب الاضطرابات الحاصلة في اليمن والتي تغذيها البطالة والفقر، وحري بالدول المجاورة أن تتحمل مسؤوليتها في تأمين معيشة كريمة لليمنيين تعود عليها هي بالنفع سياسياً، فضلاً عن أنها بطبيعة الحال واجب قيمي عليها بالأساس.

ثمة مخاوف مقدرة من تسلل حوثيين وغيرهم إلى تلك البلدان مع العمالة اليمنية مثلما قال الأكاديمي القطري الدكتور أحمد عبد الملك من "أن الخليجيين لا يعرفون اليمني العادي من الحوثي أو من الأعضاء في تنظيم القاعدة وبالتالي قد يندس هؤلاء تحت مسمى العمالة وينفذون عمليات تخريبية في الدول الخليجية"، لكن ذلك يبدو أقل كلفة من ترك اليمن يواجه مصيره دون دعم من محيطه العربي والإقليمي، وأقل من هذا وذاك، العمل على ضخ أموال في القطاع الاستثماري اليمني تنعش آمال مواطنيه في غد أفضل بعيداً عن صراعات الداخل ومعاركه اليائسة.

إلى جوار التعاطي مع عالم الأفكار والعقائد ثمة ما يمكن حله عبر الاقتصاد وآماله، وإلا فإن غد مجهول قد يحمل لنا تفككاً يمنياً لن يوفر للمحيط الإقليمي أمناً أو استقراراً.

زر الذهاب إلى الأعلى