آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

سلطة سياسية أم ساعي بريد؟

ليعذرني القارئ إذا ما قلت إنني لم أجد من عبارات السخط واللوم والاستنكار ما يتناسب مع موقف الجامعة العربية من الموافقة على اختزال مرحلة المباحثات غير المباشرة بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني والدخول إلى المباحثات المباشرة، والعودة إلى دوامة سابقة للسلطة خاضت فيها طويلاً ولم تسفر سوى خيبة أمل مريعة بالنسبة إلى الفلسطينيين، وعن كسب أكبر مساحة من الوقت، وأكبر مساحة من الاستيطان للكيان الصهيوني . والمحزن أن الجامعة العربية لا تتخذ المواقف باسمها وتحت مسؤوليتها كمنظمة مستقلة (جامعة الدول العربية)، وإنما تتخذها باسم السلطة الفلسطينية التي تزهو وتتباهى بأنها تنقل وجهة نظر البيت الأبيض وما يفرضه عليها وعلى العرب من مواقف.

وما يقوله أبسط المراقبين وأقلهم خبرة ومتابعة للشأن السياسي العربي، فضلاً عن الضالعين بهذا الشأن الذي يشكّل ركيزة الموقف العربي برمته، إنه كان على الجامعة العربية أن تنتظر نتائج المحادثات غير المباشرة في إطار زمنها الذي سبق أن حددته الجامعة نفسها، لكي تنطلق منها السلطة الفلسطينية إلى المفاوضات المباشرة، وليس القفز إلى المجهول، واستئناف دوامة اللقاءات المكررة، وما تنتجه للعدو من مواصلة المناورات وكسب مزيد من الوقت، وقضم المزيد من الأراضي . ومنذ اتفاقيات أوسلو السرابية وما رافقها وتبعها على مدى عقد ونصف العقد من السنين، لم تُسْفِر معها الاجتماعات والمحادثات المباشرة وغير المباشرة عن شيء يعيد للأشقاء الفلسطينيين حقهم في إقامة دولتهم، واستعادة ما اتفقوا على استرجاعه من أرضهم المسلوبة.

ولا مناص هنا، من الإشارة إلى دور البيت الأبيض في كل ما حدث ويحدث، وإلى أن طلباته باتت أكثر نفوذاً على العرب من أي وقت مضى، فهو الذي سعى إلى المفاوضات غير المباشرة، كما أنه هو الذي دعا إلى استئناف المفاوضات المباشرة في لعبة كسب الوقت وإعطاء الكيان الصهيوني مجالاً جديداً لمواصلة مناورة الخداع من دون وضوح بارقة أمل للخروج بما يحقق للسلطة وليس للشعب الفلسطيني ما تطمح إلى تحقيقه إن كان لها في هذا “الماراثون” الطويل ما تطمح إليه حقاً، فالملاحظ أنها أي السلطة استساغت هذه المناورات، كما استساغت الحديث عن الضمانات وإحراج الدول العربية ومنظمتها التي تحولت منذ سنوات إلى مقهى مفتوح يلتقي فيه السياسيون الذين لا يملكون شيئاً من أمرهم، وليس أمامهم سوى الموافقة من دون قيد أو شرط.

ولا جدال في أن السلطة الفلسطينية تحولت في المرحلة الأخيرة إلى ساعي بريد بين البيت الأبيض والجامعة العربية، ومما تناقلته الأنباء أن الرسالة الأخيرة التي دفعت إلى الموافقة السريعة على استئناف المحادثات المباشرة، كانت مصحوبة بالتهديد، وهو ما يضع السلطة والجامعة العربية معاً في خانة اللا صدقية واللامبالاة . ولعل هذه الكلمة الأخيرة تكون في مكانها تماماً لأنها تفضح التسرّع في اتخاذ القرارات وعدم وجود استراتيجية من أي نوع أو موقف محدد من القضية التي كانت ولا تزال وستبقى محور وجود الجامعة العربية بوصفها التجمع العربي الذي أخذ على عاتقه، منذ قيامه، مسؤولية إنقاذ فلسطين قبل الاحتلال الصهيوني وبعده.

زر الذهاب إلى الأعلى