آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

عندما يقول لسان حال المعارضة: اللهم احمني من أصدقائي!

(المستعين أحزم من المستبد، ومن تفرد لم يكمل، ومن شاور لم ينقص).. أبو حيان التوحيدي

(1)
لم يقنعني بعض الأخوة، الذين يصطفون في مربع اللقاء المشترك ومعارضة السلطة؛ في مواقفهم الرافضة أو المتحفظة تجاه اتفاق المؤتمر وحلفائه والمشترك وشركائه على الحوار لتنفيذ اتفاق فبراير 2009.
صحيح أن من حق كل إنسان أن يكون له موقف خاص.. لكن عندما يكون هذا الشخص ضمن إطار سياسي ويتولى فيه موقعاً قيادياً؛ فإن الواجب عليه أن يتذكر أن العمل الجماعي ليس مجرد موقف خاص إن أعجبه اتخذ مجلسه ضمن القيادات الأخرى، وإن لم يعجبه أعرض، ونأى، وأعلن رفضه لما اتخذته الأغلبية من زملائه!

(2)
بعض هؤلاء المشار إليهم موجودون كأعضاء قياديين في إطارات سياسية عليها ألف استفهام.. أقلها أنها مدعومة من جهة خارجية طالما عاداها المشار إليهم وحملوها مسؤولية كل شيء يحدث في اليمن.. وآخر أنموذج ما حدث في صعدة منذ 2004 حتى الآن.. ومع ذلك لا يجد هؤلاء ضرراً من أن يلتحقوا بهذه الإطارات السياسية والنشاط من خلالها!

وبعض هؤلاء يتولون مراكز مهمة في اللجنة التحضيرية للحوار الوطني.. ومع ذلك تحفظوا على الحوار مع (الحاكمين) بناء على ما قيل إنه رفض للإلهاء والإغواء وشغل الناس بأوهام الخلاص، وعدم وجود صدق نيات.. ووجود مطامع ومطامح شخصية.. وعدم التركيز على الداء الحقيقي لمصائب اليمن!

حسناً.. سنفترض أن كل هذه الأوصاف صحيحة أو السلطة متلبسة بها.. فلماذا – إذاً- تمت الدعوة إلى الحوار الشامل ضمن إطار اللجنة التحضيرية.. وتم دعوة الحزب الحاكم للمشاركة فيه؟ هل كان هؤلاء يتوقعون أن (المؤتمر) لو قبل الدخول معهم في الحوار تحت مظلة اللجنة التحضيرية فإنه سوف (يبصم) بالعشرة على كل ما يعدونه ويقولونه ويصفونه من أمراض وأدواء يعاني منها اليمن؟

هل افترضوا – أو تيقنوا- أن الحوار الذي يسعون إليه سيكون مثالياً وخالياً من كل كدر ونكد، وأنهم سيحكمون سيطرتهم على مجريات الحوار كما يريدون، وأن الذين سوف يشاركون فيه – من خارج المعارضة- سوف يتفقون معهم في كل شيء من الأسباب والتشخيصات والحلول؟

هذا – إذاً- ليس حواراً.. وحتى وثيقة (الإنقاذ) ليست ملزمة إلا لمن يقتنع بها، وهي، بأي حال، وجهة نظر مجموعة من الأحزاب والشخصيات المستقلة، ولا يلزم الموافقة عليها: كلياً أو جزئياً ليكون الإنسان على الصراط المستقيم، وإلا ما فائدة الدعوة إلى الحوار بشأنها وحولها؟

(3)
لم يقل أحد – على حد علمي- في اللقاء المشترك أن الاتفاق الأخير مع السلطة هو فاتحة الخير ونهاية الأزمات، وعلامة على توبة نصوحة من السلطة عن ماضيها.. أو أنها عادت كأن شيئاً لم يكن وبراءة (مانديلا نيلسون) في عينيها.. لكن معارضة تدعو للحوار وتمتلك وثيقة تعبر عن مواقفها وآرائها لا يجوز لها ،أو ليس من الحكمة، أن ترفض الحوار مع خصومها السياسيين طالما أن هؤلاء وقعوا على اتفاق يوفر الحد الأدنى من المطالب الضرورية للحوار! أما مسألة أنهم غير جادين ويريدون إلهاء الناس وإغوائهم فهذا أمر ينبغي أن تفضحه جلسات الحوار وليس قبل ذلك.. أما التعلل بذلك منذ البداية وما قبل البداية فإنه خدمة جليلة مجانية يقدمها هؤلاء (الأساتذة) للسلطة سوف تشكرهم عليها في باطنها.. وربما أرسلت عليهم شياطينها؛ وبعضهم يتلبس لبوس المعارضة وثعلب أمير الشعراء: أحمد شوقي، ليمتدحوهم على مواقفهم الرافضة، وتحريضهم على الثبات على الرفض!

وعلى المنوال نفسه سوف نقرأ ونسمع لمن يتحدث ويكتب عن سوابق السلطة في نقض عهودها ومواثيقها.. ومرة ثانية نقول: إن كانت هذه قناعة فلماذا –إذاً- تمت الدعوة إلى الحوار ضمن إطار اللجنة التحضيرية.. ومع من كانت اللجنة ستتحاور لإنقاذ البلاد؟ هل كانت ستتحاور فقط مع الذين يتفقون معها؟ الأصل أن الحوار يكون مع المختلفين معها.. وفي مقدمة هؤلاء السلطة مهما كنا ننتقدها ونرفض ممارساتها وإلا.. ما فائدة الدعوة إلى الحوار؟

(4)
سيقول (البعض) إن الحوار والاتفاق مع السلطة غير مجد.. والدليل وثيقة العهد والاتفاق.. واتفاقيات أخرى تم الاتفاق عليها ثم انقلبوا عليها!

وصحيح أن هتلر كان يقول (إن الاتفاقات لا توقع إلا ليتم الانقلاب عليها).. (طبعاً عندما تنتفي الحاجة إليها من قبل الأقوياء).. لكنا نقول: طالما إن اللقاء المشترك واللجنة التحضيرية للحوار الوطني قد تبنوا فكرة الحوار الشامل.. فليس هناك ضرورة للحديث عن الماضي.. فاليوم غير الأمس، وحتى فشل وثيقة العهد والاتفاق ليس مبرراً كافياً.. لأنها سقطت لأن الذين ادعوا أنهم (أصحابها) لم يكونوا يريدون تطبيقها، وأعطوا لخصومهم الدليل على أنهم لا يريدونها عندما راحوا يسافرون هنا وهناك.. ويعقدون تحالفات إقليمية ليس لها صلة بالوثيقة..

وفي الحقيقة لم تكن الدولة اليمنية الواحدة الديمقراطية – بالمخاليف- هي هدفهم.. ولم يكن هدفهم الحكم المحلي الكامل، ولا النقاط ال(18).. ولا شيء من الوثيقة إلا أن يحافظوا على بقائهم في السلطة بأي شكل من الأشكال.. ولذلك فشلوا.. وانهزموا.. وضاعت فرصة أخيرة لإنقاذ البلاد وإصلاح اختلالاتها وخاصة أن أحد طرفي الأزمة كان يمتلك القوة والدعم الإقليمي والدولي –إلى حد ما- لفرض إصلاحات حقيقية لمصلحة الشعب وإن خسر السلطة!

اليوم تغيرت شروط المعادلة وأصبحت القوة في يد طرف واحد.. لكن في المقابل تتوفر ظروف محلية وإقليمية ودولية جيدة باتجاه الدفع لإجراء إصلاحات ولو في الحد الأدنى الذي لا تستطيع السلطة أن ترفضه لأنه موجود في الدستور والقوانين؛ بمعنى أن مطالب مثل الفصل بين الحزب الحاكم والدولة، ونزاهة الانتخابات، وحيادية القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والوظيفة العامة والإعلام الرسمي – وهذه أبرز مضامين وثيقة الإنقاذ- قضايا لا تستطيع السلطة إنكارها علناً ولا رفضها – وإن كانت ستعمل على إنكار عدم تحققها- ولن تستطيع أن تهرب من مناقشتها، وستجد المعارضة دعماً من الأشقاء والأصدقاء في كل مكان لتحقيقها.. لأنها قضايا من صلب الممارسة الديمقراطية المتفق عالمياً على معاييرها.. وسيقف الجميع تأييداً لها..

والمطلوب من المعارضة أن تكون قد أعدت مشاريع محددة مقننة في المجالات المذكورة لكي تقطع الطريق على تسويف السلطة ومماطلاتها.. وفي أقل تقدير تفضح مواقفها المعادية للحكم الرشيد – إن أصرت وعاندت- أمام الرأي العام المحلي والمجتمع الدولي الذي يضع (اليمن) تحت المجهر خوفاً من حدوث انهيار شامل يسمح بتحول البلاد – لا قدر الله- إلى صومال أخرى، وتوصلت دراساته وأبحاث مراكز الدراسات فيه إلى قناعة بضرورة إجراء تغييرات جذرية في البلاد حتى يمكن مواجهة مشكلاتها المستعصية!

هذا الوضع.. وهذه الحيثيات تفرض على المعارضة أن تحرص –أولاً- على وحدة الصف، فالوقت ليس وقت الاجتهادات الشخصية والحسابات الطائفية والمذهبية والحزبية التي ترى أن حل مشاكلها الخاصة أكثر أهمية من حل المشكلة الأساسية في البلاد، والتي لو تم حلها لانفتح الطريق أمام المشاكل الأخرى للوصول إلى صيغة حل معقولة.

ثانياً/ تجارب البشرية تعلم أن مشاكل مثل اليمن – الكبيرة والصغيرة والجوهرية والعارضة- تحتاج إلى نفس واسع كما تحتاج إلى إرادة صلبة.. ولا ينفع معها النزق والاستعجال، والسقوط في مصيدة الأحلام المثالية التي تسول للبعض أن يتمترس خلف نفسية: حبتي وإلا الديك.. أو إما كل شيء أو لا شيء، وعلينا وعلى أعدائنا يا رب!

والحوار في الأخير، هو عملية سياسية لا يأخذ فيها طرف ما كل شيء ويخسر طرف كل شيء.. ومن مصلحة الشعب والوطن والمعارضة أن يتم التركيز – كما أسلفنا- على ضمان تحقق القواعد الأساسية للحكم الرشيد الدستوري القانوني تحققاً صحيحاً، وتلافي الأخطاء التي وقعت منذ 22 مايو 1990 وما بعدها.. وأن تكون هناك بصيرة في تفويت الفرصة على السلطة لإفشال الحوار من خلال إظهار أن المعارضة – أو بعض أجزائها- هي السبب في ذلك!

وفي هذا السياق.. فإنه من المثير للدهشة أن نجد البعض يتحفظ لعدم مشاركة ممثلين عن الحراك أو الحوثيين – لا أحد يذكر القاعديين- أو معارضة الخارج في الحوار.. مع أنه لا أحد رفض وجود ممثلين عنهم.. لكن مشكلة هذه الأطراف أنها تخدم السلطة من دون أن تدري عندما تضع شروطاً للحوار يحوله إلى ما يشبه المفاوضات.. فالأصل أن تدخل هذه الأطراف في الحوار، ولن يمنعها أحد من مناقشة مشاكل صعدة والجنوب والبحث عن حلول لها.. لكن هذه الأطراف أو بعضها – في ظني- تريد أن تضع العربة قبل الحصان.. وتريد أن يتحقق لها قبل الحوار ما هو مفترض أن يتحقق بعد الحوار! وفي كل الأحوال فإن مواقفها أثلجت صدور الذين في السلطة، وأعفتهم من الدخول في حوار سيكون- في حال وجود جميع الأطراف- مزعجاً وصعباً..

والأكثر أسفا أنهم أربكوا المعارضة وأظهروها بمظهر الذي يعاني من الخلافات والانشقاقات وعدم وجود رؤية موحدة في مقابل وحدة فريق السلطة!

بمعنى آخر.. ما الذي يمنع أن يعلن الرئيس السابق علي ناصر محمد ومن معه في الخارج تأييدهم للحوار وفق المبادئ الأساسية للدستور، وحتى وثيقة الإنقاذ، ثم يحتفظون بالموقف النهائي لما بعد ظهور نتائج الحوار؟ هذا طبعاً إذا لم يشاركوا.. أما لو شاركوا فالأمر سيكون أكثر أهمية.. ولو كانت مشاركتهم بواسطة مندوبين تحسباً للدواعي الأمنية؟

وما الذي يمنع جماعات الحراك لو أرسلت أو سمت مندوبين عنها من الشخصيات المتعاطفة مع أطروحاتهم للمشاركة في الحوار.. مع إعلان أنها تحتفظ بموقفها النهائي إلى الأخير؟

وما الذي يمنع بعض الشخصيات القيادية في المعارضة أن (تتواضع) وتعلن أنها تؤازر زملاءها في حوارهم مع السلطة رغم أن لها تحفظات.. ولكن لمصلحة البلاد واحتراماً للأغلبية فإنها تحتفظ بآرائها الخاصة لكيلا يقال إنها – أي هذه الشخصيات- لا تريد الحوار أصلاً ولا تريد تهدئة التأزم في البلاد، وأنها فقط معنية بصب الزيت على النار؟

ما الذي يمنع كل جهات المعارضة – لمرة واحدة فقط- أن تتوحد خلف الحد الأدنى لمطالب الإصلاح والتغيير التي لا تستطيع السلطة إنكارها أو رفضها.. وتؤجل مطالبها الخاصة التي لا تلقى إجماعاً من اليمنيين أو يمكن للسلطة أن ترفضها أو تتحفظ عليها من منطلق سياسي مشروع؟ فقط مرة.. لتتوحد كل جهات المعارضة في وجه السلطة وخلف مطالب لا يمكن رفضها من أي سلطة ثم بعد ذلك سنرى كيف يمكن لها أن تفلت هذه المرة!

زر الذهاب إلى الأعلى