بتزامن إيراني – أمريكي جرى تغيير سفيرهما في آن واحد في العراق، فقد انتهت أعمال السفير الأمريكي في العراق السفير "كرستوفر هيل" الذي تعرض لمحاولة اغتيال نأسف بشدة لفشلها في محافظة ذي قار/مدينة الناصرية (240 كم إلى الجنوب من العاصمة المحتلة بغداد) التي قاومت الاحتلال الأمريكي في بداية غزو العراق حيث كانت إحدى محاور تقدمه من تلك المحافظة، ونجا المذكور من تلك المحاولة بأعجوبة، حيث زُرعت لهُ عبوة ناسفة انفجرت فيما كان موكبه يجتاز مبنى محافظة ذي قار المُحتلة، ليحل محلهُ السفير "جيمس جيفري".
وكذلك انتهت أعمال السفير الإيراني الذي سبق وأنْ كان أحد قادة فيلق القدس الإرهابي السفير "حسن كاظمي قمي" بعد أنْ حكم العراق وراء الكواليس تارةً وعلناً تارةً أخرى سنوات سته ونيف عجاف كانت مريرة على العراق وشعبهِ، ليحل محلّهُ نظيرُهُ أحد قادة فيلق القدس الإرهابي أيضاً السفير "حسن دانائي فر"، فكان أنْ تسلّم أوراق اعتماده الرئيس العراقي الأمريكاني الجنسية جلال الطالباني في قصر السلام ببغداد المُحتلة، قبل ظهر اليوم الخميس 5-8-2010،(1) كما استقبله لاحقاً نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، في مكتبه ببغداد المُحتلة، الخميس 12-8-2010،(2) وكذلك استقبلهُ نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي، في مكتبه ببغداد المُحتلة، الثلاثاء 10-8-2010.(3)
وللمُقارنة من حيث تواريخ هذا التزامن في تعيين السفيرين أعلاه، فقد تسلَّم الرئيس العراقي الأمريكاني الجنسية جلال الطالباني أوراق اعتماد السفير الأمريكي الجديد لدى العراق "جيمس جيفري" في قصر السلام ببغداد المُحتلة، مساء يوم الأربعاء 18-8-2010، ،(4) واستقبله لاحقاً نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي في مكتبهِ ببغداد المُحتلة، الأربعاء 25-8-2010،(5) فالفترة الزمنية بين استلام الطالباني لأوراق السفيرين الإيراني أولاً والأمريكي ثانياً ثلاثة عشر يوماً فقط، مثل هذا الأمر وفق رؤيتنا له دلائل عده، منها:
الأولى: أن التحالف الأمريكي – الإيراني قد أخذ منحى التنسيق على مستوى عالي فيما يتعلق بمُستقبل العراق، بمعنى أن هذا التنسيق كما كان مُعلن عنهُ سابقاً لم يعُد كما كان على مستوى السفراء، بل أنتقل لمستوى السلطة التنفيذية الإيرانية أي رئاسة الجمهورية الإيرانية، التي بدورها لا صلاحية لها بمثل هذا الشأن دون موافقة ولي الفقيه المُلا خامنئي، بمعنى أنْ التنسيق هو على مستوى قيادة البيت الأبيض وولي الفقيه المُلا خامنئي.
الثانية: أن البيت الأبيض الأمريكي قد أطلق يد إيران في العراق بعد أن أنهى الاحتلال الأمريكي مُهمات القوات الأمريكية في العراق، وفق ما أطلق عليه بتاريخ 31/8/2010 الرئيس الأمريكي أوباما ب: "انتهاء مرحلة التحرير"، لتبدأ مرحلة الأمريكية جديدة أطلق عليها الرئيس الأمريكي ذاته وبنفس التاريخ أعلاه، ب "الفجر الجديد" ببقاء خمسين ألف جندي أمريكي في العراق الذي ما هو في حقيقته إلا ديمومة للاحتلال الأمريكي، وما الإعلان عن انتهاء المهمات القتالية الأمريكية إلا إعلامياً فقط، سيما وأن وثيقة الأمن الأمريكي العراقي لسنة 2010 المُقدمة من قبل الرئيس اوباما للكونغرس الأمريكي قد تضمنت بصراحة الاحتفاظ بوجود مدني أمريكي قوي في العراق، وقد أجرينا تحليلاً سياسياً رائعاً لتلك الوثيقة،(6) بمعنى آخر أن الاحتلال الأمريكي للعراق قد تحول إلى انتداب أمريكي عليه، يُساهم ذلك الانتداب بشكل فاعل ومؤثر في استيطان واحتلال إيراني واسع النطاق للعراق.
الثالثة: ما ورد آنفاً تطلب من الحكومتين الأمريكية والإيرانية تبديل سفيريها بوقتٍ متزامن لتحقيق/تنفيذ:
1. يُحقق/يُنفذ السفير الأمريكي الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في العراق التي بشكل موجز جداً تتلخص في فقرتين:
1. تنفيذ الانتداب الأمريكي على العراق بقوة، وهذا يعني بقاء الاحتلال الأمريكي من حيث النظرية والتطبيق، ويبقى القرار الحكومي العراقي غير مستقل بل قرار أمريكي يُشارك القرار الإيراني.
2. التنسيق المُباشر مع السفير الإيراني لتجذير الاحتلال والاستيطان الإيراني في العراق برمته، ويبقي القرار الحكومي العراقي غير مستقل بل قرار إيراني يشارك القرار الأمريكي.
2. يُحقق/يُنفذ السفير الإيراني الإستراتيجية الإيرانية الجديدة في العراق التي بشكل موجز جداً تتلخص في فقرتين:
1. الهيمنة بشكل مُباشر على القرار السياسي العراقي لحكومة الاحتلال الخامسة، ومحاولة تجاهل القرار الأمريكي أو القفز عليه أو مساومتهِ، وبذلك تصبح حكومة الاحتلال الخامسة والبرلمان العراقي ذات مرجعية إيرانية بحتة وامتداداً لحكومة ولي الفقيه في طهران، سيما وأن "دولة القانون" و "الائتلاف الإيراني الحاكم للعراق" و "التيار الصدري" و "حزب الفضيلة" و الحزبين الكرديين العنصريين يقعوا جميعاً تحت هيمنة القرار الإيراني، ولا يستطيع أياً منهم الخروج من تحت عباءة ولي الفقيه الملا خامنئي، ويكفي للدلالة أن مقتدى الصدر قد أصبحت إقامته شبه الدائمة في طهران وقم؟!
2. السعي إلى تقسيم العراق وفق ما ورد في دستور "بريمر" بمشاركة قوية من قبل الاحتلال الأمريكي مُتمثلاً بسفيرها "جيمس جيفري"، سيما تأكيد إيران على إلحاق لا سامح الله جنوب العراق العربي الأصيل ذا الوطنية العراقية العالية بإيران.
3. الإجهاز على ما تبقى من مُقاتلي المقاومة العراقية الشُجعان، بذات الأساليب التي استخدمها السافاك في فترة حُكم الشاه محمد رضا، ثم تبعه الحرس الثوري الإيراني بعد عام 1979 في تصفية عناصر الثورة الأحوزاية الوطنية التي كانت تسعى لتحرير الأحواز وعبادان والمُحمرة من الاحتلال الإيراني لها، مع الأخذ بنظر الاعتبار التفعيل للقوانين العراقية التي عدت المقاومة العراقية إرهابية.
4. التصفية الجسدية المُمنهجة والمُنظمة من قبل عناصر ميلشيا بدر الإيرانية، وقوات بغداد، وجيش المهدي، والبيشمركة الكُردية العنصرية...إلخ لرموز أهل السنة والجماعة، يتبعهم تصفية النخبة المُثقفة المُتبقية في العراق، ثم تصفية مَنْ تبقى من ضباط وطياري الجيش العراقي الوطني، ثم تصفية النخبة الإعلامية والنخبة الوطنية التي ترفض مثل ذينك الاحتلالين، ومن المهم الإشارة إلى أن هناك مقوله عن السافاك والحرس الثوري تقول: "أنهما قتلا من العرب أبناء الأحواز وعبادان والمُحمرة بذات عدد ورق الشجر المُتساقط في خريف إيران"...؟! وهذا ما ستتبعه القوات والميلشيات أعلاه مع النُخب المذكورة بشكلٍ خاص، وشعب العراق بشكلٍ عام خلال الفترة القادمة لا سماح الله تعالى.
5. الصمت المُطبق الأُممي، والإقليمي، والإسلامي والعربي عما سيجري في العراق وفق ما ورد آنفاً على مستوى الأُمم المُتحدة، والحكومات المُختلفة، ومُنظمات المُجتمع المدني، وستصبح عمليات القتل الجماعي لشعب العراق عادية جداً دون أنْ تهز الضمير الإنساني، وسيتعامل معها الإعلام الكوني إما بصيغة التجاهل، أو الإشارة إليها من طرفٍ خفي..؟!
6. ربط الاقتصاد العراقي بالاقتصاد الإيراني السيئ الأداء، وجعل السوق العراقية سوقاً للبضائع الإيرانية الفاسدة، والمُتخلفة تقنياً، وبناء الاقتصاد الإيراني من خلال سرقة الأموال العراقية.
3. يُشارك في كُل ما ورد آنفاً القائد الجديد للقوات الأمريكية الذي تم تعيينه في الأسبوع الأخير من شهر آب 2010 الجنرال "لويد أوستن"، الذي وصل للعراق مع وزير الدفاع الأمريكي الذي وصل العراق المُحتل أيضاً بتاريخ 31/8/2010 ونائب الرئيس الأمريكي "بايدن" موجوداً أيضاً في بغداد المُحتلة، هذا برمته يؤكد على طبخةٍ سياسية تسير لصالح إيران اجتمعت الأطراف الأمريكية برمتها على التأثير على السيد أياد علاوي بالذات للتنازل عن حقه الانتخابي والدستوري، وستكون النتائج النهائية على الأعم في غير صالح قائمته العراقية.
الرابعة: ما ورد آنفاً ليس من قبيل الخيال، أو التشاؤم بالرغم من أننا نتوجه لله تع إلى أنْ يجعل مُخططات إيران وأمريكا في نحرهم عاجلاً وليس آجلاً، ولكن الوقع الميداني لسنوات الاحتلال الأمريكي والتدخل الإيراني يُثبت صحة ما ذكرناه ونُكرر أنْ لا يُحققه الله تعالى، ومن المُفيد جداً أنْ أذكر القارئ بمُفردات محدودة جداً من نماذج ذلك التدخل الإيراني السلبي في العراق الذي أصبح من المُسلمات الأمريكية، والإيرانية، والإقليمية والعراقية، ولكني بذات الوقت أتناول رؤية المكونات العقيدية للمجتمع العراقي من هذا التدخل، سيما وأن شعب العراق قد شخص خطورة التدخل الإيراني الذي يتوزاى مع خطر الاحتلال الأمريكي إنْ لم يكن يفوقه:
1. بوقت مُبكر وبالذات في الأسبوع الرابع من شهر نيسان 2008 وفي مُلخصهِ الافتتاحي أمام الكونغرس كرر الجنرال الأميركي ديفيد بترايوس اسم إيران 105 مرات، وتكرارهُ هذا جاء ليؤكد الدور المهم الذي أصبحت تلعبه إيران فيما يخص مستقبل الاحتلال الأميركي للعراق، وأنها كانت الرابح الأكبر من قرار أميركا غزو العراق واحتلاله، بذات الوقت الذي أثبتت الأحداث السياسية الميدانية على أرض العراق أن مثل هذا الاعتراف ربما كان من الأسباب التي دفعت الكونغرس الأمريكي في التنسيق مع إيران، سيما وأنه وجد غياب التنسيق العربي على مستوى الأنظمة وتضادد رؤاها بشأن مستقبل العراق الأمر الذي دفع أمريكا للارتماء بحضن السياسة الإيرانية والقبول بإملاءاتها، (7) ومما يؤكد رؤيتنا هذه أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية (بي جي كرولي) قد ذكر في واشنطن ، بان محاولات إيران ما زالت مستمرة للتأثير على الإحداث في العراق..؟!
2. إعلان الجيش الأمريكي انه جاهز للانسحاب من العراق محذرا من التدخل الإيراني، وقال قائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال ري أوديرنو، في حديث لCNN،: إن قوات الأمن العراقي ستكون جاهزة لاستلام المهام الأمنية كاملة بحلول موعد انسحاب القوات الأمريكية المتبقية في البلاد، غير أنه حذر من نوايا إيران في زعزعة استقرار ذلك البلد، وقد جاء هذا التحذير إثر تصريح لرئيس هيئة أركان القوات العراقية، الفريق أول بابكر زيباري، قال فيه إن: (( الجيش العراقي ليس جاهزا بعد للانسحاب الأمريكي من البلاد، ولن يستطيع ضبط الأمن في البلاد.)). (8) والتصريح الأخير ل "بابكر" يؤكد عدم مصداقية تصريح الجنرال "أوديرنو"، ولكنه على الطرف الآخر يؤكد ما ذهبنا إليه في رؤيتنا المذكورة في المادة (الثالثة) الفقرتين (أ – ب) وما تمخض عنهما من فقرات فرعية أخرى.
3. قلما أشارت البحوث والتحاليل إلى موقف شعب العراق بمذاهبه ومكوناته كافة من الاحتلال الإيراني للعراق، فضلاً عن أن عدد من الباحثين وغيرهم كانوا على الأعم على جهلٍ من موقف شعب العراق من الاحتلال الإيراني سيما أهلنا وأخوتنا في الجنوب والشمال العراقي، حيثُ يُنظر إليهم على أنهم يؤيدون بقوة الاحتلال الإيراني، وفي هذا خطأ عظيم جداً، لأن أخوتنا العراقيين في الجنوب والشمال العراقي على الضد من ذلك جُملة وتفصيلاً، وهذا ما ستُؤكده دراسة أعدّها الباحثان في "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، ديفيد بولوك وأحمد علي، استندت إلى استطلاع للرأي أجرته "مؤسسة بيختر" للاستطلاعات التي تتخذ من ولاية نيوجيرسي الأميركي مقرا لها، وشمل عينة مؤلفة من ثلاثة آلاف عراقي.
وإذا كان الباحث في مركز فورين بوليسي الأميركي للدراسات مايكل نايتز يرى أن الفائز الأكبر في الانتخابات العراقية التي جرت في 7 آذار 2010 هو إيران، التي سيتوسع نفوذها في العراق بعد الانسحاب الأميركي، فان بولوك وعلي يريان انه: "من غير الواضح بعد كيف سيتم تشكيل حكومة الغالبية، وتقاسم السلطة بين أربعة تحالفات أحزاب رئيسية"، هي: الكتلة "الكردية والفصائل التابعة لها"؛ و"العراقية" ذات الغالبية السنية أو العلمانية برئاسة رئيس الوزراء السابق أياد علاوي؛ و"ائتلاف دولة القانون" التي هي قائمة شيعية إلى حد كبير برئاسة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي؛ و"التيار الصدري" الشيعي المنافس لـ"ائتلاف دولة القانون"، الذي خاض الانتخابات ضمن "الائتلاف الوطني العراقي"، الذي يضم "المجلس الأعلى الإسلامي في العراق".
ونتيجة لهذا المأزق، "يبدو أن إيران قد أصبحت وسيطاً سياسياً مهماً"، خاصة أن وفوداً من التحالفات الأربعة قامت بزيارة طهران مؤخراً.
ويصف بولوك وعلي "قبول المجتمع الشيعي العراقي أو حتى ترحيبه بالنفوذ الإيراني في بلادهم"، بأنه مجرد "افتراضات"، لأن نتائج استطلاع "بيختر" أثبتت بأنه "حتى معظم الشيعة العراقيين يعارضون مثل هذا التدخل". وقبل أن يستعرض الكاتبان نتائج الاستطلاع، أشار الباحثان في معهد واشنطن إلى دور إيران في توحيد ائتلاف دولة القانون والإئتلاف الوطني العراقي، ومعارضتها لأي حكومة يرأسها علاوي.
أخذت وجهة النظر العراقية هذه منحى الاستطلاع الذي جرى على عينة ضمن ثلاثة آلاف عراقي كما أشرنا آنفاً، شملت شرائح المجتمع العراقي ألا وهم الأخوة في العقيدة والعروبة والوطن مَنْ أطلق عليهم الاستطلاع "الشيعة" و "السنة" و "الأكراد" التي كنا نحنُ أهل العراق نسمو على استخدام مثل هذه التسميات الطائفية/المذهبية والعنصرية وغيرها قبل غزو واحتلال أمريكا للعراق أثناء فترة الحكم الوطني، ولذا فإني أعتذر لشعب العراق إذا ترددت مثل هذه تلك التسميات في مقالتي هذه فلستُ أنا المسؤول عنها.
المُهم أن نتائج الاستطلاع أظهرت أن لدى43% من المستطلَعين من بين أفراد العينة الشيعية العراقية، نظرة سلبية إزاء علاقات إيران مع الزعماء السياسيين العراقيين، مقابل 18% فقط ينظرون إلى هذا الأمر بعين الرضا، وهذا ما يفسر الانتكاسة التي مني بها المجلس الأعلى في انتخابات المجالس المحلية، ومن ثم الانتخابات البرلمانية التي لم يحصل فيها سوى على 17 مقعداً هو ومنظمة بدر، وأقر 58% من المستطلعين الشيعة بوجود نفوذ إيراني "كبير" أو "كبير جداً" في تمويل الحملات الانتخابية خلال الانتخابات التي جرت في آذار 2010.
وقال 48% من المستطلَعين بأن إيران لديها تأثير "كبير" على أنشطة "الميليشيات"، في حين قال 33 % منهم بأنه "صغير"، فيما أعرب 17% من المستطلَعين فقط عن وجهات نظر إيجابية تجاه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، مقابل 52% كان لهم "رأي سلبي" عنه.
وفيما يتعلق ببعض السياسات الإيرانية الأخرى، رأى المحللان في "معهد واشنطن" أن "الآراء الشيعية العراقية كانت أقل وضوحاً، لكنهما استشفا منها أنها لا تزال "سلبية" نسبياً.
وأظهر الاستطلاع أيضا وجود "جيوب"، بحسب تعبير "معهد واشنطن"، "لا تزال تدعم طهران بصورة متشددة، بينها على سبيل المثال، في بعض أحياء بغداد كمدينة الصدر"، وربما يتأتى هذا التعاطف بين سكنت مدينة الصدر وإيران من العلاقة الحميمة بين رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يُقيم حاليا (حزيران 2010) في إيران، فضلاً عن عنه يُقلد آية الله العظمى كاظم الحائري المقيم منذ عقود في مدينة قم الإيرانية، والمشهور بطائفيته وإصداره فتوى تلي فتوى باستباحة دم أهل السنة والجماعة في العراق والسيطرة على مساجدهم بتحويلها إلى حُسينيات أو هدمها وتسويتها بالأرض.
وانقسم المستطلَعون في آرائهم حول "البضائع الإيرانية الرخيصة القادمة إلى العراق".. ولاحظ بولوك وعلي في تقريرهما في "معهد واشنطن" بأن "البصرة كانت الإستثناء الكبير في هذا المجال، حيث كان هناك انقسام حاد في وجهات النظر المتعلقة بالمياه"، وعزيا ذلك "ربما، إلى النزاعات المحلية الأخيرة مع إيران حول هذه القضية".
الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة بيختر، اعتمد ذات تقسيمات المحاصصة السياسية في العراق، أي انه استطلع آراء الشيعة والسنة والأكراد، ووجد الباحثان عند تحليلهما لنتائج الاستطلاع أن عارض 67 % من الأكراد يعارضون علاقات إيران مع السياسيين العراقيين، فيما وجدا أن العراقيين السنة هم "الأكثر سلبية" بين العراقيين عموماً، فيما يتعلّق بالتدخل الإيراني في بلادهم.
وأعرب ثلثا المستطلَعين من العرب السنة عن كراهيتهم لعلاقات إيران مع القادة السياسيين العراقيين. وقد رفضت أيضاً غالبية صلبة من السنة توريد صادرات إيرانية رخيصة إلى العراق. وقال 60% منهم، أو أكثر، بأنه كان لإيران أثر كبير أو كبير جداً على كل جانب من جوانب العملية الانتخابية العراقية، وقال 74% بأن إيران لعبت دوراً كبيراً في أنشطة الميليشيات خلال عملية الانتخابات.
وحاول المحللان ديفيد بولوك واحمد علي، التوصل إلى أسباب "المعارضة الشعبية العراقية لإيران"، فوجدا أن سلسلة من الأعمال التي قامت بها إيران هي التي "تثير شكوك العراقيين على المدى البعيد"،(9) سيما السعي الإيراني الرسمي والديني احتلال العراق الذي تخلله علميات إرهابية دموية ضد شرائح المجتمع العراقي دون استثناء، فضلاً عن اغتيال ضباط وطياري الجيش العراقية، والنخبة العلمية المثقفة، والنخبة الصحفية الإعلامية و...إلخ.
وعليه يُمكن القول بأن الاستطلاع آنف الذكر قد جزم أن شعب العراق بمكوناته كافة هو ضد الاحتلال الإيراني أياً كان شكله، ولم يكُن هذا الرفض قائماً على مكون أو مذهب دون آخر، بل كان الجميع سواسية في الرفض الصلب لاحتلال إيران للعراق، ولذا نؤكد رؤيتنا عندما قلنا آنفاً أن تحليلنا ليس خيالاً علمياً، لأن الخيار الإيراني أمام هذا الإجماع العراقي الوطني على رفض هيمنة إيران على العراق سيجعل حكومة ولي الفقية الملا خامنئي بذراعها الطولى الحرس الثوري، فضلاً عن حكومة الاحتلال الخامسة بما لديها من ميلشيات وقوات تُسرع في تنفيذ ما ورد في المادة (الثالثة) الفقرة الفرعية (ب) وما تمخض عنها من فقرات فرعية أخرى لا بل اشد لا سامح الله تعالى، في حين سيكون دور الاحتلال الأمريكي دور المُتفرج ليس إلا وهذا ما ذكرناهُ أيضاً في المادة (الثالثة) الفقرة (ب/(2)).
الأمر آنف الذكر هو الذي دفع حكومة ولي الفقيه الملا خامنئي أن يكون سفراء إيران في العراق بعيدين كُل البعد عن سلك الخدمة الخارجية في وزارة الخارجية الإيرانية، بل إرسال سفراء للعراق من مدرسة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الذي يتميز بإرهابيتهِ ودمويته، فضلاً عن إيمانه الأعمى ب: "تصدير الثورة الإيرانية المذهبية" للدول الجوار بشكل خاص والدول الإسلامية بشكلٍ عام.
2. تصريحات السفير الإيراني الجديد في العراق "حسن دانائي فر": في مؤتمره الصحفي الذي عقدهُ في مقر السفارة الإيرانية في بغداد المٌحتلة يوم الثلاثاء 10/8/2010 حيث تولى مُترجم ترجمة ما جرى في ذلك المؤتمر، تؤكد ما ورد آنفاً برُمته وغيرُهُ الأكثر، ويُمكن لنا أنْ نجزم بأن تصريحاته كانت بمثابة رئيس حكومة العراق وليس بمثابة سفير لدولة إيران في العراق، مع العلم أنه من مواليد بغداد 1948 تم ترحيلهُ/تسفيرهُ خلال الحكم الوطني للعراق إلى إيران وبالذات في زمن فترة حُكم الشاه محمد رضا وفي الهامش رقم (10) معلُومات عنه،(10) وتولى مناصب قيادية عده في فيلق القدس الإرهابي التابع لحرس الثوري، بمعنى أنه لم يأتِ خريجاً للدبلوماسية الإيرانية، وبالتالي وعلى الأعم لتطوير العلاقة بين البلدين الجارين المُسلمين، لا بل كان من خريج مدرسة الإرهاب للحرس الثوري، وهذا يؤكد رؤيتنا في هذاالبحث بأنه جاء يُمثل الإرهاب الإيراني الدموي، وليس الدبلوماسية الإيرانية كما أشرنا أعلاه، فنستعيذ بالله تع إلى مما ينتظر شعب العراق من تفجيرات لسيارات مُفخخة إيرانية، وكواتم صوت وعبوات لاصقة..إلخ لقتل النخب العراقية التي أشرنا إليها، ونكرر أللهم جعل كيد أعداء العراق والإنسانية في نحرهم عاجلاً وليس آجلاً.
ولا بُد من الإشارة إلى أنني سعيتُ جاهداً أنْ أحصل على نص كامل للحديث الصحفي للسفير المذكور إلا أنني لم أفلح، حيث توزعت تصريحاته على عدد من وكالات الأنباء التي تناقلت نتف منها، ولكنها تتفق جميعاً عن المغزى من كُل تصريح تناقلتهُ، ولذا لكي يكون تحليلي دقيقاً، وأميناً لجوانب من تصريحات السفير المذكور فإني سأتناول فقط ما يتعلق بتشكيل حكومة الاحتلال الأمريكي – الإيراني الخامسة فقط وهو موضوع بحثي هذا، فبوقت مُبكر لم يكن السيد السفير "فر" دقيقاً في كلامه، بل بالأحرى كان يسعى بتصريحاتهِ إلى تضليل وسائل الإعلام عن حقائق التدخل الإيراني السلبي في العراق، وينطبق عليه في تصريحاته المثل العربي الذي أطلقه وزير الخارجية السعودي حول اتهامات حكومة ولي الفقه في طهران للمملكة بالتدخل في اليمن والاعتداء على المُتمردين الحوثيين المدعومين من قبل المؤسسة الرسمية والدينية الإيرانية، بقوله: (( يكادُ المُريب أنْ يقول خذوني..؟!))، وعليه ففي التحليلات السياسية الرصينة والأمينة، فإن مثل تلك التصريحات بمُقارنتها بالحقائق السائدة على الأرض في العراق المُحتل، وبالتصريحات المؤكدة التي أعلنها عدد كبير من المسؤولين الإيرانيين..إلخ فإنها تُعد حُجةً ودليلاً على أن ما قاله السفير "فر" يؤكد على التدخل السلبي الإيراني في العراق وليس نافياً لهُ.
سأستند في تحليلي على حقائق تُمثل شواهد وأدلة لا يُمكن نكرانها تؤكد على أن ما ورد في تصريحات السفير "فر" لم يكن دقيقاً، وأن التدخل الإيراني في تشكيل حكومة الاحتلال الخامسة قائماً منذ الانتخابات البرلمانية التي جرت في 7 آذار 2010 وهذا لا يعني أنني أنفي التدخل الإيراني في كل النواحي والميادين في العراق منذ عام 2003 ولكن تأكيدي على التدخل بتشكيل الحكومة كونه موضوع تحليلي في هذا المبحث:
1. أن إعلان السفير "فر": [ أن الحكومة العراقية ستشكل في طهران ليس هذا وحسب بل انه حدد يوم التاسع أو العاشر من أيلول موعدًا لإعلانها..؟!" ونقلت صحيفة طهران نيوز عن السفير الإيراني في بغداد حسن دانائي فار قوله: إن تشكيل حكومة جديدة في العراق "ضرورة لذا تبذل الجهود الآن لتسهيل هذه العملية"، مرجحا "تشكيل الحكومة جديدة بحلول نهاية شهر رمضان الحالي أي في التاسع أو العاشر من أيلول المقبل وكانت السفارة الإيرانية قد أرسلت معلومة إلى بعض عملائها ودعتهم إلى تسريبها إلى وسائل الإعلام العراقية بصيغة خبر عن مصدر رفض ذكر اسمه ورد فيها: تجري في العاصمة الإيرانية طهران حاليًا مباحثات خاصة وسرية لإنهاء أزمة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.](11) مثل ما ورد آنفاً يُعد بمثابة دلالة أكيده على التدخل الإيراني في تشكيل تلك الحكومة، سيما وأن تصريحات السفير جاءت بصيغة الجزم الذي لا رجوع فيه، وكأنه قد استلم مهامه لكي يتولى في بدايتها تشكيل الحكومة وفق ما يُريد ثم يتفرغ لقيادة تلك الحكومة التي ستنصاع لأمره سيما وأنه وراء تشكيلها، وبالتالي وراء تهميش أو تصفية مَنْ سيخالف الأجندة الإيرانية؟ وإلا فمن أين يعلم أن الحكومة ستشكل في التاريخ الذي حددهُ أعلاه؟! لا بل أنها ستُشكل بالذات في طهران! وهو صادق في قولهٍ هذا لأن الكتل البرلمانية الفائزة في الانتخابات قد زارت إيران جميعها فضلاً عن أنها تتلقى الدعم المالي، والميلشياوي و...إلخ من طهران بالذات.
2. دقة تصريح السفير "فر" أعلاه يؤكده من جهةٍ أخرى تصريح نائب الرئيس الأمريكي "بايدن" الذي وصل العراق المُحتل في 31/8/2010 وأعلن صراحةً: (( نقترب من القدرة على تشكيل الحكومة في العراق تُمثل نتيجة الانتخابات النيابية العراقية.))ثم يُصرح ثانيةً أنه: (( سيتم تقاسم السلطة بين العراقية ودولة القانون))، والتصريح الأخير لـ"بايدن" جاء متوافقاً توافقاً تاماً مع ما أعلنته صحيفة "جمهوري إسلامي" الرسمية والناطقة باسم الحكومة والمؤسسة الإيرانية المُتضمن: (( إذا أخذ نوري المالكي زمام السلطة للسنتين الأولى والثانية وتولى أياد علاوي (رئاسة الوزراء) في العامين التاليين... لن تكون هناك شخصية من المعارضة قادرة على إيجاد طريقها داخل البرلمان. فعلاوي شخصية علمانية لا يحاول إخفاء معتقداته الإلحادية وهو على استعداد للتعاون مع بقايا النظام البعثي.)) ولذا فإن مثل هذا التحديد سيكون قائماً على تشكيل حكومة الاحتلال الخامسة؟؟! وهذا يؤكد على أن "نوري المالكي" المُرشح الذي لا تُفرط به إيران أو أمريكا سيما وأنه أثبت خلال رئاسته للحكومة الرابعة قدرته الفائقة على تحقيق أهداف تلك الدولتين في العراق.
ويُلاحظ التوافق التام بين تصريح السفيرين الإيراني والأمريكي أعلاه بالرغم من أن الفترة الزمنية بين التصريحين عشرون يوماً بالضبط، وهذا يؤكد على دقة المُخطط الإيراني الأمريكي المُظلم تجاه العراق، وبذات الوقت فإن التصريح أعلاه يؤكد من جهةٍ أخرى هشاشة السياسيين العراقيين من أنهم خاوي الإرادة، وأنهم مُجرد "دمى" يتقاذفها تارةًَ، أو يركلها تارةً أخرى السفير الإيراني "فر" والأمريكي "جيفري"، وأن مصلحة العراق كوطن، وشعب، وثروات..إلخ لا مكان لها في البرامج السياسية الكاذبة التي أعلنتها تلك الكتل الطائفية والعنصرية.
3. تأكيد السفير "فر" على أنه وحكومته في طهران: [نحن ندعم حكومة عراقية منبثقة عن أبناء الشعب العراقي وان تكون هذه الحكومة متناغمة مع الدستور العراقي وان تحتضن جميع الأطياف. نحن بكل تأكيد نبذل ما بوسعنا ونقدم النصح إلى أصدقائنا في العراق وهم كثر في العراق... ومن مختلف الأطياف..؟!]. (12) التصريح أعلاه يؤكد على أن الحكومة التي ستشكل هي حكومة المُحاصصة الطائفية، وفي هذا تجذير للاتفاق الأمريكي – الإيراني حول التمهيد لفدرلة العراق عبر التأكيد على تلك المُحاصصة، ولم يكن التعابير التي أطلقها السفير "فر" المُتمثلة ب: "النصح" إلا اعترافاً حقيقياً على التدخل، حيث استخدم تعبير "النصح" بدل "التدخل"، أما التعبير الآخر الذي استخدمهُ فهو "أصدقائنا" فهو في حقيقته ليس إلا "عُملائنا"، علماً أن التعبيرين أعلاه تستخدمهما دائماً الدوائر الدبلوماسية الأمريكية والصهيونية والإيرانية وغيرهم، كونها شكلاٍ من أشكال التلطيف في تعامل تلك الدوائر مع عُملائها، أما ما يتعلق بتعبير "الأطياف" فهو ليس إلا التأكيد على سيادة المذهب الأثني عشري الإيراني التنظير على حكومة الاحتلال الخامسة، التي ستكون حتماً امتداداً لحكومة ولي الفقيه في طهران بمباركة أمريكية.
ومن المهم هنا الإشارة بشكل سريع إلى أنه نتمنى أن يُعلمنا السيد "فر" عن الأطياف التي تتشكل منها الحكومة الإيرانية في طهران حيث لا مكان للعرب، والأذربيجانيين، والأكراد والبلوش و...إلخ فيها، فأليس الأجدر به أنْ تكون حكومة طهران مؤلفة من تلك الأطياف؟ وبالتالي فلا علاقة له بأطياف الحكومة العراقية القادمة؟
4. يعترف رئيس القائمة العراقية في لقاءٍ له في 22/8/2010 مع "برنامج أصحاب القرار" بمرارة عن التوافق الأمريكي الإيراني في الحيلولة دون تشكيل حكومة وفق الاستحقاق الانتخابي، وكيف أن أمريكا تريد حكومة إيرانية المنشأ والأجندة، وما سيرد في اعترافاته أدناه تؤيد رؤيتنا الذي ذكرناها آنفاً، ولكي ابتعد عن التكرار في التحليل فإني سأذكر نصوص اعترافات السيد علاوي بهذا الخصوص: (( السيد علاوي: الحل واحد، وهو يجب أن يكون عراقيا بالتأكيد، ونحن علاقاتنا مع الدول العربية والإسلامية، أنا ما عندي علاقات مع إيران الحقيقة للأسف، بس علاقاتنا مع الآخرين هو لكي لا تتدخل هذه الدول في الشأن العراقي وتحث الدول الأخرى التي تتدخل لكي لا تتدخل في الشأن العراقي. وفعلا أنا اقدر أن استحصل بيانات واضحة لمواقف من تركيا وسوريا والمملكة العربية السعودية، وغيرها من الدول، بمباركة العملية السياسية والدعوة إلى عدم التدخل في الشأن العراقي الداخلي، وحتى طلبت من إيران بوقتها ، من السفير الإيراني، ولكن لم تصدر إيران مثل هذا البيان بشكل رسمي تعبر فيه عن موقفها من القضية العراقية.
س- كم يلعب العامل الإيراني دورا في تعقيد الأزمة أو في حلها؟
السيد علاوي: والله له دور ،ما اقدر أقول انه دور جدا كبير، ولكن لا شك دور مهم، للأسف في الانتخابات السابقة أيضا كان عندهم موقف بالنسبة لي شخصيا ومن توجهنا السياسي بالرغم من أننا لسنا دعاة حرب ولا دعاة اعتداء على إيران، وإنما على العكس، دعاة بناء أوثق العلاقات مع إيران. لكن بعين الوقت نحن لا نرغب بالتدخل في الشأن العراقي كما لا نرغب أن نتدخل في الشأن الإيراني، وبهذا هو الموضوع يبدو انه هناك أشكالا بالفهم الإيراني على الأقل وليس بفهمنا نحن.. وبصراحة حاولت ان أتحدث مع قادة دول لديهم علاقات مع الجانب الإيراني، لتوضيح هذه الصورة، بأنه نحن على العكس حريصين على مصالح إيران وحريصين على امن إيران، لكن بنفس الوقت حريصين على أن نراعي امن العراق ووضع العراق، وعدم تدخل إيران بأي شكل من الأشكال في الشأن السياسي العراقي.. اعتقد انه معروف في المجتمع العراقي أن أمريكا ليست معي في هذا الأمر، وأمريكا بالتأكيد تحاول أن تدعم من يأتي إلى السلطة وهو له علاقة جيدة بإيران، أنا ما عندي علاقة سيئة، ولكن ما عندي علاقة جيدة أيضا مع إيران، يبدو لي هكذا، ولكن المهم، الموقف الأمريكي هو ليس معي، ولهذا إذا تلاحظ حضرتك، التصريحات الأولى التي طلعت من مجلس الامن بخصوص مسألة الاستحقاق الانتخابي ودعم شرعية الانتخابات ونتائجها والخ… طبعا تغيرت هذه الصيغة وهذا الطرح. لذا فهذا ليس صحيحا، وكلام غير دقيق، مع العلم أننا نحترم علاقتنا مع الولايات المتحدة الأمريكية كما نحترم علاقاتنا مع العالم كله، ونعتقد ان سلامة العراق ايضا مرتبطة بالوضع العالمي، والتوازن العالمي، وتوازن العلاقات الأمريكية-العراقية، لكن بالتأكيد عندنا ملاحظات أساسية على الوضع الأمريكي، وأنا شخصيا عندي ملاحظات أساسية، وأصرح بها وحتى صرحت بها في الصحافة الأمريكية نفسها، في مقالات افتتاحية قمت بكتابتها، انتقد الاخطاء والخطايا التي ارتكبت من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
إن سكوت المجتمع الدولي عن تقصيرات واضحة في الانتخابات الماضية وما حصل من إبعاد وتهميش واعتقال ومداهمات واغتيالات والخ… قبيل الانتخابات وفي أيام الانتخابات.. وسكوت المجتمع الدولي بالرغم من أننا نبهنا لهذا الوضع، وتحدثنا وكتبنا وأرسلنا والخ… من دون ان تكون هناك استجابة لسفراء الدول المعتمدة في العراق خاصة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن أو الأمم المتحدة.. فيبدو لي.. لا أريد أن أصل إلى درجة أن أقول انه هناك أسرار، بس لربما هناك يوجد عدم وضوح، يعني بالتأكيد كل السياسية الأمريكية ما فيها ذاك الوضوح.. ولكن اعتقد أنهم من دعوا للديمقراطية في العراق، كان يجب أن يصار إلى الالتزام بمبادئ هذه الديمقراطية وأسسها. لكن للأسف لا يحصل هذا الأمر.
س- هذا تحليل غاية في الخطورة أن الولايات المتحدة تسعى إلى قيام وزارة قريبة من إيران. هل يعني ذلك ما يشاع وبعض التصورات بأنه هناك صفقة أمريكية-إيرانية على حساب العراق؟
السيد علاوي: لا اعتقد ذلك ولا أتصور ذلك.. وأنا قلت انه بتقديري فقط.. بالتأكيد هم ليسوا مع الخط الوطني العراقي، الولايات المتحدة الأمريكية، هذا ما لمسناه، وأنا التقي بهم بالمناسبة، الرئيس والمسؤولين الأمريكان، نحن نلتقي بهم دائما، وارى فرقا بالأطروحات والتوجهات ما بيننا وبين الجانب الأمريكي، في كل اللقاءات التي حصلت.. لاحظت أنهم حريصون على ان يكون هناك نوع من الحكومة التي يرضى عليها من قبل إيران.. حتى لا تحصل مشاكل في العراق بعد الانسحاب.. قد يكون هذا السبب، وتعرف حضرتك هم يصرحون بشكل مستمر ان هناك تدخلات إيرانية وان هناك تسليحا إيرانيا للميليشيات..]. (13)
5. المُتشبث بالسلطة بالرغم من عدم دستورية ذلك التشبث نوري المالكي من طرفه وفي لقاءٍ مُباشرٍ له مع وكالة "رويترز" يعترف بالتدخل الإقليمي والدولي في تشكيل حكومة الاحتلال الخامسة التي يرغبُ أن يكون هو على رأسها، إلا أنه لم يُحدد ذلك الطرف الإقليمي أو الدولي المُتدخل، حيث يقول ما نصه: [ التدخل الإقليمي والدولي هو الذي عقد المشكلة، وما لم يتوقف هذا سوف تبقى الحكومة لا تتشكل.]. (14) ويعلم المالكي جيداً بأنه وراء هذا التدخل الإقليمي والدولي.
أختم هذا المبحث بأن الأحداث الجارية في العراق الآن (نهاية آب وبدايات أيلول 2010) تُمثل مرحلة صعبة جداً في تاريخ العراق الحديث والمعاصر بشكل خاص سيما وإن جاءت حكومة ذات منشأ إيراني وأجندة إيرانية وهذا ما هو متوقع في ظل تردد سياسي أمريكي غير مُبرر بقدر ما هو ضعيف ودال على تجاهل أمريكي بشكلٍ مُتعمد للدروس التي تلقنها في العراق، وهي في هذا تُقدم العراق على طبقٍ ماسي لحكومة طهران ومؤسستها الدينية.
بذات الوقت فإن أمريكا بتصرفها أعلاه سيما وأنها قد اعترفت رسمياً على لسان وزير دفاعها الزائر للعراق في 31/8/2010 قولهُ: (( إعلان تحقيق أمريكا للنصر في العراق سابق لأوانهِ؟!))، يؤكد لنا أن هناك طبخة مُبيته ضد الدول العربية برمتها، تبدأ هذه الطبخة آثارها بعد تسلم حكومة الاحتلال الخامسة للحكم في بغداد المحتلة، حيث ستمارس بتنسيق ودعم إيراني – أمريكي علني ومُباشر ما ورد في المادة (1/الثالثة/ أ ، ب ، ت) لا سامح الله تعالى، وسيكون شعب العراق مُرغباً في القبول بتشكيلة الحكومة الجديدة، وسيأتي إرغامه هذا قسرياً ومن خلال ما أشرنا إليه في ذات المادة (1/الثالثة/ أ ، ب ، ت) بالرغم من أنه ليس قابلاً بأي شكل من الأشكال بمثل تلك التشكيلة الحاكمة، ويكفي الاستطلاع الذي تم الإشارة إليه آنفاً المتمثلة خلاصته بأن جميع شرائح المُجتمع العراقي لا تقبل بهيمنة إيران ومؤسستها الدينية على القرار السياسي العراقي.
ثم تبدأ بذات الوقت بالامتداد نحو السعودية والكويت وتُعمق تدخلها في اليمن، فالنار الإيرانية - الأمريكية التي صمتت عنها الأنظمة العربية قادمة بنيرانها إليهم ونتوسل لله تع إلى أنْ يجعل مثل هذا المخطط في كيد القائمين عليه عاجلاً وليس آجلاً.
الدكتور ثروت اللهيبي
almostfa.7070@ yahoo.com
2/8/2010