بعد عشر سنوات مما يسمى "الحرب على الإرهاب" يبدو أن أمريكا في طريقها إلى التورط في حرب ثالثة مفتوحة، هذه المرة في اليمن فقد أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما تصميمه على "تدمير تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية" الذي يتخذ من اليمن مركزا لعملياته بعد اكتشاف طردين مشبوهين أرسلا من هناك فيهما مواد متفجرة موجهة إلى "أماكن عبادة يهودية في شيكاغو". واعتبر ذلك "تهديدا إرهابيا يطول الولايات المتحدة".
الحرب الأمريكية على القاعدة في اليمن مشتعلة فعلا، والولايات المتحدة تخوضها هناك بطريقة مباشرة عبر هجمات جوية بطائرات من دون طيار، أدت إلى مقتل عدد من قادة وأعضاء التنظيم، كما أنها تخوض الحرب بطريقة غير مباشرة عن طريق استخدام أدوات محلية "حسب تعبيرات الإستراتيجية الجديدة لوزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، والتي اعتمدت سياسة "تحريك الحروب عن بعد" بدل خوضها مباشرة من قبل الجنود الأمريكيين.
إذا نظرنا إلى خارطة العالم نجد أن الولايات المتحدة متورطة بشكل مباشر في العراق وأفغانستان، وتخوض حربا غير مباشرة في الصومال ضد حركة الشباب المجاهدين وتشارك في الحرب ضد القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في الصحراء الكبرى، وتدعم إسرائيل في حربها ضد حزب الله في جنوب لبنان وحماس في غزة. يضاف إلى هذا الإنذارات من تفجيرات وطرود مشبوهة وسيارات مفخخة تمتد من أوروبا إلى الولايات المتحدة.
لقد تحول العالم كله إلى ساحة حرب حقيقة، على الأرض وفي الجو وفي عرض البحر، من تهديد الطائرات إلى خطف السفن من قبل القراصنة وتهديد خطوط الملاحة، كل هذا بفضل إستراتيجية "الحرب على الإرهاب" التي تبنتها أمريكا ومازالت تنفذها رغم إعلان أوباما وقف استخدام هذا المصطلح.
تهديد الرئيس الأمريكي بتدمير تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب، ينطوي على مخاطر جمة بالنسبة لليمن والجزيرة العربية ككل، فهذا قد يعني مزيدا من التدخل الأمريكي المباشر في الوضع اليمني المتفجر، والملغم بالفقر والبطالة وتردي الحالة الاقتصادية والنزاعات المتعددة في الشمال والجنوب ومطالبة فئات من الجنوبيين بالانفصال، ومن هنا فإن أي تدخل أمريكي في اليمن يعني صب مزيد من الزيت على النار.
اليمن يخوض ضد القاعدة حربا نيابة عن الآخرين في المنطقة وخارجها، وهو يدفع ثمنا غاليا من أمنه واستقراره وحياة أبنائه وبنيته الاقتصادية والاجتماعية، وهي حرب لن تؤدي إلا إلى تدمير اليمن كما حصل في العراق وأفغانستان والصومال، فتهديد أوباما بتدمير القاعدة في شبه جزيرة العرب سيقود إلى تدمير اليمن لأنه سيكون ميدان هذه الحرب.
نحب اليمن ونعشقه ونتيه به بين الأمم، رغم أوضاعه الحالية التي لا تسر، فهو مسقط رأس العروبة واصل العرب وهو بيت الحكمة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الحكمة ألا يسمح اليمنيون للأمريكيين بتحويل اليمن إلى ساحة حرب تهلك الحرث والنسل، ومطلوب من العرب عدم ترك اليمن يواجه مشاكله الكبيرة وحيدا ودعمه تماما كما فعلت أوروبا مع اليونان التي أنقذتها من الإفلاس.
أمريكا لا يهمها اليمن ولا أهله، وكل ما يهمها تحقيق مصالحها حتى لو دمرت الآخرين، أليس هذا ما حدث في أفغانستان والعراق والصومال.
[email protected]