تشكّل الحالة اليمنية معضلة سياسية عربية ودولية في مواجهة القاعدة ، سواء على المستوى السياسي أو الجغرافي أو الاجتماعي ، ففي اليمن تختلط المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجغرافية مع ظاهرة العنف التي تقودها القاعدة في هذا البلد الذي لم يعد يحتمل فقد تتفجر الأوضاع في أي لحظة من لحظات التوتر التي بدأت القاعدة في إشعال فتيلها.
القاعدة منظمة يستحيل الوثوق فيها وهذا ما يجب أن يدركه اليمن قبل كل شيء ففي تاريخ القاعدة تضحيات كثيرة بحلفائها في سبيل تحقيق أهدافها بل إنها تتحالف حتى مع خصومها الأيديولوجيين من اجل حماية ذاتها، والقاعدة تجد في البيئات السياسية والجغرافية التي تساعد على انعدام الثقة بالآخرين مجالا واسعا لانتشارها، فمثلا تدفع القاعدة في أفغانستان الكثير من اجل الاستمرار في خلق أزمة بين الحكومة والمجتمعات المحلية والقبائل بالإضافة إلى خلق هذه الأزمة بين تلك المجتمعات والتحالف الدولي.
في اليمن لابد من الإشارة إلى طبيعة النسق الاجتماعي الذي تشكل فيه القبيلة محورا أساسيا ، فعلى سبيل المثال تواجه اليمن إشكالية كبرى في فرض ما هو في صالح الدولة في مواجهة مصالح القبيلة، فالقبيلة التي ينتمي إليها (العولقي) تدخل على الخط الوطني الحقيقي وتتعارض مع مصالح الدولة اليمنية في سبيل حماية احد أبنائها (العولقي) ، فقد حذر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب قبيلة أنور العولقي من التعاون مع الحكومة اليمنية وصاغت عبارات بيانها بلغة اجتماعية ودينية مؤثرة.
ورد في ذلك البيان قولهم " فيا أخواتنا وبني عمنا يا من أكرمكم الله بالإسلام كونوا عونا لنا على قتال أعداء الله من أمريكا وعملائها وانأوا بأنفسكم عن أن تقفوا موقفا يفرح منه عبدة الصلبان من حكام البيت الأبيض" هذه الصياغة الدينية ختمت بصياغة اجتماعية فقد جاء في ذيل ذلك البيان عبارة "إخوانكم وبنو عمكم في تنظيم القاعدة".
التحدي الذي يعيشه اليمن يجب أن يؤخذ بعين الجدية فدخول القاعدة في اليمن على خط التوازنات القبلية سوف يربك العملية السياسية في اليمن وسوف يفتح مجالا أوسع للاختلافات والخلافات فما يمكن أن تحدثه القبائل من أزمات سوف يفوق كل التوقعات وعلى الأخص إذا نجحت القاعدة في اللعب على الوتيرة القبلية في اليمن وتأجيج الصراعات وفقا للبعد الاجتماعي وليس السياسي ، فالقاعدة وفي بياناتها أصبحت تستخدم اللغة الاجتماعية لتأسيس البعد الذي لا يمكن لأحد في اليمن السيطرة عليه وهو ما يتصل بالاستقلالية القبلية وقدرتها على حماية أفرادها.
الذين يعرفون التكوينات القبلية في العالم العربي يدركون صعوبة موقف القبيلة من أفرادها وعلى الأخص في موقع كاليمن حيث ترى الكثير من القبائل أنها ند مباشر للحكومة من حيث توازنات القوى الاجتماعية، وهذا منعطف حساس في التشكيل الاجتماعي اليمني.
المؤسسات السياسية اليمنية مثقلة بهموم التنمية بل هي كذلك منذ زمن بعيد وكان التشكيل القبلي يتأرجح في مواقفه بين القوة والضعف بحسب الظرف السياسي ولكن مع دخول القاعدة إلى اليمن وبروز معايير جديدة والحديث عن انفصاليين ومعارضين جعل الكرة التي تلعب بها القاعدة مهيأة للركل في كل اتجاه سواء أكان اتجاها قبليا أم اجتماعيا أم سياسيا أم اقتصاديا.
اليمن السعيد بحاجة إلى تعريف سعادته اليوم ففي وجود القاعدة التي تشكلت تحالفاتها بطريقة قوية مع القبائل أصبح هناك قضية مؤلمة وعلى الأخص أن الخبرة العالمية مع القاعدة في أفغانستان تثبت ذلك، فالبعد القبلي المتماسك والجبال القادرة على إخفاء القاعدة كلها مقومات موجودة في اليمن، فأنور العولقي أو ابن عمه عثمان العولقي لا يمكن فصلهما عن انتمائهما القبلي ولا يمكن لقبيلتهما أن تتخلى عنهما لأن في ذلك التزاما اجتماعيا عاطفيا عميقا ممزوجا بنكهة سياسية، ولذلك قد يبدو هذا الدرس مهماً لجميع الدول العربية التي تسمح للمنتمين عرقيا إلى قبائلهم بأن يذيلوا بها أسماءهم في وثائقهم الرسمية ، هذه الصيغة من حمل الأسماء احد التحديات التي يواجهها اليمن وسوف تستمر لوقت طويل وسوف تعاني منها دول كثيرة في المنطقة مستقبلا.
اليمن اليوم يعيد لنا توقعات صحيفة لوس انجلوس تايمز قبل سنوات عندما قالت بأن اليمن في خطر وقد يصبح قنبلة موقوتة ، وهاهي القاعدة تستعد لتشريك هذه القنبلة وتركيب جهاز التفجير في أطرافها الأربعة ، القبلية ، والجغرافية ، والأيديولوجية ، والسياسية.
في الحقيقة إن وجود القاعدة في اليمن وبهذه الصورة المخيفة سوف يضر باليمن ومستقبله السياسي والاجتماعي إذا لم يكن هناك حلول سريعة للتصدي للقاعدة مع الإيمان بأنه ليس هناك حل سريع، ولكن هناك خطوات سريعة يجب اتخاذها بالإضافة إلى الاستفادة من الخبرات المحلية والدولية في تحديد الخطط الأكثر تأثيرا للحد من تواجد القاعدة على الأرض اليمنية ، العالم لن يسكت لمجرد مبررات غير منطقية بينما القاعدة ترسل الطرود إلى العالم دون هوادة، وأعتقد أن القاعدة اليوم تعد لهجوم كبير سوف يشكل خطرا عالميا فقد تكرر مآسي الأحداث السبتمبرية بطريقة مخيفة تنشر الرعب في العالم.
فكرة الرحيل لكل معوقات التغيير في اليمن أضيف إلى قاموسها اليوم ضرورة رحيل القاعدة عن اليمن أيضا كما هي مطالبات الكثيرين لأشياء كثيرة يجب أن ترحل ولن يكون ذلك عملية سهلة بالطبع ولكن رحيل القاعدة التي لم توضع في مدرج الإقلاع بعد يبدو صعبا ولكنه ممكن فيما لو استطاع العالم أن يشرح الخطر الذي تمثله القاعدة على اليمن والعالم للجميع.
عنصر المفاجأة وكشف عمليات القاعدة قبل وقوعها من أهم الخطوات التي يجب أن تتكاتف كل الدول على تحقيقها فالقاعدة التي ليس لها جيش يمكن محاربته على الأرض هي تعتمد على العمليات الإرهابية من خلال أشخاص أو غيره من الوسائل وهذا بلا شك يحتاج إلى مهارة كبيرة في بناء التوقعات التي يمكن للقاعدة أن تنتهجها لمهاجمة الآخرين وعلى الأخص الغرب وجيران اليمن ..
القاعدة التي سمت فروعها استنادا إلى مناطق مهمة بالنسبة لها وتستهدفها مثل القاعدة في المغرب العربي أو القاعدة في جزيرة العرب كل هذه الفروع تشير إلى أن هناك مساحة ممنوحة لهذا التنظيم لكي يركز نشاطه نحو منطقة معينة أو يهاجم الآخرين من خلال هذه المنطقة ، لقد أصبح هناك تأكيد واضح أن القاعدة التي تنمو كما في اليمن لابد من حربها والقضاء عليها بشكل كبير.
روى لي صديق يمني قبل أيام أن القاعدة في اليمن لن تكون مبررا لدخول أمريكا إلى اليمن مهما كان الثمن وهذه الفكرة التي يعتنقها هذا الرجل لابد وأنها ظاهرة يؤمن بها الجميع هناك وهذا بطبيعة الحال مباح في حالة اليمن ومن حق الشعب اليمني فتجربة أمريكا في العراق وأفغانستان جعلت العالم يرفض تدخلها ولكن السؤال التحدي هو كيف يمكن أن تساهم اليمن في إيقاف القاعدة التي تهاجم أمريكا ودولا غربية من الأرض اليمنية بينما أمريكا لن تقف متفرجة على طرود ترسل إليها ، ولذلك يظل الحل في فتح أبواب التعاون مع الجميع دون استثناء لمحاربة القاعدة.
أعتقد أن هذا الزمن هو زمن الإذعان إلى النصائح القادمة من كل اتجاه عبر جهات العالم الأصلية والفرعية فقد تكون النصيحة اليوم أهم من غيرها في الغد لأنها يمكن أن لا تكون غدا نصيحة يمكن التفكير فيها لأن القاعدة في اليمن تحقق أرباحا خيالية، هناك ولو استطاعت أن تنفذ عملية ناجحة ضد الغرب أو أمريكا فسوف تذهب جذورها أعمق في تربة النسق الاجتماعي اليمني وهناك فقط يصعب انتزاعها وعلى الأخص إذا ماعلمنا أن هناك الكثير من النظريات والأفكار الغربية والشرقية والتي تطرح نظرية مفادها أن اليمن هو المقر المتوقع والقادم لزعيم القاعدة ومساعدوه بعد أفغانستان فهل نعمل سريعاً على إحباط ذلك؟؟