عبد الجبار العتابي من بغداد: اعلن في العاصمة الاردنية عمان ظهر يوم الجمعة 19 /11/ 2010 عن رحيل المؤرخ العراقي الشهير الدكتور عبد العزيز الدوري عن 91 عاما امضى اكثر من نصفها في الاردن بعد خروجه من العراق في اواخر الستينيات لظروف سياسية، ويعد الدوري من أبرز المؤرخين العرب وقد اطلق عليه لقب (شيخ المؤرخين العرب) للجهود الكبيرة التي قدمها في مجال التاريخ والمؤلفات المهمة التي رفد بها المكتبة العربية ولمنهجه العلمي الذي اثار اعجاب الاخرين، وكان الراحل في حنين دائم إلى العراق ويتمنى زيارته وهو القائل حينما سئل عن اشواقه إلى إلى بغداد ( والله أشتاق طبعا أشتاق لدجلة، أشتاق للمحلة التي عشت فيها، أشتاق لبعض المساجد الجميلة فيها، بغداد يعني وضواحيها تكون وحدة، فطبيعي أشتاق إلى شيء آخر الذي الناس ما تفكر به، ان أنام على سطح الدار بالليل بدل ما أنام داخل الغرفة مع التبييت وهواء بغداد بالليل هواء يشفي العليل).
ولد الدكتور الدوري في قضاء (الدور) التابع لمحافظة صلاح الدين عام 1919، التي منها أخذ لقبه وقد كان قرية صغيرة وفيها تعلم في مدارس (الكتاب) حيث حفظ القرآن الكريم ثم انتقل إلى بغداد ودرس فيها وأكمل دراسته الثانوية، ثم حصل على بعثة علمية في المملكة المتحدة، فسافر إلى لندن ونال شهادة البكالوريوس من جامعتها 1940، واستمر في دراسته هناك وحصل على شهادة الدكتوراه عام 1942، وكانت أطروحة الدكتوراه بعنوان ( تاريخ العراق الاقتصادي للقرن الرابع الهجري)، ولما عاد إلى بغداد عين مدرسا للتاريخ الإسلامي في دار المعلمين العالية (كلية التربية حاليا) في بغداد، وبقى فيها حتى تمت ترقيته إلى مرتبة أستاذ، وأصبح رئيسا لقسم التاريخ في جامعة بغداد فعميدا لكلية الآداب والعلوم من 1949 إلى 1958 ورئيسا لجامعة بغداد 1962 1966، كما عمل أستاذا زائرا في جامعة لندن بين عامي 1955 1956 وأستاذا زائرا في الجامعة الأميركية في بيروت 1959 1960 واستقر أستاذا للتاريخ الإسلامي في الجامعة الأردنية في عمان لظروف سياسية، حيث قال في حوار مع قناة الجزيرة عام 2007 : ظروف عامة دفعتني إلى ترك العراق والمجيء إلى الأردن، هي في الحقيقة ظروف سياسية لا أكثر ولا أقل، ما كان من الممكن ان اظهر انه بهذه الصفة (خلاف مع حزب البعث)، ولكن وجدت نفسي غير مرتاح فقررت.
ويرى المختصون ان منهج الدوري في تدوين التاريخ يعتمد على الرجوع إلى المصادر الأصلية ومحاكمتها محاكمة منطقية، واستخلاص الحقائق التاريخية منها. لذلك اتسمت كتاباته بالدقة والعمق، ويؤكدون ان الدوري يعرّف التاريخ ويرى أنه (موضوع حي يقوم بدور بليغ في الثقافة، وفي التكوين الاجتماعي والخلقي، وله أثره في فهم الأوضاع القائمة وفي تقدير بعض الاتجاهات والتطورات المقبلة، وهو يتأثر بالتيارات الفكرية وبالتطورات العامة)، كما يشيرون انه ينتقد الكثير من الروايات التاريخية وبعض الكتابات الحديثة عن تاريخ الإسلام في صدر الدعوة ويناقش تلك الأخطاء التي ارتكبت بحق العرب وجردتهم من كل الإمكانات والطاقات الإدارية والفكرية والثقافية وجعلتهم مجرد مقلدين غير مبدعين، كما انه يرى أن (الثقافة اليونانية كانت طارئة ولم يكن لها تأثير مباشر ولم يظهر تأثيرها المباشر في الفلسفة و الطب و العلوم إلا في العصر العباسي وكان ذلك نتيجة حاجات عملية، وإن الشعوب الأخرى لم تبدأ بالمساهمة إلا بعد أن دخلت في مجرى هذه الثقافة، وان تأثيرات الثقافات الأخرى لم تحصل إلا لحاجة العرب إليها بعد ذلك) .
وحسب المعلومات المتوفرة عنه في شبكة الانترنت، فقد استطاع الدوري في مرحلة مبكرة جدا وتحديدا في عام 1945 أن يؤلف كتاب (مقدمة في تاريخ صدر الإسلام) وهي رؤية جديدة للتاريخ الإسلامي جمع فيها رؤيته للعوامل المختلفة التي أسهمت في تطور التاريخ الإسلامي والذي يحددها بعوامل عقدية إيمانية وعوامل قبلية عصبية وعوامل اقتصادية.
كما أن له إسهامات فاعلة في كتابة التاريخ الموسوعي العالمي .. ومن ذلك انه كتب موادا عديدة في موسوعات عالمية منها مثلا ( دائرة المعارف الإسلامية ) منها مواد (بغداد)، (الأنبار)، (أمير)، (ديوان)، (عامل)، وغيرها، ومما حققه كتاب أخبار الدولة العباسية ( أخبار العباس وولده) لمؤلف مجهول من القرن الثالث الهجري، والقسم الثالث من كتاب أنساب الأشراف (العباس وولده) ل البلاذري.
كما نشر له أكثر من ثلاثين بحثا في مجلات علمية متخصصة، أو ضمن كتب ذات موضوعات مختارة، وذلك باللغتين العربية والإنجليزية، كما كلف من قبل منظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) بتحرير مشروع كتاب عام يتناول (تاريخ الأمة العربية)، اما مؤلفاته فهي كثيرة زمنها : العصر العباسي الأول (بغداد 1943)، دراسات في العصور العباسية المتأخرة (بغداد، 1945)، مقدمة في تاريخ صدر الإسلام (بغداد، 1950)، تاريخ العراق الاقتصادي في القرن الرابع الهجري (بغداد، 1948)، النظم الإسلامية (بغداد، 1950)، دراسات في علم التاريخ عند العرب (بيروت، 1960)، الجذور التاريخية للقومية العربية (بيروت، 1960)، تفسير التاريخ مع آخرين (بغداد، لا.ت )، التكوين التاريخي للأمة العربية: دراسة في الهوية والوعي (بيروت، 1984)، الجذور التاريخية للشعوبية، ط1، (بيروت، 1962) وط2 (بيروت، 1980)، ناصر الدين الأسد بين التراث والمعاصرة (بيروت، 2002)، نشأة علم التاريخ عند العرب (طبعة جديدة، 2005) .
وسوف يدفن جثمان الراحل في مقبرة سحاب شرقي العاصمة عمان .