ليس من عادة رئيس الجمهورية عندما يخطب أن يقرع الميكرفون بيده للتأكد من أنه يعمل. لكنه فعلها في كلمة الافتتاح في حفل إطلاق بطولة خليجي عشرين.. لقد قرع بأصبعه على الميكرفون وفهم من ذلك شيئا، وفهم المتابعون شيئا آخر: فهم الرئيس أن الميكرفون يعمل وأن صوته -إذا تكلم- سيكون مسموعا، وفهم الناس أن أجهزة الدولة في اليمن لا تعمل بشكل سليم وأن عملها محل شك بالنسبة لرئيس الجمهورية نفسه!!
وعند الحديث عن عوامل سقوط النظام الداخلية والخارجية والتي تتسابق للوصول إليه، فإن هناك مجالا أمام النظام لإبعاد هذين العاملين في وقت واحد وليطيل به عمره لفترة تطول أو تقصر (عامل السقوط بفعل الداخل، وعامل السقوط بفعل الخارج). وحاصل هذا الخيار أن يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات حقيقية للحكومة لإدارة شؤون الدولة، مع الفصل بين مؤسسات المؤتمر الشعبي وصناع القرار فيه، وبين المؤسسات التابعة للحكومة وصناع القرار فيها.
إن هذا الخيار لا يتعارض -أبدا- مع مصالح النظام العليا، بل يصب في مصلحته بدرجة أساسية وبصورة مباشرة. وهناك نماذج لأنظمة أكثر استبدادا من النظام اليمني، وأكثر اعتمادا على العائلية والعشائرية، وأكثر استئثارا بمجالات الاستثمار الحيوية والكبرى. ولكن هذه الأنظمة كلما زادت استبدادا وسيطرة على الكرسي، زادت -بالمقابل- من ضبطها وتنميتها للجهاز الإداري الحكومي، وذلك على اعتبار أن فساد الحكومة والمؤسسات ذات الصلة المباشرة بحياة الناس، هو مكمن الخطر المحدق بالنظام، أما فساد النظام ذاته فذلك أمر لا تدرك أغلبية الناس خطره لعدم وضوح صلته المباشرة بحياتها ومعيشتها ومستقبلها. وستظل معارضة النظام -في هذه الحالة- مقصورة على النخب السياسية، وعلى سبيل المثال: إصلاح التعليم، لا يتعارض مطلقا مع مصالح النظام الكبرى، لا مع التمديد الرئاسي المنشود، ولا مع تصفير العداد المطلوب، ولا مع مخطط التوريث، ولا مع الاستئثار بالكرسي وفرص الاستثمار الكبرى، ولا مع سرية تصدير النفط!! وذلك هو ما يشير إليه نصر طه مصطفى في مقاله المنشور قبل أيام تحت عنوان «عن طعنات الإعلام العربي»، إذ يقول: «.. وأن يتم التوجه بجدية لإعطاء الجهاز الإداري المدني للدولة ما يستحقه من الاهتمام والبناء فهو عمود الدولة -أي دولة- وعمادها وعنوان هيبتها..».
إنها مشورة لمصلحة النظام، ولتناضل النخب السياسية بعد ذلك من أجل الإصلاح السياسي على مستوى النظام في أعلى الهرم السياسي. وإنها مشورة لمصلحة الشعب والوطن، ولكن: لا رأي لمن لا يطاع!!