في نهاية دورة الخليج الـ20 في عدن تمسك فخامة الرئيس علي عبدالله صالح بالكأس ورفعها عاليا للحظات معدودة قبل تسليمها لقائد منتخب الكويت؛ حيث ظهرت اللحظات وكأنها دهر، فقد كان الرئيس صالح هو الفائز حين نجحت اليمن في التحدي، وأثبتت قدرتها على اللحاق بالركب. وتكاد أن تلمس بيديك شعوره وهو يقول نحن منكم؛ حيث شعرنا بصدق بأن الضمير لا يحول أبداً دون ارتكاب الخطيئة ولكنه يمنع من التمتع بها. وخطيئتنا التي لا نستطيع التنصل منها هي قصر النظر وترك اليمن يواجه مصيره.
____________________________
في مدن الخليج المرفهة نصاحب أفلاطون نهارا لزيارة موقع بناء مدينته الفاضلة ونسأله إن كان يريد مقاولا، ثم نتجول في الليل مع فولتير في صالونات باريس الأدبية نحمل بدل أوراق الحرية عقودا لصفقات تجارية، لنختم السهرة بالاشتباك مع هيجل ونظرية الجدل الديالكتيكية لخروجها عن أصول المفاوضات،
وقبل ظهور الصباح تصيح علينا مذيعة وقحة الأناقة بأن الحكومة اليمنية قد أرسلت تعزيزات عسكرية إلى حبيلين في محافظة لحج جنوب البلاد، بعد مواجهات دامية، ومقتل الناشط الجنوبي عباس طنباج و5 عسكريين، ما يثير المخاوف من تجدد المواجهات المسلحة ودعوة الانفصال والحرب الأهلية، التي تتزامن مع اكتشاف تعاون لوجستي بين حركة الشباب الصومالي الأصولية وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي يتخذ من اليمن مقراً. فنتذكر أن قائد الحوثيين عبدالملك الحوثي مشغول فقط عن ساحة الحرب لأنه في سرادق العزاء بعد أن انتقل إلى رحمة الله والده الطاعن في السن الزعيم الروحي بدر الدين الحوثي.
إن استقرار اليمن وتنميته هو أحد الأهداف الاستراتيجية لمجلس التعاون، كما قال وزير مسؤول خلال قمة خليجية، فهل تحركت لذلك غريزتنا الاستراتيجية، مصالحنا، أو ضمائرنا؟
إن الضمير لا يحول أبداً دون ارتكاب الخطيئة ولكنه يمنع من التمتع بها، وخطيئتنا التي لا نستطيع إنكارها هي ترك اليمن يواجه مصيره كما واجهه الصومال وانهار بعده مخلفا بؤرة أزمات يطالنا شررها بين الفينة والأخرى، ويواجهها السودان بنذر الحرب حال فشل الاستفتاء أو إفشاله، ثم العراق بعد تلويح الأكراد مؤخرا بحق تقرير المصير وتبعات انفصاله.
بناءً على قراءة التغيرات المقبلة على الساحة الإقليمية وفي خطاب حول الاستراتيجية الأميركية في معالجة الأوضاع الأمنية والاقتصادية في اليمن حماية لمصالحها الأنانية الضيقة، أكد جون برينان أن «اليمن يهمنا ويهم العالم.. واليمن مهم ليس فقط بسبب التهديدات الخارجة منه، بل بسبب موقعه الاستراتيجي أيضا».
وأضاف مستشار الرئيس الأميركي لمكافحة الإرهاب أن هناك استراتيجيتين، واحدة قصيرة الأمد لهزيمة تنظيم القاعدة، وثانية لمساعدة اليمن على التنمية الاقتصادية، لكنه لم يقل إن تحقيق الأولى سيتم باعتماد دبلوماسية الطائرة من دون طيار (Unmanned Aerial Vehicle) التي أثبتت قلة كلفتها ونجاحها في جبال أفغانستان وحدود باكستان في وفاء لدبلوماسية غربية قديمة هي دبلوماسية البوارج (Gunboat Diplomacy) التي أخضعتنا بها بريطانيا في القرن التاسع عشر دون أن تكلف نفسها عناء مشاهدة ما تخلفه من دمار فوضوي.
أما الثانية فهي الدعم المالي لليمن والذي كان 22 مليون دولار عام 2008م ووصل إلى 300 مليون دولار عام 2010 م، لكنه لم يشر إلى أن هذه الأموال هي من جيوب مجموعة الدول المانحة لليمن وليست من جيبه، والتي من ضمنها دول الخليج العربي، كما لم يشر إلى أنها ستذهب كغيرها لشراء الولاءات القبلية لحرب القاعدة بدل إنشاء مشاريع التنمية المستدامة.
وفي الخليج فلم نكن مرتبكين تجاه اليمن استراتيجيا فحسب بل عاجزين عملياتيا، يدعمنا رأي خلقته وسائل الإعلام والمجموعات التجارية الخليجية لا رجال السياسة، ويذهب ذلك الرأي إلى أن ضم اليمن لمنظومة أمن الخليج لن يكون قوة للمجلس، أو يحمي اليمن من الانهيار، بل إن انضمام اليمن إلى مجلس التعاون سيجر مجلس التعاون معه إلى الأسفل؛ حيث إن عدم الترحيب الخليجي الشعبي كما تقول وسائل الإعلام مرده أن صورة اليمن في الشارع الخليجي ليست حسنة! فاليمن بتعداده السكاني الكبير وفقره، سيزاحمهم في مواردهم ولقمة عيشهم! وفي ذلك تغييب لحقيقة أن هذا الرأي تأصل بسبب توجهات اقتصادية بحتة غذاها قصر النظر الاستراتيجي الذي تروجه وسائل الإعلام لا مراكز الأبحاث الاستراتيجية، وفي ذلك تجاهل لحقيقة صلبة تتمثل في أن انهيار استقرار اليمن يهدد استقرار دول مجلس التعاون كما هدده انهيار أفغانستان وتلاميذ مسارح عملياتها وهي التي تبعد آلاف الأميال عن الخليج.
في نهاية دورة الخليج الـ20 في عدن تمسك فخامة الرئيس علي عبدالله صالح بالكأس ورفعها عاليا للحظات معدودة قبل تسليمها لقائد منتخب الكويت؛ حيث ظهرت اللحظات وكأنها دهر، فقد كان الرئيس صالح هو الفائز حين نجحت اليمن في التحدي، وأثبتت قدرتها على اللحاق بالركب. وتكاد أن تلمس بيديك شعوره وهو يقول نحن منكم؛ حيث شعرنا بصدق بأن الضمير لا يحول أبداً دون ارتكاب الخطيئة ولكنه يمنع من التمتع بها. وخطيئتنا التي لا نستطيع التنصل منها هي قصر النظر وترك اليمن يواجه مصيره.