[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

التعديلات الدستورية.. اليمن من الوحدة إلى التجزئة والحرب الأهلية

مما لا شك فيه أن اليمن تمر بأزمة سياسية تبدو مظاهرها واضحة للعيان، أزمة اقتصادية وغلاء في الأسعار أفقر الطبقة الوسطى وسحق الطبقة الفقيرة بسبب السياسيات التنفيذية الهوجاء لحكومات المؤتمر الشعبي العام من بعد حرب 94م.

وقد تولى اللوبي الإمامي الإشتراكي داخل المؤتمر الشعبي هذه السياسات التي أدت إلى أزمة اقتصادية مفتعلة غير حقيقية ، وقد تزعّم هذه المؤامرة عبد القادر باجمال الذي ذبح الشعب اليمني بغير سكين، ونظّر لهذه السياسات الاقتصادية وتولى تنفيذها بنفسه من خلال توليه رئاسة الحكومة عدة مرات.

ولعلّ الأخ الرئيس يتذكر أنني أول من اعترض على هذه الجرعات من بين قيادات الإصلاح بعد الحرب مباشرة، حيث ذهبت إلى الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رحمه الله وعبّرت له عن إستيائي من هذه الجرعات وخطرها، فقام بالاتصال بالأخ الرئيس وهو في عدن وتم الإتفاق على نزولي إلى عدن واللقاء بالرئيس لإبداء وجهة نظري، وبالفعل إلتقيته في عدن وحذّرت من الجرعات، وأخبرته أن المخطط كان يستهدف النظام الجمهوري قبل الحرب عبر القوة العسكرية للحزب، وأن مخطط اللوبي الإمامي الانفصالي بعد الحرب هو الحراك الشعبي في المناطق الجنوبية ولا سبيل إليه إلا عبر الجرعات الاقتصادية وعبر الفتنة بين الإصلاح والمؤتمر، وهاهي الأيام تثبت صحة رأيي.

حيث مهدت الأزمة الاقتصادية المفتعلة لأزمة سياسية أخرى وهي ظهور الحراك والنزعات المناطقية والانفصالية في الجنوب، والشيء المؤسف أن حكومة المؤتمر ما زالت حتى الآن تعد الشعب بمزيد من الجرعات بل جعلت ذلك من أولوياتها العشر التي تصلح أن تكون العشر الأواخر لا الأوائل لمن يدرك حقيقة الوضع السياسي والاقتصادي.

كما مهدت الأزمة الاقتصادية إلى جوار النشاط العلمي الإمامي إلى ظهور التمرد الإمامي العسكري في صعدة الذي لا يعترف بالنظام الجمهوري السني ولا بحقوق أبناء اليمن السياسية في تولي السلطة السياسية في اليمن بل يعتبر هذا التمرد أن السلطة السياسية في اليمن حق لأدعياء النسب الهاشمي ولا يجوز لأي يمني أن يفكر في تولي الولاية العامة والسلطة فضلاً عن الوصول إليها، وعلى أساس نظرية الإمامة في المذهب الهادوي يكفر الإماميون أي نظام سياسي آخر ويبيحون لأتباعهم من المغرر بهم التمرد العسكري والقتل وسفك الدم تحت ذريعة (خروج الإمام شاهراً سيفه)..

وباسم هذه النظرية السياسية الشيطانية في المذهب الهادوي دخلت اليمن في حروب أهلية عبر فترات طويلة من تاريخ اليمن وكلها تبدأ بتمرد عسكري من صعدة وحروب متواصلة حتى يصلوا إلى صنعاء، ابتداء من إبراهيم الجزار سنة 198ه الذي سمي جزاراً لكثرة من قتل من اليمنيين والذي وصل إلى جدر على ضواحي صنعاء وقُتل فيها، ومروراً بالهادي يحيى بن الحسين سنة 284ه الذي خاض أكثر من ثمانين معركة حتى وصل إلى صنعاء وإنتهاءاً بالإمام يحيى حميد الدين .

هذه هي أبرز مظاهر الأزمة الحالية التي تعصف باليمن، لكن الأخطر من الأوضاع الحالية الحلول المقترحة والوصفات غير الصحيحة للخروج من هذه الأزمة، لأنها ستؤدي إلى تفاقم الأوضاع أكثر مما هي عليه، وصدق أمير الشعراء شوقي الذي بين أن بعض الدواء قد يكون أخطر من الداء نفسه بقوله:

داويت متئداً وداووا طفرة
وأخف من بعض الدواء الداء

ومن هذا المنطلق يمكننا القول دون مبالغة أن التعديلات الدستورية التي تحمست لها قيادات المؤتمر الشعبي بما فيهم رئيس الجمهورية والتي طُرحت على مجلس النواب للتصويت عليها هي: الدواء الداء، والوصفة القاتلة المسمومة، والحل الكارثة الذي سينقل اليمن من الوحدة إلى التجزئة بحيث يتم تفكيك الدولة إلى دويلات وأقاليم ومخاليف وسلطنات وكانتونات وكميونات بعدد المحافظات والمديريات وكل ذلك سيتم باسم الحكم المحلي واسع الصلاحيات (الفيدرالية المقنعة) فيحصل للدولة انهيار سياسي.

كما أن الحكم الذاتي أو المحلي على مستوى كل محافظة ومديرية لن يهدد وحدة البلاد السياسية فحسب بل الوحدة الوطنية أي التماسك الاجتماعي، حيث سيؤدي إلى تعميق النزعات العصبية الشطرية والمناطقية والقبلية فيحصل الانهيار الاجتماعي.

وبحصول الإنهيار السياسي (وحدة البلاد السياسية) والانهيار الاجتماعي (وحدة البلاد الوطنية) إلى جوار الأزمة والانهيار الاقتصادي والصراع الحزبي والحراك الجنوبي والتمرد الإمامي في صعدة، يحصل الانهيار الأمني فتدخل اليمن مرحلة الصوملة والحرب الأهلية والعياذ بالله.

أما موضوع التمديد فقد طرح كطعم ليتم المشروع الأخطر وهو إلغاء الوحدة. فأقول لقيادات المؤتمر الشعبي وللرئيس علي عبد الله صالح: لقد تحمل الشعب اليمني سلسلة من الأخطاء الاسترتيجية التي ارتكبت من بعد الحرب بسبب غياب التخطيط السياسي وسوء الإدارة.

فالشعب الذي إلتف حول الرئيس بشماله وجنوبه من أجل الدفاع عن الوحدة في حرب 94م تمت مكافأته بسياسة الجرعات الخاطئة حيث نزع الدعم الضروري عن المواد الأساسية والمشتقات النفطية وتم صرف هذه العائدات في أمور كمالية تعبث بها الحكومات الفاسدة.

وحزب الإصلاح الذي كان حليف الرئيس الاستراتيجي في أوقات المغارم لا المغانم تمت مكافأته بإقصائه بطريقة مذلة في الانتخابات وتحالفت قيادات المؤتمر الشعبي مع ألد أعداء النظام الجمهوري والوحدة اليمنية (اللوبي العنصري الإمامي) بحجة تحجيم الإصلاح في الانتخابات بحيث أصبح خطر الحوثيين المتغلغلين في قيادة المؤتمر وفي مواقع المال والمعلومات والنفوذ داخل الدولة، والممسكين بعدة حقائب وزارية لا يقل عن خطر الحوثيين القادم من صعدة، لأن الحوثيين في قيادة المؤتمر والدولة داخل العاصمة هم بمثابة رأس الأفعى أما الحوثيين في صعدة فهم ذيلها.

فالطريق لإنهاء خطر الحوثيين يكون بضرب الأفعى في رأسها لا في ذيلها - وقد أثبت ذلك الواقع عبر ستة حروب - عبر إقصاء اللوبي الإمامي من مواقع النفوذ في الدولة والحقائب الوزارية.

والحكم المحلي الواسع الصلاحيات أهم وأخطر مضامين التعديلات الدستورية الذي هو مشروع إمامي في الأساس لا جمهوري سيضفي الشرعية السياسية على التمرد الإمامي العسكري وعلى الحركات الإنفصالية ويضعف من كيان الدولة المركزية الذي هو ضعيف أصلاً.

فالعقلاء لا يفكرون في الفيدرالية واللامركزية والحكم المحلي الواسع الصلاحيات والبلد ينتقص من أطرافه والاقتصاد منهار والصراع الحزبي على أشده.

فالشعب اليمني كما أشرت سلفاً قد تحمل كل تلك الأخطاء والسياسيات العوجاء لكنه لن يتحمل أن يتم التفريط بأهم مكتسبات اليمن من بعد الثورة وهو الوحدة اليمنية باسم التعديلات الدستورية، فالمشكلة ليست في الوحدة اليمنية والحل لن يكون بتجزئة هذه الوحدة، والمشكلة ليست في النظام الجمهوري، والحل لن يكون ببديل برلماني ملكي كما يصور ذلك الإماميون.

عمق المشكلة اليمنية اقتصادي، فاليمن يحتاج إلى رؤية اقتصادية تخرج الشعب من هذه المعاناة وتوقف هذا التلاعب بمليارات الدولارات.

وعمق المشكلة يكمن في الفساد المالي والإداري ويحتاج معه إلى خطة للإصلاح الإداري تقوم على أساس تفعيل الرقابة وإعمال مبدأ الثواب والعقاب والتخلص من لوبي الفساد داخل الحكومة ولوبي التآمر الإمامي الإنفصالي واستبدالهم بالعناصر الإدارية الكفؤة والمخلصة.

وفي الأخير لا يسعني إلا أن أقول للأخ الرئيس ولقيادات المؤتمر ولرئيس مجلس النواب وأعضاء المجلس: أن هذه التعديلات الدستورية ليست أمراً إجرائياً عادياً كبقية الأمور الإدارية، بل هو أمر يتعلق بالحفاظ على وحدة اليمن الاندماجية في حال إيقاف هذه التعديلات، أو إلغاء هذه الوحدة وإعلان شهادة وفاتها في حال إقرارها، والتاريخ لن يرحم كل من يشارك في هذه التعديلات التي هي فكرة امامية تآمرية كما سأثبت في الحلقة القادمة.

وأقول للأخ الرئيس ليس هناك ما يدعو لاتخاذ مثل هذه الإجراءات لاسيما واليمن تشهد دعماً إقليمياً ودولياً غير محدود للحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره.

فالمملكة العربية السعودية ستشعر أن التعديلات الدستورية تشكل خطراً على أمنها واستقرارها، لأن هذه التعديلات ستضفي الشرعية على إقليم شيعي يمتد من صعدة إلى ميدي.
والجانب الدولي الذي أعلن مراراً وتكراراً تأييده للوحدة اليمنية - وبدا ذلك واضحاً في زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية - سيشعر بخطورة التعديلات الدستورية التي ستفتت اليمن وتعمّق العصبيات القبلية والدويلات العشائرية التي ستكون ملاذاً آمناً للإرهاب.

فهل سيتخلى المؤتمر الشعبي عن دعم دولي وإقليمي محقق بحثاً عن سرابٍ مخادع وهو إسترضاء القيادات الطائفية والعناصر الإمامية في أحزاب المعارضة. فمن الأفضل لك أن تقاتل عن الوحدة حتى الموت بدلاً من أن تتخذ قرار إلغاء الوحدة بنفسك عبر هذه التعديلات واجعل مشاريع التجزئة هذه تأتي من غيرك لا منك.

حتى في أسوأ الأحوال إذا حصلت مظاهر تشرذم وتمرد هنا وهناك في الواقع فهذا لا يبرر إضفاء الشرعية الدستورية عليها، فحصول إنفصال في الواقع مع وجود الشرعية الدستورية للوحدة أقل خطراً من أن نسبق حركات التمرد بشرعية دستورية مُلغية للوحدة مُقرّة بواقع التجزئة.

فيجب أن لا يتكرر الخطأ الذي ارتكبه الأخوة في السودان عندما وافقوا على الاستفتاء ووقعوا في هذا الخطأ القاتل الذي نشهده جميعا المهدد لوحدة السودان، وخطر التعديلات الدستورية يفوق خطر الإستفتاء، لأن التعديلات الدستورية فيها إقرار رسمي من الدولة بواقع التجزئة ثم استفتاء على التعديلات وقد أقرت الدولة مسبقاً بإلغاء الوحدة الاندماجية.

فلماذا تنشغل القيادات الجمهورية بتنفيذ مخططات القيادات الإمامية والإستراتيجية السياسية الشيعية المستهدفة لليمن والجزيرة العربية وتترك الأسباب الحقيقية للأزمة دون معالجة على رأسها الأزمة الاقتصادية.
- أنصح الأخ الرئيس بالمضي في الانتخابات دون تعديلات دستورية، فالحل ليس في التعديلات وإنما في الدعم الاقتصادي الذي ستتلقاه اليمن في مؤتمر أصدقاء اليمن الذي سينعقد في المملكة، وعبر خطة اقتصادية لحسن تصريف الموازنة العامة للدولة على قاعدة الأهم فالمهم، وإذا أصرت اليمن على مثل هذه التعديلات فربما يحجم أشقاء اليمن وأصدقائه عن مثل هذا الدعم الذي هو حاجة ماسة لليمن.

وأختم هذا المقال ببيان الدواء الحقيقي للأزمة الحالية بصورة مختصرة مختزلة من خلال الإشارة إلى حكمتين وردتا في صحف موسى (التوراة) والحكمة ضالة المؤمن .. صحف موسى التي زكاها القرآن بقوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى{33} وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى{34} أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى{35} أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى{36}) النجم.

فأقول للأخ الرئيس الذي تولى على هذا الشعب وأعطاه قليلاً في حياته الاقتصادية ثم بخل عليه وأكدى بالدعم الضروري لقوت بطنه عبر الجرعات المتوالية: ها أنذا أُنبأك بأهم ما ورد في صحف موسى ويتعلق بهما حل الأوضاع الحالية مع ملاحظة أن إستشهادي بنصوص القرآن والتوراة منطلقٌ من القاعدة الشرعية (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب):

1- جاءت حكمة في صحف موسى في سفر الأمثال تقول: (الملك الحكيم يشتت الأشرار).
فأخطر مشكلة يعاني منها الرئيس هي بطانة الفساد والتآمر والأشرار والأفاعي المحيطة به، والحل يكمن في تشتيت هؤلاء الأشرار والبطانة الفاسدة من المواقع القيادية في المؤتمر ومن الحقائب الوزارية في الحكومة، للتهيأ اليمن لإستيعاب الدعم الاقتصادي من الدول الشقيقة والصديقة وتضع هذا الدعم في مواضعه لأن التجارب السابقة أكدت أن لوبي الفساد والتآمر داخل الحكومة قد جعل اليمن غير مهيأة للإستفادة من دعم الدول المانحة بدليل عدم قدرتها على تصريف المبالغ الممنوحة في مؤتمر لندن 2006.

2- كما وردت الحكمة التالية في صحف موسى التي تقول: (الملك الذي يحكم للفقراء بالحق يثبت كرسيه للأبد).
وفي هذه الحكمة إشارة إلى عمق الأزمة وهي الأزمة الاقتصادية وسياسة الجرعات الخاطئة، والحل يكون بإجراءات اقتصادية معاكسة للجرعات تكون لصالح الفقراء بإعادة الدعم للسلع الأساسية والمشتقات النفطية التي إرتفعت أسعارها بصورة جنونية فكيس القمح إرتفع سعره من 300 ريال بعد الحرب إلى 7000 ريال بعد الجرعات، وتخفيف النفقات الكمالية، وخطة إصلاح إداري لزيادة الإيرادات.

بهذه الإجراءات لا بالتعديلات يثبت الكرسي الجمهوري المهدد بالخطر الإمامي الشيعي إلى الأبد بإذن الله، أما استمرار الجرعات وسياسة التجويع فستؤدي إلى ثورة جياع شعبية على الطريقة التونسية، وسيستغل اللوبي الإمامي الانفصالي هذه المعاناة الاقتصادية للشعب ويوظفونها في مطالب سياسية حزبية تستهدف الوحدة اليمنية والوحدة الوطنية لا علاقة لها بمعاناة الشعب الحقيقية.

زر الذهاب إلى الأعلى