[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

نم عميقاً سيدي الجنرال.. لاشيء في الأفق!

أحرق ابوالعزيزي نفسه، احتجاجاً على مصادرة عربته لبيع الخضار، فاشعل النار في جسم نظام طاغية، ومن لهب جسمه الظامر أضاء للملايين الدروب.

واحرق مواطن في صنعاء قبل بوعزيزي بأيام فقط، نفسه للأسباب ذاتها في حشد من الناس، صفق الحشد إبتهاجاً، وكأنهم في سيرك العاب ناربة، في عيد للنيروز، ومضى كل في حال سبيله، بحثاً عن قيولة قات الظهيرة، ولحظات لنسيان مرارات التعب .

في الوطنين تونس و اليمن، يحكمهما ذات الجنرال، فقط في وطن بوعزيزي مجتمع حي، وفي وطن الضحية الريمي، مجتمع ميت، ولعل هذا هو الفرق بين الاثنين، الأول زلزل سلطة الظلم، فيما الآخر يؤبد باستكانته دولة القهر في اليمن .

وقف بن علي، امام أضواء تلفزته ذات اللون الواحد، عدة وقفات خطابية، في أيامه الثلاثة الأخيرة، هدد وتوعد في طلته الأولى، خوَّن وجرَّم الجياع المنتفضين، في طلته الثانية، وفي الثالثة أستعطف واعتذر ووعد، طلب الغفران وتسول الصفح، منكسراً قال في خطبة وداعه الأخير، لن أترشح، سأخفض الأسعار، سأطلق المعتقلين وأحرر الاعلام، سأوقف في مخفر أمني الخاص البطالة، ومنع اطلاق الرصاص، حباً في الله فقط انا رئيسكم المحبوب، امنحوني فرصة أخرى، فسحة ثانية.

يا.. ألله كم هؤلاء الطغاة جبناء، كم هم أمام هبوب عواصف الشعب أوراق خريف، أمام زمجرة الغاضبين، جذوع نخل مسوسة خاوية.

الآن اكتب هذا عشية الإطاحة بعرش بن علي الطاغية، طائرة بين السماء و الأرض، وهذا المخلوع يجوب فضاء الاوطان بحثاً عن لجوء آمن، مالطا ترفض، فرنسا ساركوزي لا تسمح.. وذات المشهد تكرر ذات عام: أمريكا في وجه نميري تغلق مطارها اثر اطاحته، أمريكا لا تقبل هبوط طائرة شاه إيران، ليوارى بعدها جثة هامدة، في قبر منسي على هامش مدن صفيح، عشوائيات القاهرة.

في زمن ما بعد تونس، ستكر السبحة في أنظمة القمع العربي، سيتضور الحكام اللصوص، مهانة وجوعاً وذلاً، في مهاجع الآخرين، حتى الموت. سُيدفنون في مقابر الغرباء، فيما يتساقط أقاربهم الأثرياء تباعاً، في قبضة لوردات الشوارع الفقيرة.. حراس عطر ثورة الياسمين.

جميع الرؤساء الملوك في المنطقة في كرب عظيم، الكل يتحسس رأسه، يضرب الودع، لمعرفة من منهم التالي، وأي من الشعوب سيغتسل أولاً، من خطيئة الخوف، من اولاً يكسر التابوت، وللحاكم المستبد يخرج شاهراً للرصاص صدره العاري.

تعلن ليبيا.. موريتانيا.. الجزائر.. الأردن تخفيض الأسعار، فيما اليمن وحده مازال يكرس تلفزته، لإبراز عضلات جيوشه، يقدم على الهواء مباشرة حصص حيه لضرب النار، في رسالة قوة همجية حمقاء غبية يوجهها للناس:لا تفكروا، انسوا الأمر، سندق عنق من تسول له نفسه، انسوا الأمر، نحن أقوياء، الوضع تحت السيطرة، قبلك بغطرسة وزهو قالها بن علي،ثم ابتلعه الظلام.

لا شيء يبدو واضحاً في سماء اليمن الساكنة، قر عيناً ايها الحاكم المستبد، مدد ماشئت لكرسي عرشك، نحن شعب من الموتى، ونخبنا ستدرس امر البوح للإسفلت بالشكوى، ستتنادى لبحث الأمر في الأشهر أو السنوات القادمة.

قرعيناً وطب نفساً ايها الحاكم، مدد لعائلتك، ومد رجليك كيف اردت فوق ظهر الشعب، فلا شيء في الأفق، لا صوت يكدر قداس صمت هذا الوطن المقبرة، نحن لا نشكو قبل ان يبحث ساستنا في العقود التالية فتوى، شرعية الجهر بالألم، و إلى ان يحين ذلك، فقط الآن ابسط نعليك الطاهرين على أجسادنا المارقة الرجسة، ونم عميقاً، الطقس غداً صحو، وفي سماء شعبك سيدي الرئيس لا نُذر غضب، ولا حتى سحابة صيف مراوغه مخادعه، لا رعد، لا عاصفة، لا مطر.

نم سيدي الجنرال سعيداً.

سيلتئم شمل ساستنا بعد جيل، وقتها لمتغيرات السياسة الدولية، لعدم نضج شرط الظروف الموضوعية، لاستعصاء معادلات كيمياء تخليق أوكسجين الحرية، لهذه الاسباب مجتمعه سيرجئ ساستنا الشكوى، وربما سيلعنون نزق الشعب، ويمنحوك وسام الصبر، وبراءة اختراع القتل بكاتم صوت، رصاص نبيل، وجوع رحيم، وبفاجعة تتلوها فاجعة .فقط نم بين حواريك سيدي الجنرال عميقاً، احلامك "باهية" نهارك مشمس..

ويصبح مادونك على سلة خبز فارغة، على انسحاق وخرس، يصبحون على لا كرامة.. لا وطن!!. فقط الآن نم عميقاً، ولا نامت أعيننا أعين المتآمرين الخائرين الجياع.. الرعاع.. العبيد الخانعين!!!.

كم هي ذابحه رسالة ذاك المواطن اليمني الذبيح وهو يرقب عرس تونس : "لاني يمني على حالنا عيني تذرف الدمع.. ليتني كنت تونسياً".

إذا لم تكن اليمن الحجرة الثانية في تساقط أحجار "دمينو" الأنظمة سأصرخ بكل حزن ويائس وعجز الدنيا :

يسقط الشعب الصامت.. عاش الرئيس الداهية !!

من كل قلبي أتمنى ان لا اصرخ.

*رئيس تحرير الثوري سابقاً

زر الذهاب إلى الأعلى