كثر الحديث عن موضوع التعديلات الدستورية وتحديدا تعديل المادة 112 التي تتحدث عن فترة ودورية الترشح للانتخابات الرئاسية، وهي المادة التي كان لفخامة الرئيس الدور الأكبر لإخراجها إلى حيز الواقع الدستوري كأول رئيس عربي يُقدم على هذه المبادرة الديمقراطية الشجاعة.
عندما نتحدث عن الديمقراطية والتعددية السياسية واحترام ممثلي الأقلية لقرارات وصلاحيات الأكثرية النيابية وفق ما هو محدد في دستور البلاد، فهذا لا يعني أن يترك الأمر كله لهذه الأكثرية، فالتوافق السياسي على المسائل المصيرية كمسألة التعديلات الدستورية من البديهيات الحتمية لتطوير العملية السياسية في البلد حاضرا ومستقبلا وفق إجماع وطني على هذه التعديلات من خلال مشاركة كل الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية في وضع شكل ومضمون النظام السياسي التعددي للبلد استنادا على قاعدة المصالح الوطنية العليا ومبادئ وأهداف الثورة والجمهورية والوحدة.
علي عبد الله صالح زعيم تاريخي ومناضل وطني كبير وهذه حقيقية يشهد بها غالبية الشعب اليمني الذين انتخبوه ولازالوا على عهدهم به ، وتاريخه المشهود كرئيس جمهورية وكقائد وطني قدم الكثير لوطنه وشعبة مسألة لا يختلف عليها اثنان حتى من خصومة ، وبالتالي احترامنا وحبنا لهذا القائد الكبير لا يعني إلباس كرسي الرئاسة " تاج الملك " في دولة جمهورية ودستورية......
وفي تصوري أن فخامة الرئيس علي عبد الله صالح لن يقبل في النهاية بما يهيئ له البعض من داخل المؤتمر كمسألة التعديل الدستوري الذي يهدف إلى إلغاء مبادرته التاريخية في تحديد مدة الرئاسة بدورتين وهي المبادرة التي أقدم عليها كما أسلفنا بمحض إرادته الحرة وكحرص وطني منه على تطوير النظام السياسي والنهج الديمقراطي الذي اعتمدته بلادنا كنظام للحكم لحاضر ومستقبل اليمن.
وإدراج تعديل دستوري يلغي مدة الرئاسة ويجعلها مفتوحة ليس في مصلحة البلد بل ليس في مصلحة الرئيس نفسه صاحب المبادرة التاريخية وليس في مصلحة أيضا تجربتنا الديمقراطية ونظامنا السياسي التعددي بل ونظامنا الجمهوري الذي لا يقر بالحكم الفردي حتى وان جاء عن طريق صناديق الاقتراع، وبالتالي المضي قدما لإقرار هذا التعديل لا يعني سوى إننا نتقدم خطوات وباندفاع إلى الوراء ونكرس بالفعل مبدأ غير ديمقراطي رفضه الأخ الرئيس من قبل، فالديمقراطية كما يردد دائما في خطاباته منظومة متكاملة وكلا لا يتجزأ.
وبالتالي هذا التوجه الحماسي الغير مدروس الذي بدء بحديث النائب المؤتمري سلطان البركاني لقناة السعيدة وانتهى بمناصرين ومؤيدين من داخل أو من خارج المؤتمر ومن ثم تطور الأمر إلى مشروع تعديل دستوري للمادة 112... اعتقد أنه طرح سياسي في غير محله يزيد فقط من الخلاف والتباين السياسي بين السلطة والمعارضة ويؤسس لتجارب غير ديمقراطية ضررها أكثر من نفعها على العباد والبلاد والنظام السياسي برمته ، ثم إن المسألة برمتها ليست تحدي ومقدرة وصلاحيات دستورية خاصة في أمر حساس ومصيري يحتاج بالفعل إلى التوافق والإجماع الوطني.
صحيح إن البلد تمر بظروف صعبة على مختلف الصعد تستدعي وجود قائد حكيم وربان سفينة ماهر بحجم علي عبد الله صالح، و لكن هذا لا يعني إلغاء دعامة أساسية من دعائم الاستقرار السياسي للبلد حاضرا ومستقبلا والتي أرساها فخامة الرئيس علي عبد الله صالح، وكان جادا في انتخابات 2006م بعدم الترشح لولا الضغوط الشعبية الكبيرة التي ناشدته بالتراجع عن قراره، وبالتالي الشعب وحدة وإرادة الشعب وحدها ستختار من يمثلها كمرشح لانتخابات 2013 وإذا كانت هذه الإرادة - آنذاك - تسير في طريق إعادة ترشيح الأخ الرئيس لدورة استثنائية عندئذ لابد أن تحترم إرادة الشعب وإيجاد المخرج الدستوري المناسب بعيدا عن الغاء شرط الدورتين وعبر توافق سياسي تجمع عليه القوى والأحزاب السياسية في البلد... وبذلك نخطو الخطوات الديمقراطية السليمة بعيدا عن خلط الأوراق السياسية والتحايل على المواد الدستورية.
وإيجاد مخرج دستوري بعيدا عن موضوع " قلع العداد " لتحقيق هذا المطلب الشعبي إذا حدث آنذاك مسألة ليست بتلك الصعوبة التي يتصورها أو قد يخلقها البعض...وعلى سبيل " الاجتهاد " يمكن الخروج بالنص التالي كحل توافقي لتعديل المادة 112بعد إجراء الانتخابات النيابية القادمة في موعدها الدستوري المحدد :
* ( مدة رئيس الجمهورية سبع سنوات شمسية تبدأ من تاريخ أداء اليمين الدستورية على أن يتسلم رئيس الجمهورية الجديد مهامه الدستورية بعد ستين يوماً من إعلان فوزه بنتائج الانتخابات، ولا يمكن للرئيس المنتخب الترشح لأكثر من دورتين انتخابيتين إلا إذا استدعت الضرورة الوطنية وبعد موافقة وتزكية ثلثي المجلس النيابي ومن ثم عرض صيغة التعديل على الشعب للموافقة عليها أو رفضها من خلال استفتاء ديمقراطي حر عند ذلك يمكن التمديد لدورة واحدة فقط مدتها سبع سنوات شمسية).