هذه العبارة ليست لي.. بل قالها أحد المحاضرين، الذي حاول إغراء مجلس السياسات الدفاعية الأميركية بالهيمنة المباشرة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وصف مصر بالجائزة الكبرى مقترحا احتلالا تدريجيا يمر بالسعودية ويتوج بمصر. انتهت الفكرة بالرفض واختار جورج بوش احتلال العراق بديلا.
مصر بالفعل هي الجائزة الكبرى لمن أراد أن يحكم المنطقة، تملك من المقومات ما يجعلها محل إغراء الطامعين داخليا وخارجيا، وهي الآن محل متابعة شديدة من دول العالم بسبب الجموع التي أغرقت عددا من مدنها في مظاهرات لا سابقة لها في تاريخ البلاد الحديث وهزت النظام.
دول مثل ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وغيرها تعجلت بمطالبة النظام المصري أن يدمقرط نفسه. عيب النصيحة الوحيد في توقيتها لأنها قد تقضي عليه، مثل توبيخ من أدخل غرفة الإنعاش المستعجلة بدلا من إسعافه. ترسل إشارات للمعارضة بالهجوم في وقت النظام مضطرب فيه للغاية.
هل يترك النظام المصري ليقضى عليه أم تمد له يد النجدة؟ بالتأكيد لا يستحق أي نظام البقاء إن كان يحتاج للدعم الخارجي حتى يقف على قدميه في الداخل.
ومن المهم أن نتذكر أن نظام مبارك ظل واقفا على قدميه طوال الثلاثين السنة الماضية رغم التشكك في قدرته منذ حادثة المنصة التي اغتيل فيها الرئيس أنور السادات وهزت أركان الحكم. استمر يحكم عاما بعد عام بخليط من الوسائل الناعمة والقاسية. مثلا وسع دائرة الحريات السياسية عما كانت عليه في عهدي السادات والناصر وفي نفس الوقت أبقى على نظام الطوارئ بلا مبرر. نجح مشروعه في منح الحريات الاستثمارية والاقتصادية لكن لم يكن للدولة مشروع تنمية ناجح يستوعب ملايين من طالبي العمل. أعطى حريات إعلامية لا مثيل لها في العالم العربي لكنه في الوقت نفسه، جعل نفسه وعائلته هدفا سهلا لنقاده في مسالة التوريث التي كان عليها أن يحسمها منذ عشر سنوات على الأقل. لم يورث ولم يحم نفسه من تهمة التوريث فتحول إلى هدف سهل في مجتمع صار له إعلام نافذ.
الكثير يمكن أن يكتب في تحليل سنوات الحكم الثلاثين، ومهما قيل فإن حكم مبارك كان في معظمه ناعما مقارنة بمعظم دول المنطقة. السيئ فيه أنه ارتكب العديد من الأخطاء التي كان في غنى عن ارتكابها. إن بناء نظام انتخابي والسماح بحرية الإعلام لا يتسق مع فكرة الإقصاء بل هي أسوا معادلة يمكن تركيبها. أما أن تكون ديكتاتورا كما كان عبد الناصر وتخترع قضايا وطنية وتحكم البلاد باسمها بقبضة من حديد أو أن تفتح الحريات وتسمح للآخرين بالمشاركة في الحكم، من دون أن ننسى الرئيس هو الحكومة هو النظام الذي يجعله صاحب الحظ الأكبر في الفوز على كل المستويات. علميا، لا يعقل أن يفوز من حكم عشرات السنين بنحو مائة في المائة ولا حتى بخمسين في المائة. العاهل المغربي الراحل الملك الحسن أتى بزعيم معارض عبد الرحمن اليوسفي ليرأس الحكومة، ملك استعان بزعيم اشتراكي. مبارك استمرت كل حكوماته بكل كراسيها تمثل حزبه فقط! وأعرف أن هناك من سيصححني بأن مصر جمهورية الحزب الفائز يشكل حكومته، صحيح.. لكن هل هي حكم أبوي أم أنها بالفعل جمهورية؟
المشاركة تعزز النظام، وذلك عندما يصبح تداول السلطة تناوبا مستحيلا. احتكار السلطة بالكامل هو غلطة مبارك التي ليس فقط أوصلت النظام إلى الطريق الوعر الذي تمر به اليوم بل أيضاً هي التي أرهقته وأضعفته في السنين الماضية. وأنا أختلف مع الكتاب الذين يقولون إن مبارك حكم بلاده بالقوة لأن مظاهر القوة محدودة والرجل حكم أكبر دول المنطقة سكانا لثلاثة عقود.
عندما يخرج النظام من أزمة اليوم، عليه أن يصلح من شؤون كثيرة؛ مثل صفة الحكم وإنهاء إشاعة التوريث، وإنهاء الديمومة الرئاسية، وإلغاء نظام الطوارئ المزمن، واعتماد شفافية في الانتخابات.