سقط حسني مبارك خلال 18 يوماً.. وإن تلقف الرئيس علي عبدالله صالح الرسالة المدوية فسيكون من حسن حظه أن سقط بن علي ومبارك قبله.. وما لم يعِ الرسالة فسيكون سقوطهما، قبله، وبالاً كبيراً عليه..
سقط فرعون مصر العنيد.. أمام رغبة الشباب الحر، الذي عرف الفارق بين الحياة الكريمة وما عداها من حيوات.. فاختار لنفسه ولنا الكرامة.
ونظام مصر الذي سقط الليلة كان يعتبر النموذج المحتذى من قبل النظام في اليمن، الذي كان يجتهد في نقل كل سيئاته أولاً بأول مع ضرورة التسليم بفارقٍ جوهري، وهو أن أقسام الشرطة اليمنية لا تزخر بأصناف البلطجة التي كانت تزخر بها أقسام الشرطة في مصر.
علينا اليوم أن نرتب أجندة المطالب في اللحظات التاريخية الفارقة التي سقط فيها النظام "القدوة".. ولئن كان الحكم القائم في مصر ينطبق عليه وصف أنه نظام حكم، فإن ما هو موجود في اليمن لا ينطبق عليه وصف "نظام"، بل هو فوضى حكم، وبالتالي فإن اليمنيين سيرفعون شعار "الشعب يريد إرساء النظام.. وإسقاط الفوضى القائمة".
على الرئيس أن يكون شجاعاً وحازماً ويستبدل أقاربه من مراكز القرار، سواء الأنجال، أو أنجال الأخ، أو دائرة الأصهار التي استولت على المائدة ولم يتبق لكفاءات الشعب بجانبها إلا النزر اليسير.
الشعب المصري أثبت اليوم أن مصر ليست "عزبة" حسني مبارك، والشعب اليمني سهل عليه أن يثبت أن اليمن ليست عزبة علي عبدالله صالح.
والمبادرة التي أطلقها الرئيس الأربعاء قبل الماضي كانت لإرضاء الأحزاب، وليست لإرضاء الشعب، وهي لا تلبي تطلعاته وأشواقه لحياة كريمة، ويمنٍ قوي..
أن يجتمع الرئيس صالح الليلة مع المجلس الأعلى للدفاع، فهذا دليل على أن الرئيس شعر بالذعر الشديد وهو محقٌ في ذلك، جراء سقوط فرعون مصر. لكن صالح اتجه نحو الحلول الأمنية وكان عليه فقط أن يأخذ ورقةً وقلماً يحصي فيها عدد الأقارب والفاسدين.. ويصدر قراراً جمهورياً باستبدالهم بأشخاص أكفاء ولن يلومه أحد في لحظة كهذه وسيكون حينها جنّب نفسه أسباب السقوط المذل..
بالأمس كنا في اليمن، نخاف مما هو أسوأ، لكن أحبابنا في مصر، كسروا في قلوبنا حاجز الخوف، وصرنا نحلم بما هو أفضل.. والشباب الذي زعزع فرعون مصر، يوجد مثله في اليمن شباب قادرٌ على حماية وحدة الشعب وثورته ومكاسبه العظيمة..
والشعب الذي يهددونا بأنه مسلح، سيستخدم سلاحه في ملاحقة الفاسدين، إن ركب العناد رأس فوضى الحكم القائم..
ومثلما كان الجيش المصري حارساً لثورة الشباب، سيكون الجيش اليمني بإذن الله جزءاً من ثورة الشباب في اليمن.. بل وقوى الأمن كذلك. وهي ثورةٌ تنطلق من حالة القرف من هذا الوضع الجاثم بسلطته ومعارضته.. ليست ثورة حزبٍ في المعارضة، ولا ثورة مشروعٍ يستمد أمواله من السفارات، ولا هي ثورة تيارِ يعيش أحلام التجزئة، أو يستجر أوهامه من برميل قمامة التاريخ.
إنها ثورة القادم المختلف، ثورة العقول والضمائر، إسقاطاً لهذه الفوضى التي أرادت إسقاط اليمن. وأمام الرئيس علي عبدالله صالح لا يزال هناك وقتٌ للاستدراك، لكن هذا الوقت جد قصير.. لا يحتمل المراوغة ولا المعالجة النصفية، فالأدوات التي أفسدت البلاد محال أن تصبح أدوات للإصلاح. والمترددون سينضمون إلى طلائع الثورة بعد أن يلمسوا صدق هذه الطلائع وقوة حجتها.
أخي الرئيس: ثورة مصر تجعلك الآن، أقوى من أي وقتٍ مضى في اتخاذ أي قرارٍ تقلع به أعتى رموز الفساد.. نقول هذا مراهنين على نيتك الطيبة، والله وحده أعلم بالنوايا.. وما لم تلتقط الفرصة التاريخية فقد حجزت لنفسك مقعداً إلى جوار بن علي ومبارك.. وإن لمنتظرون.