[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

ورود ورصاص

بالماء البارد.. وبالورود وحبات الفل نثر سكان حارة التغيير بصنعاء اليوم، قبل وأثناء الصلاة على شهداء جمعة الكرامة بحضور أكثر من مليون من المعتصمين المطالبين برحيل الرئيس وإسقاط النظام..

بالماء والورود ..وليس بالرصاص كما زعمت الروايات الرسمية !!

كنت اليوم في ساحة التغيير بصنعاء وحضرت الصلاة على 52 شهيدا قتلوا دفاعا عن بلدهم وتطلعاتهم للحرية والتغيير؛ كان المشهد مؤثرا للغاية ورأيت كيف أن المشهد السياسي والاجتماعي والوحدوي يزداد عمقا وتوسعا بانضمام الآلاف من الشرفاء إلى الساحة للمطالبة بمحاكمة القتلة وإسقاط النظام، كما تزداد إرادة المعتصمين قوة وفولاذية وتحديا.

مذبحة بشعة بكل المقاييس .. ومن خطط لها وشارك؛ أو كان أداة حقيرة للقنص والقتل, فإنه ليس أقل من سفاح ، وما نتابعه الآن من تمرد وعصيان في مرافق الدولة للانحياز إلى ساحات التغيير؛ ردة فعل طبيعية ومتوقعة من الشرفاء ومن كل يمني شاهد مجزرة الجمعة التي نفذها النظام بأعصاب باردة أدمت عيون وقلوب شعبنا اليمني كله دون استثناء.

مذبحة هزت الضمائر وزلزلت المشاعر وتحدت كل الأعراف والقيم الإنسانية ,وانذهل من فظاعتها العالم .
وبرأيي فإن النظام الذي خطط للمجزرة؛ قد عجل برحيله, وليس بمقدوره الآن أن يستمر فقد نفدت الحجج وسقطت الأقنعة باحتراق الأوراق كلها.

شخصيا كنت أتمنى ختاما مشرفا للرئيس علي عبد الله صالح الذي تم في عهده إعادة تحقيق وحدة اليمن.
وحقيقة, تمنيت للرئيس موقفا شجاعا لا يدخله الصفحات السوداء لطغاة التاريخ؛ وحسبت أن من حسن حظه أن تبدأ موجة التغيير والحرية وإسقاط الأنظمة المتهالكة والمستبدة؛ بآلياتها وأجهزتها البوليسية والقمعية في تونس ومصر.. لكن الرئيس ويا للأسف جانبه الحظ وخذلته الفطنة ولم يفهم الدرس على بساطته كما قيل.

أتذكر الآن موقفا جمعني بأستاذ فاضل يعمل بمجال الأعمال في تعز .. كان ذلك في 22مايو1990.. وكنت حينها طالبا في الصف الأول الثانوي.

في ذلك اليوم بدا الرئيس علي عبدا لله صالح وهو يرفع علم الجمهورية اليمنية زعيما وطنيا وتاريخيا بكل المقاييس .. فعلق الأستاذ الذي كنت في ضيافته ونحن على مائدة الغداء نتابع إعلان إعادة تحقيق الوحدة : يكفي الرئيس وشريكه في الوحدة الاستاذ علي سالم البيض هذا الإنجاز الذي أدخلهم أنصع الصفحات والتاريخ من أوسع أبوابه .. واستدرك الحديث بأمنية أن يحافظا على تاريخهما ليكونا رمزين ملهمين للأجيال القادمة؛ لكن الزمن ساق الرجلين إلى أحلك الظروف؛ وأسود المواقف والصفحات المظلمة في تاريخ اليمن.

الرئيس اليوم لا يستمع لشعبه الذي وثق به في محطات كثيرة رمزا وقائدا محنكا, وظل أكثر من ثلاثة عقود يهتف ويلتمس له الأعذار؛ مستفيدا من ضعف القوى السياسية خلال الثلاثة العقود السابقة, ومن انخفاض سقف مطالب التغيير والحريات والآمال المتطلعة إلى نظام رشيد, قائم على العدل والمساواة وحوكمة الفرص والحياة العامة بشتى جوانبها.

ولا يغيب عن بال أحد.. أن الرئيس أدار الحكم بسياسات متقلبة, مغرما بسياسة التفريخ واستنساخ سياسات مشتتة لسحق إرادة كل من يقف في طريقه, ولم يسلم من ذلك مقربون عملوا معه في مواقع مختلفة, فألحق بهم كل الأذى.. وساعده في ذلك إعلام مزيف, تبدو اليوم نتائجه وخيمة, لذلك نرى النظام مخلخلاً ومتهالكا.. وسط ازدراء وتمرد مقربين وخصوم.

يبدو الرئيس اليوم وهو يقامر بحياة شباب التغيير في كل ساحات الحرية, كوقود لسياسة التصلب والأنانية, وكأنه يقود نظام الحكم على عجلة واحدة؛ ومستميتا لعله يحقق مالم يقدر عليه بن علي ومبارك, على اعتبار أن علي عبد الله صالح لديه قدرات مذهلة في إدارة الأزمات وإشعال الخلافات بين الجميع, وتصفية الحسابات بواسطة أطراف ثالثة تجد نفسها فجأة وسط معترك خطط الرئيس ودهائه ومراوغته.

وأياً كانت عدد العجلات التي يستخدمها اليوم الرئيس للهروب إلى المستقبل ..فإن الدماء التي تلون ساحات التغيير والحرية في اليمن شمالا وجنوبا؛ وتزين كرامة اليمن .. تحفر الآن في ذاكرة التاريخ, بأن النظام سقط سقوطا مشينا في جمعة الكرامة.. وأن أوراق القمع وسياسة المراوغة لم يكن لها أن تدوم بعد أن أريقت دماء اليمنيين وسكبت وجرت في كل الساحات.

لعلنا لو افترضنا أن سياسة الرئيس تمشي على عجلة واحدة في ليل عاصف ومليء بالرعد والبرق والمنعطفات.. فإن مصير راكبها سيكون السقوط العاجل؛ بحكم الظروف المصاحبة والركلات التي تنهال عليه بتتابع من كل الاتجاهات.. وقد يكون السقوط قاتلا ومخزيا!

نعم .. أياً كانت عدد العجلات التي يسير عليها نظام الحكم الآن ..فالشعب قرر إسقاط النظام, وليس أمام النظام من الوقت الكثير.. وليته يختصر ويفهم.

ويكفي اليمن اليوم بجميع فئاته وأحزابه, أن يمضي قدماً على رأي وإرادة وموقف واحد .. وباحتجاجات تتزايد يوما بعد يوم, أزالت جدار الصمت من شخصيات وطنية شريفة لطالما كان الوطن بأمس الحاجة إليها, لتساهم في صناعة وتوليد كل الضوء والتحول..

شخصيات ومواقف واستقالات متتالية , أبت إلا أن تقول كلمة حق في وجه نظام وسلطان جائر .. وتمردت على كل الحسابات والمواقف المهادنة والمستكينة لتعلن انحيازها الكامل إلى مطالب التغيير, دون خوف من ردَات فعل قتلة لا يتحملون أقل فعل مستفز .. يرفض ويدين.

رحم الله الشهداء .. وتحية لشباب التغيير الذين يواجهون الرصاص بصدورهم العارية ويواجهون مدرعات الجيش بالورود وهي لغة أهالي حي التغيير التي عبروا عنها بالورود والفل.

تحية لكل المواقف الرافضة لمشاريع القتل.. ولمواقف كثير من مسئولين ورجال أعمال وصحفيين ومغتربين ومواطنين التقيتهم , وجميعهم يرفضون سياسات القمع والقتل وينشدون التغيير.

زر الذهاب إلى الأعلى