هدد الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، يوم الثلاثاء الماضي، المعارضين لحكومته بحرب أهلية وناشدهم الشروع في حوار وطني، وذلك في تصريحات متضاربة لم توقف الأصوات المطالبة برحيله من الحكم فوراً. غير أن المزاج العام كان حاداً في العاصمة صنعاء، وسط تقارير تفيد بأن وحدات عسكرية، بعضها يدعم الرئيس صالح وبعضها يدعم القادة العسكريين الذين انشقوا عنه مؤخراً، قد تواجهت في مناوشات عبر البلاد.
في هذه الأثناء، سعت كل من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، اللتان لديهما مصلحة كبيرة في تعاون اليمن المتواصل بشأن محاربة الإرهاب، لطرح تسوية ما، غير أنه لم تصدر عن أي من البلدين عبارات دعم علنية للرئيس صالح الذي يوجد بسدة الحكم منذ 32 عاماً. وفي هذا السياق، قال مسؤول من إدارة أوباما، "إننا نواصل التشاور مع شركائنا الإقليميين، مثل السعودية، حول الوضع في اليمن"، رافضاً الإدلاء بمزيد من التوضيح. ويذكر هنا أن البيت الأبيض لم يجرِ أي اتصال مباشر بالرئيس صالح منذ المكالمة التي أجراها يوم الأحد مستشار الرئيس أوباما لمحاربة الإرهاب جواً أوبراً.
ومن جانبه، قال وزير الدفاع الأميركي للصحافيين في موسكو إنه "ليس في وضع" يسمح له بالتعليق على الأحداث الجارية في اليمن، مضيفاً: "إننا بالطبع قلقون بشأن انعدام الاستقرار" هناك، معتبراً أن تركيز القلق الأميركي قد يشكل "صَرفاً للانتباه" عن التهديد الذي يطرحه فرع "القاعدة" في اليمن.
وحسب تقارير إخبارية، ووفقاً لما ينشره يمنيون على الإنترنت، فقد صد جيش الرئيس صالح هجوماً شنه تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" على موقع عسكري شرق لودر، وهي مدينة في الجزء الجنوبي من البلاد، مما أسفر عن مقتل 12 مقاتلاً وجرح خمسة آخرين. هذا بينما أفادت وكالة "أسوشييتد برس" بأن مقاتلين مسلحين عاثوا فساداً في الجزء الجنوبي من مدينة عدن، حيث اقتحموا الملاهي الليلية، وطردوا مدراءها، وأضرموا النار في عدد من المباني الحكومية. كما أفادت مصادر بوقوع صدامات في الشمال بين المتمردين الحوثيين المؤيدين للثورة والقبائل الموالية للحكومة.
ويبدو أن ستة أسابيع من الاحتجاجات السلمية ضد الرئيس صالح قد بلغت منعطفاً خطيراً يوم الاثنين الماضي، عندما استقال العشرات من كبار المسؤولين العسكريين والدبلوماسيين والمسؤولين الحكوميين احتجاجاً على مقتل أزيد من 50 متظاهراً يوم الجمعة الذي سبقه على أيدي قناصة تابعين للحكومة. وفي هذا الإطار، قال محمد الباشا، الذي لم يستقل من منصبه كمتحدث باسم السفارة اليمنية في واشنطن، لكنه وصف نفسه بأنه موظف حكومي محايد، قال: "يوم الجمعة مزق قلوبنا حزناً، والأيام التي تلته فتحت عيوننا". وأضاف يقول: "لقد رأينا أشخاصاً من جيلنا يُقتلون حيث تم استهداف رؤوسهم وصدورهم. إننا لا نريد ذلك الألم مرة أخرى".
وفي اجتماع مع قادة عسكريين وقبليين مساء الاثنين، وافق الرئيس صالح على مخطط يقضي بأن يتنحى عن الرئاسة نهاية العام الجاري، بعد أن كان قد رفض مثل هذا الأمر في البداية عندما اقترحه عليه قبل أسابيع ائتلاف من أحزاب المعارضة التي انضمت إلى المحتجين الشباب ومحتجي المجتمع المدني. لكن المعارضة أخبرته يوم الثلاثاء بأن المقترح لم يعد مطروحاً على الطاولة. وفي هذا السياق، قال محمد قحطان، المتحدث باسم كتلة سياسية معارضة يوم الثلاثاء: "إننا نرفض عرض التنحي الذي قدمه صالح، ونقول له إن الساعات القليلة المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة لنظامه".
ومن جانبه، دعا الجنرال علي محسن الأحمر، القائد القوي للمنطقة العسكرية الشمالية الغربية في اليمن والذي يعد أبرز شخصية تنشق عن الجيش يوم الاثنين الماضي، دعا الرئيسَ صالح إلى أن يجنب البلاد الكارثة قائلاً: "إن الجيش مِلك للشعب وحاميه ولا يعمل لحساب أي شخص".
وفي خطاب متلفز لمجلس الدفاع الوطني، تأرجح صالح بين تهديدات بحرب أهلية "دموية" ودعوات إلى الحوار. وفي ما بدا محاولة لإحداث انقسام في صفوف المعارضة، حذر من أن الشباب المحتج سيُستغل من قبل الفصائل السياسية التي انضمت إليه، بينما خاطب المنشقين من الجيش قائلاً: "على الأشخاص الذين يريدون الوصول إلى السلطة عن طريق انقلابات أن يعلموا أن ما يسعون إليه مستحيل".
وفي وقت متأخر من ليلة الثلاثاء، كرر متحدث باسم الحكومة دعوات صالح إلى "حوار مباشر وشفاف" مع الشباب اليمني. وفي هذه الأثناء، نفت المجموعات السياسية المعارضة، التي تدعى أحزاب اللقاء المشترك، المخاوفَ التي عبر عنها في الشارع من أنها أو الجيش مهتمة بإبرام صفقة مع صالح حيث قال قحطان: "إن شباب المجتمع المدني هو الذي يتحكم اليوم في السياسيين والجيش والقبائل"، مضيفاً: "إن القادة العسكريين لن يسرقوا الثورة من الشعب".
ومن جانبه، قال علي عمراني، زعيم كتلة من السياسيين الذين غادروا حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم خلال الشهر الماضي، إن على صالح أن يرحل، لكنه لم يستبعد استراتيجية خروج متفق عليها من قبل كل الأطراف، بمن في ذلك صالح وما تبقى من المؤيدين له، وذلك تجنباً للفوضى حيث قال: "إن الأشخاص المؤيدين للثورة لديهم اختلافات إيديولوجية كثيرة، وعلينا أن نحرص على ألا تبدأ الأطراف خلافاتها فوراً بعد سقوط صالح".
وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول جريجوري جونسون، الخبير في الشؤون اليمنية بجامعة برينستون، إن المحتجين يشككون في دوافع الجنرال محسن، لكنهم في الوقت الراهن يبدون مستعدين لعقد صفقة من أجل التخلص من صالح". وأضاف جونسون يقول إن محسن، الذي يعد حليفاً قديماً للرئيس وأقوى شخصية عسكرية في البلاد، "يغتنم الوضع من أجل أن يضمن لنفسه منصباً في أي حكومة تتشكل بعد صالح".