يبدو أن اللحظات البطولية التي عاشتها كل من تونس ومصر وأدت في نهاية المطاف إلى التخلص من حكم الاستبداد قد امتد تأثيرها عبر المشرق العربي ليصل إلى اليمن جنوب الجزيرة العربية.
ومن الثابت تاريخيا أن المشرق العربي لم يكن قط منفصلا عن شمال إفريقيا، بل إنه ظل دوما ساحة لتبادل الأفكار والمعتقدات والثورات كذلك.
ولعل طغاة العرب وحكامها المستبدين يدركون حقيقة مسارات واتجاهات تأثير الأفكار والثورات في الوطن العربي, لذلك تجدهم دوما يقفون بمؤازره بعضهم رغم التباينات والخلافات التي تعصف بالعلاقة بين تلك الدول ,حيث ظلت وزاره ألداخليه هي مشروع التوحد الناجح على مدى الخمسين عاما الماضية, كما ظلت العقلية الأمنية هي المسيطرة على تصرفات النخب السياسية العربية ولم تستطع الخروج بمعالجات تخمد تلك الثورات رغم معرفه الجميع بالحلول التي يمكن أن تؤدي للحيلولة دون الوصول إلى ما وصلت إلية الأوضاع في الكثير من تلك البلدان.
بالرغم مما تموج به الساحة العربية من حراك سياسي وعدم استقرار إلا إن صانع القرار في الوطن العربي لم يدرك حساسية الموقف ,حيث استمر في سياسة النكران الساذج لحقائق قائمه على ارض الواقع ,واتبع السلوك المعتاد. أي مثل الحالات الكثيرة التي خسر فيها دكتاتوريون الحكم في بلادهم, وهذا يعود إلى إن العالم العربي بات تجمعًا لشيوخ لم تعد لديهم القدرة والطاقة اللازمة لقياده شعوب شابه.
اعتقد إن وسائل التواصل بين الحاكم والمحكوم في الوطن العربي مقطوعة تماما ,لدرجه ان صانع القرار لم يعد يعرف شعبه ولا ماذا يريد , وهذا يفسر كثيرا من الحقائق والتصرفات التي حدثت أثناء تلك الثورات والتي أظهرت الكثير من خفايا الحاكم التقليدي في الوطن العربي.
فقد طور الشباب أساليب جديدة لم يعتد عليها من امضي أكثر من نصف عمره في سده الحكم ,لقد عاصر الانقلابات وتأقلم معها ,تعلم كيف يستخدم كاتم الصوت ويفجر الطائرات ويقصف المدن ,لكنه لم يعتد على ملايين البشر يحاصرون قصره ويستخدمون الهواتف النقالة والفيس بوك والتويتر.
لاشك إن الشباب العربي استفاد كثيرا من تجارب إخوانهم في كل من مصر وتونس ,لقد تعلموا الصمود وتلقى الرصاص بالصدور العارية ,تعلموا الثبات على المواقف وعدم التنازل مهما قدمت تلك الأنظمة من مبادرات, وفي المقابل شاهدنا تكرارا مملا لبعض التجارب التي استخدمت من قبل نظامي تونس ومصر ,لقد تكرر مشهد البلطجة واستقدام المرتزقة والتوظيف السيئ للإعلام كما رئينا أموال تلك الشعوب الثائرة وهي توزع على المرتزقة و البلاطجه ,حقيقة كانت مشاهد مؤسفة ما كان يجب إن تحدث وتتكرر لو كانت هناك أذن تسمع أو عقولا تفقه.
الثورة العربية لن تتوقف وستستمر بالزحف لتلفح معظم البلدان العربية واعتقد انه لا عاصم لأحد من ذلك الطوفان.
وما زلت أردد قول العلامة ابن خلدون: الظلم مؤذن بزوال العمران، وبالمناسبة فإن ابن خلدون كان قد تنقل خلال حياته ما بين المغرب وتونس وليبيا ومصر، بل إنه عاش كذلك في الشام،ولكنه يمني الأصل..., ولم يبق أمام الطغاة الذين ما زالوا يرقصون رقصة الديوك المذبوحة إلا أن ينسوا حكاية الوصفات الطبية لمكافحة الثورات العربية ويرحلوا!