أرشيف الرأي

من هنا نبدأ ، وهؤلاء بيدهم الحل

مسيرات روتينية تتوجه بمطالب لمن لا يملك الفعل أو لمن لا يريده ، الناس غارقون في البحث عما يبقيهم على قيد الحياة ، وجزء من الشعب غارقون في الدفاع عما بقي لهم من حياة يريد أن يصادرها فلول النظام ،

وكل هذا يحدث يوميا بنفس الصورة المكررة المعادة ، المشاهد نفسها ، المظاهرات نفسها ، طوابير السيارات المصطفة أمام محطات البترول هي نفسها ، أصوات القذائف في بعض المحافظات هي نفسها، في مشهد جامد راكد بإيقاع ممل رتيب ، الجميع ينتظر ويترقب ، يستمر كل هذا والممسكون بالأوراق الحاسمة للعبة قوى أجنبية ، والقوى الوطنية تتسول منها الحل ، وتطالبها بسرعة حلحلة الأمور ، وضرورة التعجيل بنقل السلطات ...

ثم يتساءل البعض لماذا مصيرنا بيد غيرنا ؟ لأننا ببساطة لم نؤمن بقدرتنا على الفعل المؤثر والمبادرة الفاعلة وقدرتنا على فرض أجندتنا الخاصة ، بشكل جعل بعض سفراء الدول هم أقطاب الرحى وهم أبطال المسلسل الذي يحدد مستقبل البلد في حين أن رجاله وقياداته الشعبية تنتظر المشهد الأخير لتصفق له إن كان يوافق هواها أو أن ترفع اصواتها مستنكرة إن كان يخالف ما كانت تؤمله ، ثم تطالب بإعادة المشهد من جديد ، لكن ما زالت تصر على أن تكون في مقاعد الجمهور وكل الجلبة التي تحدثها هو في اجترار الأمنيات حول شكل النهاية المرتقبة ، أما الإنخراط في أدوار البطولة فهي لا تريده إما لعدم إجادتها الدور أو لعدم إمتلاكها حب الجماهير ولذا فالمشاركة إن وجدت فهي تقتصر على الأدوار الثانوية ، ويبقى ممثلي الوطن مجرد كومبارس يمكن الإستغناء عنهم في اي لحظة ...

ووسط هذه الصورة القاتمة التي نراها نحن على الأقل في بلاد المهجر والتي ارتسمت في أذهاننا من خلال متابعاتنا لما يدور في ارض الوطن كان حديثنا يدور حول ثم ماذا بعد ؟ ما المخرج ؟ من أين نبدأ ؟

جاء الرد من الزميل العزيز عبد الله عسكر الذي لا يمر يوم إلا ويجري العديد من الإتصالات بكثير من شخصيات الداخل الفاعلة ، اتصالات تتناول آخر المستجدات و المقاربات الممكنة للحل والخروج من حالة الموت الدماغي هذه ، وكان أجمل ما تم تداوله في تلك الإتصالات و تشاركنا بعد ذلك الحديث حوله هو الخروج بمبادرة يمنية يقودها ممثلي الشعب اليمني من البرلمانيين ، مبادرة لا تتعارض مع الخليجية ولا تلغيها ولا تعطل دورها ( رغم تحفظاتنا ) ، وقد لا تحمل المبادرة جديدا على مستوى ما تهدف إلى تحقيقة ولكن الجديد فيها هي اضطلاع ممثلي الشعب بهذا الدور في تحرك جماعي سيلقى دعما وزخما جماهيريا ، وسيحظى بدعم شعبي قادر على التصدي للوصايات الخارجية ، التي ستجد نفسها في مواجهة مباشرة مع ممثلي الشعب وليس مع بعض القوى الحزبية ، إلى جانب أنه سيعفي أحزاب المعارضة من مآزق الموازنات السياسية التي هي غارقة فيها ، وسيضع الثقل في يد ممثلي الشعب اليمني بجميع مكوناته الحزبية والمناطقية ، دون تخوف من ولاءات اعضاء مجلس النواب فقد أصبحت الاغلبية العظمى تنشد الحل وترجوه متجاوزة انتماءاتها الضيقة متحررة من الضغوط السابقة التي كان يشكلها وجود الرئيس في اليمن ..

وتبدأ أولى الخطوات في أن تقوم القوى الخيرة في كل كتل المجلس بالتنسيق فيما بينها للوصول إلى صيغة عامة توافقية للحل ، وبلورة مواقف موحدة تسبق إنعقاد المجلس ، يتلوها دعوة مجلس النواب للإنعقاد في جلسة طارئة برئاسة نائب رئيس المجلس الشيخ محمد على الشدادي لمناقشة هذه الأفكار والتي يدعى لها جميع البرلمانيين اليمنيين الذين لا نشك أن معظمهم سيستجيب في هذه الظروف العصيبة التي سيكون الإسهام في إخراج اليمن منها منجزا تاريخيا سيحسب لكل فرد ساهم فيه ، جلسة تضع المجلس أمام مسؤوليته الوطنية في إخراج اليمن من عنق الزجاجة ورسم مستقبله .. يقر المجلس هذه الرؤية التي سبق التوافق عليها ، والتي تتضمن حلولا للوضع السياسي والامني والاقتصادي الراهن كما تتضمن المطالبة بتقرير طبي شفاف وواضح ومفصل عن الحالة الصحية للرئيس لإطلاع الشعب عليها بعيدا عن التخرصات والتكهنات التي أدت إلى إرباك الحياة العامة و اعطاء فرصة لبعض المستفيدين من استغلال هذا التعتيم لمحاولة تمرير مشاريعهم الخاصة ..

وفي كل الأحوال وبغض النظر عن ما سيرد في التقرير الذي سيوضح حالة الرئيس الصحية أو حتى في حالة عدم استجابة الأشقاء لهذا المطلب اليمني المشروع ، فإن المادة 116 والتي تنص على ( في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل يتولى مهام الرئاسة مؤقتاً نائب الرئيس لمدة لا تزيد عن ستين يوماً من تاريخ خلو منصب الرئيس يتم خلالها إجراء انتخابات جديدة للرئيس ) يجب أن تطبق خصوصا أن خلو المنصب كان يجب ان يحدث بأي شكل من الأشكال ومنها المبادرة الخليجية ، وهذا أمر بدأ المؤتمر الشعبي الحاكم فعلا في مناقشته في جلساته التي أثار فيها نجل الرئيس مسالة ترشحه ليخلف والده ...

وبناء على هذه المادة يجب أن يتولى نائب الرئيس مهامه كرئيس للدولة مهاما كاملة غير منقوصة ، فإن كان عاجزا أو راغبا عن شغل مكانه الدستوري وممارسة صلاحياته ، سواء نتيجة عوامل تتعلق به شخصيا أو بغيره فإن بقية المادة توضح (وفي حالة خلو منصب رئيس الجمهورية ونائب الرئيس معاً يتولى مهام الرئاسة مؤقتاً رئاسة مجلس النواب ) وبسبب غياب رئيس مجلس النواب فإن أحد نوابه يتولى ذلك أو شخصية توافقيه منه ، وأهم القضايا التي يجب أن يضطلع بها الرئيس المؤقت هي التمهيد والتجهيز لإجراء إنتخابات رئاسية جديدة خلال ستين يوما من تسلمه مهامه ، وتكون هذه المهمة هي شغله الشاغل ...

وعليه فإن مجلس النواب يجب أن يلزم نائب الرئيس بأخذ دوره وممارسة مهامهة وصلاحياته أو يتولاها هو بدلا عنه ، كما يتولى معه وبشكل جماعي كبح جماح القوى التي تحاول إعاقة هذا التحول الدستوري لفرض إجنداتها الخاصة ، ويقوم بدوره في العزل والمحاسبة وسحب الصلاحيات والإقالة ، وكل الإجراءات التي من شأنها الإعداد للإنتخابات القادمة ...

وهذا كله لا يختلف عن المبادرة الخليجية التي يعتبر بندها الأول قد أنجز بايدي خفية وبقي على الجميع العمل على استكمال الإنتقال السلمي للسلطات ...

وكما اسلفت في طيات ما سبق أن تحرك كل القوى الخيرة والفاعلة والمؤثرة في كل البرلمان اليمني من كل الأطياف في رسم الحل هو أحد المخارج التي من شأنها أن تعيد ليس للمؤسسة التشريعية هيبتها فحسب بل ستعيدها لليمنيين أنفسهم كما ستعيد لهم ثقتهم في رجالهم الذين يمثلونهم ، ومهما كانت الضغوط والعوائق كبيرة فإن أثرها لن يكون بنفس التأثير الذي تواجهه الأحزاب السياسية ، كما أن هذه التحركات ستخرج القوى الحية من حالة الحيادية التي تعيشها ، وستدفع ببعض القوى الداخلية والخارجية إلى إعادة حساباتها لتأخذ باعتبارها قوة جديدة تمثل اليمنيين جميعا هي سلطتة التشريعية ...

في الأخير نؤكد أمنياتنا أن تكون النقاشات والتحركات البرلمانية فعلا تدور على الأرض و تسير في هذا الإتجاه بغض النظر عن التفاصيل الشكلية والفتية والإجرائية التي اوردتها هنا فالمهم هو الوصول إلى حالة الفعل القوي والمؤثر والذي يجعل ممثلي الشعب من القوى الوطنية يتلقفون زمام المبادرة ..

زر الذهاب إلى الأعلى