أرشيف الرأي

رؤية في القضية الجنوبية

لقد هلل الشعب اليمني في 22مايو 1990م عندما رفع علم الجمهورية اليمنية في عدن ولم تسجل أية أصوات معارضة للوحدة اليمنية .

وكان في مقدمة الرافعين لمشروع الوحدة الحزبان المستبدان المتفردان بالحكم في الشطرين آنذاك حزب المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني وكل أحزاب المعارضة ، ورغم أن الإصلاح حينذاك عارض دستور الوحدة أثناء الاستفتاء إلا انه حرص على توضيح أن لا للدستور لا تعني لا للوحدة اليمنية وخرجت الجماهير اليمنية في كل محافظات الجمهورية الوليدة تبارك هذا الحدث التاريخي الفريد الذي تحقق على حين غفلة من العرب التائهين . صحيح أن هناك ظروف ساعدت على تحقيق هذا الحدث التاريخي أولها تهالك المنظومة الاشتراكية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وثانيها الهروب من المشاكل والحروب الشطرية المتجددة ثالثها الموروث الفكري والاجتماعي المغذي لوحدة الشعب اليمني وبالتالي لم تكن هناك أية صعوبات تذكر في تحقيق الوحدة اليمنية سوى عدم سرعة اندماج مكونات الشطرين في دولة مؤسسية واحدة وخاصة القوات المسلحة والذي كان ناتجا عن تجاذب الحزبين الموقعين على اتفاقية الوحدة لعدم وجود التجانس بين الطرفين ولدخول كل طرف منهما بعقلية الاستحواذ على الطرف الآخر أو إقصاءه في حين البعد الوطني هو الستار الذي تتكئ عليه جميع الأطراف ولا زلت اذكر الشعار الذي نردده في الطابور الصباحي في المدارس الأساسية والثانوية أيام حكومة الاشتراكي ( لنناضل من اجل الدفاع عن الثورة وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية ) بل وجميع المخاطبات والقرارات الصادرة والموجهة إلى الإدارات الحكومية ، وأما بالنسبة للمواطنين في الجنوب فقد كانت فرحتهم غامرة لتحقيق الوحدة اليمنية وذلك لغرض التخلص من استبداد الحزب الاشتراكي اليمني والمتمثل في محاربة الفكر وخاصة الإسلام – مصادرة الممتلكات – كبت الحريات - الاستهانة بالإنسان – التحكم بكل شؤون الحياة في المجتمع صغيرها وكبيرها .

الخلاصة : أن جميع المكونات كانت مستبشرة عند إعلان الوحدة اليمنية وقيام الجمهورية اليمنية فما الذي تبدل الآن كي نقول أن الوحدة غير مقبولة على الإطلاق ينبغي أن نناقش الأسباب حتى نتمكن من وضع الحلول :

أسباب النكوص عن الوحدة اليمنية لدى بعض الجنوبيين وخاصة بعد حرب 1994م :

1- تضرر شريحة محدودة كانت صاحبة القرار والأمر والنهي قبل الوحدة ثم اوقصيت من مواقع القرار سواء في الأطر العليا أو الدنيا .

2- تسريح كثير من العسكريين وخاصة القيادات العسكرية من الجيش وطلب بقاء بعضهم في البيوت دون ممارسة مهامهم مما أدى إلى عزلهم وهضمهم في حقوقهم .

3- اكتشاف النفط والغاز في بعض المحافظات الجنوبية وخاصة حضرموت وشبوة .

4- تدهور الخدمات العامة من تعليم وصحة وغيرها وفرض الرسوم عليها بحيث يحرم كثير من المواطنين من تناولها .

5- نهب مؤسسات الدولة التي كانت قائمة في أيام حكومة الاشتراكي في المحافظات الجنوبية وخاصة من قبل المؤسسة الاقتصادية العسكرية وكذلك الأراضي الزراعية والسكنية من قبل المتنفذين .

6- المركزية الإدارية والمالية في جميع إدارات الدولة وتصدير كثير من مدراء العموم والمحافظين من أبناء المحافظات الشمالية للمحافظات الجنوبية وتركيزهم على مبدأ الكسب غير المشروع .

7- عدم التعويض العادل لبعض المستفيدين من تأميم المساكن والانتفاضات بعد إعادة الحقوق لأصحابها .

8- صعوبة العيش الكريم في ظل ارتفاع الأسعار وعدم زيادة الدخل ناهيك عن انتشار البطالة بين الشباب وحتى الجامعيين منهم .

9- تزوير الانتخابات النيابية والمحلية والرئاسية من خلال الاستحواذ على اللجنة العليا والتحكم في سجل الانتخابات ولجان إدارة الانتخابات بالإضافة إلى استخدام المال العام والإعلام وقوات الأمن والجيش وكل إمكانيات الدولة بما لا يسمح بحدوث تداول سلمي للسلطة وبما يكرس حكم الفرد الجاثم على كرسي الحكم منذ تحقيق الوحدة وهو من أبناء المحافظات الشمالية .

10- نهب ثروات الشعب من نفط وغاز والتي يستخرج معظمها من المحافظات الجنوبية لصالح القيادات المتحكمة في إدارة البلد وهم في الغالب من المحافظات الشمالية .

11- احتار مميزات الدولة مثل المناصب والوظائف والمنح والمشاريع والتسهيلات وغيرها لصالح المتنفذين في السلطة وهم في الغالب من الحافظات الشمالية .

الخلاصة :

إن هذه الأسباب هي في مجملها مظالم واقعة على المواطنين في المحافظات الجنوبية بل وعلى كثير من أبناء المحافظات الشمالية ، أيضا من قبل المتنفذين في السلطة ولا علاقة لها بالوحدة .

المعالجات والحلول :

بعد النظر في الأسباب نجد أنها جميعا لا تعدوا أن تكون مظالم إما سياسية أو اجتماعية أو وظيفية أو حقوقية وهنا ينبغي أن نضع لها الحلول الناجعة العاجلة كي نتمكن بعون الله تبارك وتع إلى من الحفاظ على الوحدة اليمنية التي أمرنا الله تبارك وتع إلى بالتمسك بها في قوله تع إلى ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) وقوله ( وان هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ) .

وهي مصدر قوة وعزة وكرامة الشعب اليمني بأكمله وسبيل نهوضه وتقدمه وخطوة صحيحة على طريق تحقيق الوحدة العربية والإسلامية الشاملة بإذن الله تع إلى وهي في مجملها تدور حول محورين أساسيين :

الأول : المواطن اليمني : من حيث إزالة الظلم والحيف الواقع عليه والعمل على تحيق العيش الكريم له .

الثاني : الإدارة لدولة الوحدة : من حيث الشكل والتداول والالتزام بالنظام والقانون واذكر هذه الحلول :

1- توفير كافة الضمانات الأزمة للعيش الكريم من حيث :

أ- التمتع بالحرية الكاملة في مجالات التعبير والتفكير والتنظيم والتغيير والتطلع نحو مستقبل أفضل .

ب- القدرة على نيل جميع الحاجات الضرورية للحياة من طعام وشراب ومسكن ومركب وملبس وعلاج وغيرها.

ج – تحقيق المواطنة المتساوية لليمنيين ونبذ جميع أنواع التمييز سواء كانت على أساس مناطقي أو حزبي أو مذهبي أو غير ذلك .

2- معالجة الأضرار الناتجة بعد حرب 1994م على المواطنين بالمحافظات الجنوبية سواء منها الوظيفية والحقوقية أو السياسية والقيادية وتعويضهم التعويض العادل .

3- محاسبة المتورطين في نهب الثروة والمال العام ومؤسسات القطاع العام واستعادة ما يمكن من ذلك للخزينة العامة أو الحصول على تعويضات عادلة .

4- تخصيص نسبة من الثروة لمناطق الإنتاج لمعالجة الأضرار البيئية والحقوقية الناتجة عن استخراج النفط والغاز وكذلك نسبة لصالح تنمية المجتمع المحلي بالمحافظة ولتكن 20% مثلا .

5- اعتماد نظام اللامركزية الإدارية والمالية من خلال تنفيذ حكم محلي كامل الصلاحيات لكل محافظة .

6- إقامة نظام برلماني ديمقراطي يكون ناتج عن انتخابات حرة ونزيهة معبرة عن اختيار جماهير الشعب وتهيئة كل الظروف الملائمة للتداول السلمي للسلطة وتحييد جميع مؤسسات الدولة عن الصراع الحزبي .

7- تكوين غرفتين للبرلمان احدهما على أساس سكاني والأخرى على أساس مساحي .

إلى الناقمين على الوحدة :

يا من تدعون إلى الانفصال أو إلى الكونفدرالية أو إلى الفدرالية هل تتوقعون أن ذلكم هو المخرج من المشاكل القائمة أم تريدون أن تعيدونا إلى الوراء أكثر من عشرين عاما لقد كان كثير من هؤلاء وخاصة القياديين هم من دفعوا باتجاه الوحدة الاندماجية بين شطري اليمن حينذاك ولو القينا نظرة على حالة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل عام 1990م هل كان دولة باستقرار وحياة كريمة للمواطن كلا لم تكن كذلك فقد عاشت صراعات وحروب مستمرة سواء بين الشطرين أو بين الأجنحة المتصارعة في الحزب الاشتراكي آنذاك وأما المواطن فلم يكن له وزن يذكر على الإطلاق ولا زلت أتذكر شعار ( لا صوت يعلو فوق صوت الحزب ) يمكن أن يتم اعتقال أي مواطن في أي ساعة من ليل أو نهار بسبب أو بدون سبب وحجزه وتعذيبه وسجنه أو قتله دون أن يكون له الحق أو لأحد من أقاربه في الاعتراض أو المتابعة مع الجهات المختصة بل إن الذي يتجرأ على المتابعة يرد نفس المصير ناهيك عن الإرهاب الفكري ومحاربة مظاهر التدين بشكل عام .

ثم إذا كان الجنوب يتجه نحو قصم عرى الوحدة اليمنية فما هي الروابط التي تجمع محافظة حضرموت مع لحج وابين وغيرها ، قضية التفتت لن تكون لها نهاية وأظن أن أهم عواملها الأنانية في الاستمتاع بالثروة وحينها ستقول حضرموت أريد دولة مستقلة أو إقليم مستقل ويمكن أن تنزل إلى مديريات الداخل بمفردها و إلى آخره ، وبالنظر إلى حكام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل عام 1990م رغم أنهم من أبناء المحافظات الجنوبية هل كانوا أكثر حرصا والين جانبا وأرفق تعاملا مع المواطنين أبدا لم يكونوا إلا مظهر من مظاهر الاستبداد والقسوة الذي لا يعرف هوية ولا موطنا فالمسألة إذا في طريق الحكم وليست في شخص الحاكم أو في هويته ، لا يمكن أن نقول كل جنوبي عادل ولا يقبل أن نقول كل شمالي ظالم ، كلا ذكر الله تع إلى في سورة غافر مؤمن آل فرعون وهو يدافع عن الحق الطاغية فرعون فلم يضيره انه من آل فرعون ، العبرة بقول الحق وقبول الحاكم بتحري العدل أما مولده وهويته فليست بالضرورة أن تحدد منحاه .

ألا يعد الاستفتاء على دستور الوحدة اليمنية استفتاء على الوحدة اليمنية من قبل الشعب اليمني كافة وأرى انه إذا رغب بعض المواطنين في النكوص عنها بعد عشرين عاما ينبغي استفتاء الشعب اليمني كله الآن في قبول ذلك أو رفضه .

ثم إن تكاليف النكوص عن الوحدة ستكون كبيرة أولا من حيث إنشاء كامل مقومات دولة جديدة ثم من حيث العودة إلى النقطة التي هربنا منها للوحدة وهي الصراعات المستمرة بين الشطرين ونكون بذلك ندور في حلقة مفرغة فبعد عشرين عاما نعود إلى نفس النقطة وهذا استهتار بمستقبل الأجيال ينبغي محاسبة المتورطين في الوحدة في حال تم الاتفاق عليه ولا أظن أن حكومة الجمهورية اليمنية يمكن أن توافق على ذلك لا دولة ولا شعب وسيكون أي توجه من هذا النوع سببا للصراع وإقلاق الأمن العام وإثارة المواطنين وتدمير البلاد. وحتى مسألة الفيدرالية فإنني أرى فيها تمهيدا لمشروع التجزئة ينبغي الحذر منه والله اعلم .

زر الذهاب إلى الأعلى