أرشيف الرأي

باصرة.. الظاهرة الصوتية

ينطلي على الوعي الجمعي أحيانا ما ينطلي على الوعي الفردي في أحايين كثيرة خاصة إذا ما وجدت الفرصة المناسبة لأن تسوق بعض الشخصيات ذواتها في أيام البوار كما هو الشأن مع الدكتور صالح باصرة وزير التعليم العالي الذي لطالما بدا وطنيا حد الشوفينية في كثير من تصريحاته أو بالأصح فرقعاته التي وزعها هنا أو هناك خاصة منذ مطلع العام 2007م حتى لقد بدا واحدا من تلك النجوم الوطنية التي كانت تنادي بإصلاح الوضع ومحاربة الفساد، وإن كان في عجز قائمة هؤلاء النجوم..

ثمة مقولة هي إلى الحكمة أقرب منها إلى مجرد المقولة العابرة، تقول: "تستطيع أن تكذب على بعض الناس كل الوقت لكنك لن تستطيع أن تكذب على كل الناس كل الوقت"!! هذا بالتمام والكمال ما كان يعمله باصرة تماما!! يناور ويخادع.. يرفع صوته مع من رفع من شلة عام 2007م المعروفين ومعظمهم من قيادات الحزب الحاكم الذين هددوا بثورة وطنية قادمة إن لم يقدم الرئيس على إصلاح البلاد والعباد، وعلى طريقته في الإصلاح قام الرئيس بإصلاح أوضاع بعضهم وتسوية وضع آخرين فيما ظل آخرون بدون تسوية وواصلوا مشوار النضال حتى جاءت الثورة والتحقوا بها..إلخ كان باصرة يقلد هؤلاء ناسيا أن يلقي نظرة بسيطة على مواقعهم الجغرافية التي هي المعيار الصحيح في الفعل السياسي عندنا، ومتناسيا في النهاية أنه من حضرموت، وأنه لم يعد بوسعه في حال قرر أن يكون وطنيا بالفعل غير أن يغادر البلاد ويعلن حق اللجوء السياسي بالكثير وبدور الطرف الآخر الذي لن يكترث لفعله هذا لن يزيد على تصريح صحفي بأنه معتوه ومجنون كما فعلوا مع الحسني السفير اليمني السابق في دمشق الذي غادرها وقرر طلب اللجوء السياسي في لندن مؤسسا لفصيل حراكي جنوبي تصالح مؤخرا مع السلطة!!

كان باصرة يرى أنه الوريث الشرعي والمستحق لرئاسة الحكومة القادمة بعد مجور ابن شبوة، خاصة وهو يراهن على حضرميته، وبدأ يتقرب من الخط السعودي لكسب ودهم حتى يتم الرضا عنه، كما كان ضد تعيين الدكتور أحمد عبيد بن دغر أمينا مساعدا للمؤتمر الذي كان بدوره يطمح لخلافة مجور وليكون باجمال الصغير، ولم يكن يعرف الاثنان أنهما يخططان للبناء في طريق السيل وهو الثورة العارمة التي جرفت كل شيء أمامها.

ما يعرفه الجميع أن باصرة في الوقت الذي كان يبدو فيه صريحا بعض الشيء في بعض الجوانب التي يضطره الآخرون إلى أن يكون صريحا بقدر ما يضطر لدفع فاتورة الاعتذار والتبرير لكلامه، ولما تكرر الأسلوب أكثر من مرة لم يقبل منه سيده الاعتذار وأوقفه ذات مرة في بهو رئاسة الوزراء ذات اجتماع رأسه الرئيس بنفسه مخاطبا إياه وبلهجة حادة وأمام الملأ: "أنت يا باصرة فاسد من راسك إلى رجلك" ابتلعها باصرة ولم ينبس بكلمة متواريا في المصعد الكهربائي، كما ابتلع حبسه أياما مع بعض زملائه في إحدى الدوائر العسكرية المهمة بداية الثورة، وعاد إلى وزارته يمارس فساده على طريقته غير مكترث بحرف الدال الذي يسبق اسمه وغير مكترث بالوسط العلمي الأكاديمي الذي ينتمي إليه وبالعقول التي يتعامل معها، مثلما لم يحترم المتسابقين في جائزة رئيس الجمهورية للبحث العلمي والتي تشرف عليها الوزارة فكان ابن الوزير صالح باصرة هو الفائز بجائزة رئيس الجمهورية في العام 2009م لكن هذي سهل، "ابنك يا الإنسان" وبعدين "مش هي غالية على ابن الوزير" ومن يزر مكتبه يتعجب حين يجد زملاءه من أساتذة الجامعات ينتظرون الساعات للإذن لهم بالدخول إليه، فيما أصحاب الأكوات المتسخة والشعر المنتفش من القبائل يجلسون إلى جواره ويتبادلون الحديث معه بود!! وهذا في النهاية جزء من الفساد الكبير الذي يضرب أطنابه داخل وزارته، من خلال مافيا الفساد التي اصطنعها الرجل لنفسه منذ وطئ الوزارة وما عمليات بيع وشراء المنح الدراسية عن أي متابع بالبعيد، وما سفريات الوزير الخارجية المغرم بها أيضا بالمخفية على أحد فهو أشهر وزير معروف بالسفريات خارج البلاد، وهو أكبر من يخالف النظام والقانون بالمعيار المتبع لديه في اعتماد المنح الدراسية وهو معيار الوساطة التي طالما انتقدها علنا ومارسها سرا! وهو صاحب قرار "التوفيل" الذي اشترطه للحصول على المنحة المالية والمطبق فقط على العامة من أبناء الشعب، واختلقه كعقبة كأداء يبرر بها فساده في الوزارة التي تعتبر من أكثر المرافق الحكومية فسادا إن لم تكن أفسدها على الإطلاق، فيما المعيار الرئيسي لأبناء الذوات هو فقط مجرد زيارة أو اتصال ليس إلا وبعدها "لا توفيل ولا يحزنون" ولو كان باصرة صادقا في محاربته للفساد لكان بدأ بوزارته ولقد كان الرئيس محقا فيما اتهمه به من الفساد..

وهكذا لو كان باصرة وطنيا بالفعل "وغير مزيف" لأعلن موقفا وطنيا تجاه الثورة منحازا للشعب، لكنه لما رأى الوضع قد انقلب رأسا على عقب ورأى ألا جدوى من التمثيل المسرحي قرر أن يكون أكثر طاعة في بيت الطاعة مهددا الثوار بالحرس الجمهوري متوهما أن له القدرة على فعل شيء ما، وكأنه قائد الحرس، وليثبت لسيده أنه الذي ثبت وقت الشدة!

زر الذهاب إلى الأعلى