لسنا بحاجة في اليمن اليوم لإعادة قراءة التاريخ، وتأمل الماضي استخلاصاً للعبر. العبرة الآن هي ابنة الحاضر والشاهد الماثل الذي يتولد من رحم مفاجآت الربيع العربي، ونراه بأعيننا المجردة طازجاً كل صباح كحليب رصابة .
كفى بسقوط القذافي واعظاً إذا لم يكن في مبارك وبن علي ما يمكن أن يكون "عبرة" لنظام صالح، وهؤلاء الثلاثة سقطوا نهائياً من كشف الرواتب الشهرية في باب العزيزية بطرابلس
قبل أن يسقط "عميد الزعماء العرب في الاستبداد وسوء الخاتمة "في سرت.. ولم يتعظوا.
تاريخياً أسقطت امرأة عربية نظام امبراطورية عظمى وخرافة المنجمين السياسيين بصرخة .
تلقت المرأة لطمة من رجل رومي فصرخت "وا معتصماه"، تحركت الجيوش ونخوة الخليفة العباسي المعتصم بالله وقصائد أبي تمام وفتحت عمورية وسقطت امبراطورية..
يشبه اليوم البارحة وإن بصيغٍ أخرى وتتوحد الدلالات لتؤكد حقيقة تاريخية في أن أعتى الأنظمة الاستبدادية تبدأ برجل وتنتهي على يد امراة ولم تتفجر الثورة ضد نظام بن علي في تونس بجسد بوعزيزي المحترق بل بلطمة شرطية دقت المسمار الأخير في نعش ولي نعمتها وامبراطورية الزعيم الرمز والقائد المفدى .
تفجرت الثورات و"عاد الربيع إلى الدنيا بموكبه" كما قال إيليا أبو ماضي في قصيدته عن النخلة الحمقاء التي مازلت أحفظها منذ المدرسة .
القصيدة تحدثت عن مصير مؤلم لتلك النخلة الحمقاء، التي ظلت عارية في الربيع لأنانيتها وتم اجتتاثها "فهوت في النار تستعرُ"، واشتعلت النار في صنعاء من مقارم نساء محتجات وفي تعز حيث حَمِي وطيس حرب ضروس ضد النساء والأطفال الرضع والشيوخ الركع خلال الأسبوعين الماضيين، ولم تسلم من هذه الحرب –حتى الآن_سوى "البهائم الرتع" في حوش النظام .
لا أقلل هنا من شأن الرجل اليمني لكنني على ثقةٍ في أن النظام الذي استنفذ كل استدراجات الحرب الأهلية، اعتقد أو نصحه منجموه في أن قتل النساء الحرائر هو ما سيدفع بنخوة القبائل والثوار للدخول في مربع المواجهات المسلحة والخروج عن دائرة الثورة السلمية في زمن فيه الكثير من الأشياء الأصدق أنباء من السيف، و"في حدها الحد بين الجد واللعب"..!