قلنا في مقال سابق في 7 مارس الماضي نشر في صحيفة السياسية التي توقفت بعد تدمير مبنى وكالة الأنباء اليمنية سبأ نتيجة لحرب الحصبة التي أدت إلى تشريد اكثر من1000 صحفي وموظف وعامل في الوكالة وفروعها في المحافظات..
قلنا أن رياح التغيير هبت على العالم العربي "كقضاء مستعجل" من خلال ثورة الشباب المتذمر وكل المتذمرين من الحكام والأنظمة وهم السواد الأعظم من أبناء الشعوب الذين يرون أن مآسيهم الاقتصادية والاجتماعية سببها الحكام والأنظمة التي لم تحقق لهم العيش الكريم في حدوده الدنيا، يضاف إليهم الطامعون في ملء الفراغ بعد اقتلاع الحكام من كراسي الحكم، ولن يترك "القضاء المستعجل" العالم العربي قبل أن يتحول إلى عالم آخر جديد. وقلنا مهما تحايل الحكام العرب على "القضاء المستعجل" بالترهيب والقمع تارة وبفتح خزائن المال تارة أخرى؛ فالوقائع تؤكد أن من استخدم هاتين الوسيلتين كان الفشل حليفه كما حدث للحاكمين المخلوعين بن علي ومبارك، أما اللجوء إلى استخدام السلاح كما فعل حاكم ليبيا فالنتائج وخيمة ستفضي بمن يستخدم السلاح إلى محاكمة دولية.
ومنذ مارس الماضي قاوم الرئيس صالح وأفراد عائلته والمنتفعون معهم " القضاء المستعجل" بكل الوسائل والطرق بما فيها القتل والتدمير والسحل والخطف وسقط الشباب والنساء والأطفال والشيوخ شهداء برصاص الرشاشات والمدافع والدبابات وبنادق القناصة وتم تدمير أحياء كاملة مثل حي الحصبة وقصفت مدن كاملة مثل تعز البطلة خزان وقود الثورة الشبابية السلمية وأحرقت ساحات مثل ساحة الحرية بتعز، ومورس العقاب الجماعي من خلال قطع الخدمات الأساسية واختفاء المواد البترولية ، كل ذلك لم يؤدي ألا إلى زيادة لهيب الثورة الشبابية باعتبارها " قضاء مستعجل" لا يقبل بغير تغيير الحكام والأنظمة، مهما كانت التضحيات.
وها نحن في اليمن قد حققت لنا ثورة الشباب السلمية " القضاء المستعجل" الخطوة الأولى من التغيير السياسي بعد التضحيات الغالية من دماء الشهداء وأنات الجرحى وبكاء الثك إلى بعد أن كنا واضعين أيدينا على قلوبنا خوفاً من الإنزاق نحو مستنقع الإقتتال، وستتبعها بإذن الله خطوات قادمة وصولاً إلى تحقيق كامل أهداف الثورة الشبابية السلمية ولن يرضى الشباب في الساحات بغير تحقيق كامل أهداف ثورتهم السلمية وفي مقدمتها تغيير النظام ومحاكمة القتلة بعد ان أكد بن عمر ان الأمم المتحدة لن تعطي أي حصانة لقاتل ، والبدء بخطوات عملية لتأسيس الدولة المدنية الحديثة وعودة العسكر كل العسكر إلى الثكنات بما في ذلك من حموا شباب الثورة مشكورين ومن يريد منهم المشاركة في السلطة عليه الإستقالة من السلك العسكري.
فأذا كان التغيير السياسي قد بدأ فعلياً بالخطوة الأولى توقيع الرئيس صالح على تنحيه من الحكم في 23نوفمبر الماضي في الرياض بعد أن كانت ثورة الشباب السلمية " القضاء المستعجل" قاب قوسين أو أدنى من جر صالح وأركان نظامه العائلي وكل من شارك في قتل المعتصمين في الساحات إلى محكمة الجنايات الدولية فإن خروج الرئيس صالح من اللعبة السياسية قد كان قبل ذلك بكثير كما قال الدكتور ياسين سعيد نعمان رئيس تكتل اللقاء المشترك وأمين عام الحزب الاشتراكي اليمني في 24يونيو الماضي لصحيفة الشرق الأوسط " أن صالح خرج من اللعبة السياسية لكن نظامه لا يزال حاضرا"
وظل الرئيس صالح المنتهية ولايته وفقاً للمبادرة الخليجية وأليتها التنفيذية في 21 فبراير القادم يناور ويخدع العالم منذ بداية الثورة الشبابية في فبراير حتى توقيعه على المبادرة الخليجية ، لكن الموقف الحاسم الذي اتخذته المعارضة ممثلة باللقاء المشترك وعبر عنه الدكتور ياسين في حديث لقناة بي بي سي مساء 13نوفمبر الماضي عندما اكد ان المعارضة تعبت من مناورة النظام المستمرة وقال " أقول هنا بكل وضوح أنه إذا استمر النظام في هذه المناورة فقد يدفع ذلك المجلس الوطني إلى أن يغادر العملية السياسية كلية ويترك هذا النظام في مواجهة مباشرة مع الشعب " واضاف " نحن تحملنا مسؤولية العملية السياسية لكي نجنب بلدنا العنف والتدهور".
والمعارضة ممثلة بالمجلس الوطني وعلى لسان الدكتور ياسين سعيد نعمان عبرت عن سخطها ممن يمسكون بقايا السلطة وفي نفس الوقت أعلنت بوضوح انها تواجه ضغوطاً من شباب الثورة السلمية في الساحات فأرسلت رسالة قوية لبقايا السلطة والوسطاء - مجلس التعاون الخليجي والمجتمع الدولي - بأن المسار السياسي له زمن وحدود و قالت الرسالة للوسطاء أنكم لم تتخذوا موقفا واضحا ممن أفشل المبادرة الخليجية التي تراها المعارضة اليمنية كما يراها الوسطاء أساس الحل لما تمر به اليمن، كونها تنشد الانتقال السلس للسلطة عن طريق نقل مهام الرئيس إلى نائبه.
والمعارضة اليمنية هنا كما الوسطاء يفرقون بوضوح بين "إسقاط النظام" باعتباره مفهوما ثوريا تبناه شباب الثورة السلمية في الساحات وبين " تغيير النظام" باعتباره مفهوما سياسيا تبنته المبادرة الخليجية وقبلت به المعارضة وتحملت مسؤولية العملية السياسية لكي تجنب البلاد العنف والتدهور كما قال الدكتور ياسين. بينما رفع الشباب شعارات كثيرة في ساحات الحرية التغيير والحرية منها " أرحل والشعب يريد بناء يمن جديد والشعب يريد إسقاط النظام والشعب يريد محاكمة السفاح وغيرها من الشعارات الثورية "وكلها تعبيراً عن المفهوم الثوري وليس السياسي وهناك فرق بين الأثنين.
ولتجنب نتائج الخيار الثوري الذي يعني التصعيد الثوري وإسقاط النظام مهما كانت كلفة ذلك وما سيقابله من تفجير الحرب من قبل الرئيس صالح والممسكين بالقوات العسكرية من عائلته والتي ستؤدي إلى إراقة الدماء وبالتالي اعلان فشل المساعي الخليجية والدولية وهو ما لم يسمح به الخليجيون ولا المجتمع الدولي ، صعد الوسطاء من ضغوطهم ضد صالح وأركان حكمه باتجاه إصدار قرار من مجلس الأمن بتجميد الأموال والملاحقات القضائية .. الخ وهو ما جعل صالح يوقع على المبادرة الخليجية مضطراً ويعلن من الرياض تنحيه وانتهاء حكمه.
وجاء تشكيل حكومة الوفاق الوطني برئاسة باسندوه وتشكيل اللجنة العسكرية وأداء حكومة الوفاق اليمين الدستورية امام الرئيس المؤقت عبد ربه منصور هادي الذي سيصبح بعد شهرين من الأن الرئيس الشرعي وفقاً للمبادرة الخليجية وأليتها التنفيذية وسط حضور واهتمام دولي حيث زار صنعاء ممثل الأمين العام للامم المتحدة جمال بن عمر وعبد اللطيف الزياني الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي وتدفق الترحيب بحكومة الوفاق الوطني والإستعداد لدعم اليمن مالياً وسياساً .. جاء كل ذلك وأكثر منه ليعلن بوضوح انه لا يوجد طريق للتغيير في اليمن غير التغيير بالعملية السياسية على مراحل وليس دفعة واحدة والتي تحقق الرحيل لرأس النظام المتمثل بالرئيس علي عبد الله صالح وعائلته عن السلطة من خلال عملية سياسية تبدأ بفترة انتقالية تشارك فيها جميع الأطراف السياسية تنتهي بانتخابات حرة ونزيهة في ظل دستور جديد يتم التوافق السياسي عليه ينقل اليمن من الحكم الفردي العائلي العسكري إلى الدولة المدنية الحديثة التي يحكمها نظام مدني ديمقراطي ينهي تسلط العسكر والقبيلة ويجعل العسكر يعودون إلى ثكناتهم لحماية الوطن وينهي تسلط وعنجهية القبيلة ويقضي على الجمع بين الوظيفة والتجارة والعسكرة والحكم والتجارة ، كما يجعل شباب اليمن الذين قدموا التضحيات الغالية دماء الشهداء وأنين الجرحى وبكاء الثك إلى ينعمون بيمن خالي من الظلم والإستبداد وحكم العسكر.