أقسمت حكومة يمنية جديدة اليمين الدستورية في القصر الرئاسي في صنعاء. إلا أنه للمرة الأولى منذ 33 سنة لم يظهر الرئيس اليمني، فقد تنازل رسمياً عن سلطاته، بالتالي وضع احتمال انتقال سلمي لهذه السلطات إلى نائبه عبد ربه منصور هادي. وكان هادي بالطبع هو الموجود في احتفال مراسم القَسَم، ممارساً سلطات الرئيس الرسمية.
الحكومة اليمنية الجديدة هي حكومة وحدة وطنية، مقسّمة بالتساوي بين أعضاء الحزب الحاكم التابع لصالح وأعضاء من التحالف المعارِض، أحزاب الاجتماع المشترك، بالإضافة إلى شخصيات معارضة مستقلة. ستواجه الحكومة الجديدة صعوبات جمّة في تأسيس نفسها، لأن بالدرجة الأولى هناك فصائل عسكرية منافسة ما زالت تملك سلطة كبيرة في الدولة. إلا أنه يتوجب دعم الحكومة الجديدة، لأن الوحدة الوطنية هي الأمل الوحيد الذي تملكه الدولة لتجنّب حرب أهلية مدمرة وكارثية.
"صالح" منذ بدء الحركة الاحتجاجية في اليمن في الجزء الأول من هذه السنة، وعد مرة بعد أخرى بتوقيع مبادرة مجلس التعاون الخليجي التي تنص على تنازله عن السلطة. وبينما أجّل مغادرته هذه قامت قوات جيشه بإطلاق النار على المتظاهرين العزّل وقتلت المئات منهم. في الوقت نفسه، وقعت مواجهات عنيفة في كافة أنحاء الدولة بين الوحدات العسكرية المؤيدة لصالح والوحدات العسكرية المؤيدة للثورة والمقاتلين القبليين. وقد دمرت هذه الاشتباكات أجزاء من مدن صنعاء وتعز وأرحب وغيرها من البلدان والمناطق.
كان هناك خوف حقيقي خلال الأشهر القليلة الماضية من أن تؤدي هذه الاشتباكات إلى اشتعال حرب أهلية جديدة في اليمن، بعد 17 سنة فقط من انتهاء الحرب السابقة. لقد أظهر الانفصال بين الشمال والجنوب، الذي تسبب بالحرب الأهلية عام 1994، وجهه البشع مرة أخرى، حيث تستغل الحركة الانفصالية الجنوبية ضعف سيطرة الحكومة العسكرية في دعم وجودها في الشارع.
يحتاج اليمن في هذه الفترة الصعبة وغير المستقرة إلى حكومة تمثّل الجميع، ويتوجب على الحركة الثورية كذلك الاعتراف بأن للرئيس صالح أنصاره، وأنه لا يمكن تجاهلهم إذا أُريد أن يكون هناك أمل بمستقبل من السلام.
ومن الأهمية بمكان كذلك أن تتم مخاطبة شكاوى الجنوبيين وتظلّماتهم. لقد جرت السيطرة على أراضيهم ومواردهم لفترة طويلة من قبل أجزاء من النخبة الشمالية. ويشكل تعيين الجنوبيين في مراكز قيادية، بمن فيهم نائب الرئيس هادي ورئيس الوزراء محمد باسندوا وغيرهم، خطوة أولى إيجابية في محاولة لإظهار أن الهيمنة الشمالية الظاهرة على الجنوب قد انتهى عهدها.
من المرجح أن يكون نائب الرئيس هادي المرشح الوحيد في الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي من المقرر إجراؤها يوم 21 فبراير. وإذا فاز هادي فسوف يتبوأ السلطة لفترة انتقالية مدتها سنتان، وهي فترة ستكون حاسمة في تاريخ اليمن.
وتضم حركة الشباب بعض أفضل الأدمغة اليمنية وأكثرها ذكاءً، وستشكل عملية إقناعهم بالبقاء في اليمن والمشاركة في العملية السياسية خطوة رئيسية للحكومة المقبلة.
يحتاج هادي، إلى جانب الحكومة اليمنية الجديدة، لأن يثبت لليمنيين أن التغيير قد حصل. وسيشكل ذلك تحدياً بالنظر إلى أن بعض هذه الشخصيات في المراكز الوزارية كانت جزءاً من الصدامات. لذا يتوجب على الحكومة الجديدة ضمان الشفافية، والتأكيد على أنه يمكن محاربة أحد الآفات الرئيسية في اليمن، وهو الفساد المستشري على المستويات العليا.
يحتاج اليمنيون لأن يبتعدوا عن أفكار الثأر وأن يركزوا بدلاً من ذلك على وحدة الدولة والعمل على قضايا مثل الفساد والفقر وأزمة المياه. وإذا ركّزت الحكومة الجديدة على هذه القضايا فقد يكون اليمن في طريقه نحو تحقيق النتائج التي طالب بها الشعب اليمني أثناء احتجاجاته خلال الشهور الحادية عشرة الماضية.
صحفي بريطاني يمني
ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند" الإخبارية.