1
أثبتَ ' الرَّئيس علي ' ، أنه الفأر الوحيد الذي أصرَّ على السباحة في طستْ الحليب حتى أصبح الحليب زبدةً .. سار عليها حتى طرف الطستْ ، ولما يقفزْ بعد . وأثبتتْ نظريته في خلق الفوضى التي هدد بها - وقد رتَّبَ لها لثلث قرن - أنَّ تنظم بقاءهُ .. حتى وإنْ لمْ يقفز بعد من طستْ الحليب .
فالرجل أثبتْ - بما لا يدعُ مجالاً للفساد في التفسير للشك - أنَّ جهاز الفساد الذي تسلَّح به حتى الأسنان والنُّخَر ، والذي زرعه بشرعيته الدستورية ، وقد تَجَذَّر ، وسياسة ' لو تضارَبُوا الرُّبَاح .. أوْبِهْ على فَتَّتَك ' نجاحاً قلَّ نظيرُهُ ، وعزَّ ' خَبِيرُه ' - على قانون ' لوْ سَبَرَهْ حِجْنَهْ ولو عِوِجَهْ شَرِيمْ ' . وأثبتْ أفراد الأطراف ، في دائرة جهاز الفساد الذي رتَّبَهُ بخبثٍ ضارب في الكراهية والحقد لكل ما هو جميل في حياتنا ... أثبت تلك الأطراف ، إستطاعةً خارقةً ، وقدرةً فائقةً ، في الضغط على مركز الفساد نفسه - وعناصره - متسبباً في إطالة بقاء فساد المركز ، وفساد الأطراف ، على حد سواء !
( ب ) :
رجلٌ سبب الصُّداع لأمريكا . ليسَ لعبقريته بحروفها كاملةً ؛ ولكن لعبقريته بدون عينها . ولسبب إضافي آخر .. هو أنَّ الرَّجُل ليستْ لديه خطة بدايةً . وإمريكا دولة ذات خطط ، بل وخطط ( ب ) ، لتغطية الخطة ( أ ) حال إخفاقها . فما بالك ونحن هنا في اليمن كلنا نلعب هوشلية !
( ج ) :
فاليمن - بالنسبة لي - لم يبقَ فيها إلا القحطانيون ، والجنَدِيون ، والمَقَاوِتَة . ويبدو لي لم يبقَ منا مَنْ بقي فيه شيء مِنَ العقل إلا الرَّئيس ! لأنه أصلاً مجنون بعقل ، وعاقل بجنون . وإلا ماذا تسمي رجلاً أقسم إلا يترك عاقلاً في اليمن إلا وقد جَرَّ شعره من الجنون بعد أنِ ابيَّضَ شعره . والشخص الوحيد - وللأمانة - الذي يتقطعُ عليه قلبي هو الدكتور ياسين سعيد نعمان الذي إِصْفَرَّ شعره بعد بياض ؛ إلا أنَّ قلبه مخضَّرٌ ، وعامرٌ بالحياة ، وسبق وقتَه وزمنَه بسنوات وجغرافية تضاريس الجنون اليمني لا ينبتُ فيها خير رجل فريد وصاحب أخلاق تسع اليمن بجنونهِ وحكمته .
وكلما سمعته ينتابني شعورٌ آيسَ الوصولَ للتفاؤل أنْ يجد ميناء ومرسى ! .. لأنه نسيج وحده ، ولا يشبههُ أحدٌ أو يشبهُ أحداً.. ولو كان هناك أكثر من ياسين ربما بقيتُ في تفاؤل !
2
والثُّوَّار وحدهم ، هم مَنْ سينجز ما تبقى من أهدافهم التي خرجوا من أجلها. والفرق بين الحل الثوري ، والحل السياسي قليل من المصطلحات التي توضح الخيوط كلها. يجب أنْ يفهمَ الجميعُ أنْ البلادَ دخلتْ ما يسمى بالولاية المُدَوَّلَة . ويجب أن نعي الخيطَ الرفيع الذي يفصلُ الوصاية الدولية ، والولاية المُدَوَّلَة . فالثورة ترفض الوصاية كمنهج فلسفي وعملي للتغيير ؛ والسياسيون يقبلون الولاية المُدَّوَلَة .
( ب ) :
الوصاية الدولية بمعناها القانوني الميكانيكي والتاريخي القاتم ، وبالصورة التي إرتبطتْ بالذهنية العربية بعد الحرب العالمية الأولى والتوزيع لتركة العثمانيين على ما جاء في ' سايكس - بيكو ' والوصاية على فلسطين والأنتداب ، وما إلى ذلك من التفاصيل المؤلمة ... كل ذلك لم يعد يعني المجتمع الدولي - الأمم المتحدة ومجلس الأمن - شيئاً .
3
وفي فترة من الفترات ، فإنَّ فكرة تهديد السلام ، والأمن الدوليين - حسب المفهوم التقليدي للفكرة - إرتبطتْ بالحالات التي تكون مصحوبة بالإستعمال غير المشروع للقوة . وكانتْ الأزمات الإنسانية وانتهكات حقوق - آنئذٍ لا ترتبط ألبتة بذلك المفهوم التقليدي لفكرة تهديد الأمن والسلام الدوليين - إلا بعد الحادي عشر من سبتمبر ؛ حين جُعِلتْ جميع الخروقات الجسيمة للإلتزامات الدولية حُجَّة - على عمومها - في حالات إستخدام القوة في العلاقات الدولية ؛ مثلها مثل تحريم القتل الجماعي ، وانتهاكات حقوق الإنسان الواسعة والجسيمة ، و' الإرهاب ' ، والأزمات الإنسانية ، والإقتصادية ، وحتى الإيكولوچية ؛ كتوسيع أو إمتداد لمفهوم فكرة وفلسفة ' الأمن والسلام الدوليين ' . فقد جاء في بيان 31 يناير 1992 :
( .. وإنَّ عدم نشوب الحروب والمنازعات العسكرية بين الدول ، ليس في حد ذاته ضمانا للسلم والأمن الدوليين، فقد أصبحت المصادر غير العسكرية لعدم الاستقرار في الميادين الاقتصادية ، والاجتماعية، والإنسانية ، والإيكولوجية ، تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، ومن الضروري أن تولي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ككل أولوية عليا لحل هذه المشاكل عن طريق الأجهزة المناسبة ).
( ب ) :
وبهذا تكون هذه القمة الأممية التي انعقدتْ حينذاك ، قد أرسلتْ رسالةً واضحة للمجتمع الدولي ذات الأهداف الجلية ، والخطوط العريضة ، للتفسير الموسع لمفهوم تهديد السلم ، والأمن الدوليين ، وبالتحديد في مجال انتهاكات حقوق الإنسان التي ستترجم في ممارسة مجلس الأمن باعتباره الجهاز الرئيسي للحفاظ على السلم ، والأمن الدوليين.
4
وهكذا دخل العالمُ كله - ونحنُ رقود - في ساحة جديدة من اللعبة الدولية ، وسمعنا على حين غِرَّة بمصطلح " النظام الدولي الجديد The New Order ، وكلبنا باسط ذراعيه بالوصيد ، ونحن في غفلة منه نخُطُّ الحُلبةَ بالعصيد ! .. وظهرت علينا مفردات جديدة من مصفوفات اللعبة مثل : إنهاء بقايا الإستعمار وإنهاء الفصل العنصري Apartheid ، والتدخلات العسكرية ذات الطابع الإنساني ، وإنشاء مناطق وجيوب آمنة - مش ' آمنة ' الرئيس - ولجان تقصِّي الحقائق ، ولجان تحقيقات دولية ، ولجان التفتيش ، والإحالة للجنائية الدولية ، وإقامة المحاكمات الجنائية الدولية ، والمحاكم الوطنية المُدَوَّلَة ، وما إلى ذلك .
وماذُكرَ آنفاً هو ما يمكن أن يدخل في تعريف ( الولاية المُدَوَّلَة ). بمعنى أخر .. اللعب تحت الطاولة ، واللطم فوق اللِّقْف !
5
ولهذا نجد الشيخ سفير الولايات المتحدة الأمريكية ، وبقية مشايخ السوق الأوروبية ، يفتون في قضايا محلية ، ولكنها كما يحسبونها ويقيمونها تهدد الأمن والسلام الدوليين ، وبتفويض من قرار مجلس الأمن - بغير حرج !.. باعتمادهم على ما يسمى بميثاق الأمم المتحدة - والقانون الدولي عامة - على يُطلقُ عليه أهل القانون ( القوانين المُتَضَمَّنة ) ، على ما يوافق القاعدة الفقهية ' ما يتِمُّ به الواجب فهو واجب ' - وهو ما يسمَّى عند المحاميين الأمريكيين بِ ( الحواشي الرقيقة ) أو ( Fine Prints ) التي يفقهها المختصون ، ولا يفقهها غير المختصين .. قرأوها أم لم يقرأوها !..
( ب ) :
وهنا ، بعد هذا العرض المعصود ، ربما نكون وعينا أنَّ ما يجري في اليمن هو ' ولايةٌ مُدَوَّلَة ' وليستْ وصاية دولية - وفق قانون ' دَيْمَةْ وُخَلَفْنا بَابِهْ ' - إلا أنها أخف على النَّفْس وطأً وَفَجْعَةً .. يعني إدارة مشتركة بين اليمنيين والأمم المتحدة .. يعني شُغل مُكَدِّيةْ ، ونُصف قِوَادَة !
وبركاتك يا عَفَّاشْ .
وللحديثِ بقية ؛ سنستعرض فيه أدوات الولاية المُدَوَّلَة ، وآلياتها التنفيذية ، أو ' أدوات ما بعد الصراع ' ، كما تعرِّفها أدبياتها منظمة حقوق الإنسان ، التابعة للأمم المتحدة الأمريكية !!.. Ooops ..
وسامحونا !
عبدالكريم عبدالله عبدالوهاب نعمان .
في 16 يناير 2012