يتوجه الناخبون اليمنيون غداً إلى صناديق الاقتراع. النتيجة معروفة سلفاً. المسألة تشبه الاستفتاء. سيحمل عبد ربه منصور هادي لقب السيد الرئيس بعدما عاش طويلاً مع لقب السيد النائب. لم يظهر في ممارساته أنه ينتظر ساعته أو ينظر إليها. ولم يحاول الإمساك بالخيوط على غرار ما فعل صدام حسين يوم كان يحمل لقب السيد النائب. أغلب الظن أنه لم يعتقد يوماً بأن هذه اللحظة ستأتي. صحيح أن الرئيس علي عبد الله صالح كان يسر أحياناً برغبته في أن يرتاح. وكان يقول إنه لا يكره لقب الرئيس السابق. وإنه يحب التفرغ لملاعبة أحفاده. لكن التاريخ العربي الحديث لا يساعد على أخذ هذه الأقوال على محمل الجد. التاريخ نفسه يقول إن الرئيس لا يغادر القصر إلا إلى القبر. وأغلب الظن أن علي صالح لم يتوقع أن يضع الحظ نفسه في خدمة السيد النائب. وربما لو توقع لأبقى المنصب شاغراً كما فعل الرئيس حسني مبارك.
ربما كان هناك شيء من الظلم إذا حاولنا استخدام قاموس اليوم لمحاكمة رجال جاؤوا إلى السلطة من قاموس آخر. تسلم علي صالح السلطة أو استولى عليها في 1978. يومها كان اسم الزعيم السوفياتي ليونيد بريجنيف وكانت عدن ترتدي ثوبها الأحمر. وكان اسم رئيس مصر أنور السادات. ورئيس العراق أحمد حسن البكر. كان مضى على تسلم حافظ الأسد السلطة ثمانية أعوام. وكانت طرابلس تمضي عامها التاسع في ظل الأخ العقيد الذي لن يغادر خيمة القيادة إلا إلى القبر. كان اسم الرئيس السوداني جعفر نميري.
حين جاء علي عبد الله صالح لم يكن مستهجناً أن يدخل المنقذ القصر على دبابة. وأن يحول الحاكم الذي استولى على الإذاعة الدستور حاجباً على باب مكتبه. وأن يدك معاقل المعارضة بالمدافع. وأن تتخصص أجهزته بسلخ جلود المشككين في حكمة القائد. وأن تطارد شاحنة معارضاً وتدهسه. وأن يموت مشكك بعدما أرغم على تناول كوب من الشاي. لا أتحدث هنا عن اليمن بل عن بلدان كان العيش فيها أشد هولاً والأجهزة أكثر فتكاً.
أمضيت أياماً يمنية اسأل عن علي عبد الله صالح وعهده الطويل. الويل لمن يخسر. تنهال عليه سكاكين الأعداء والأصدقاء. ينبشون الدفاتر القديمة ويفضحون الهمسات والأسرار. والحقيقة أن عهد علي عبد الله صالح كان طويلاً وصعباً وشائكاً. دعك من الدستور والقوانين والنصوص. كان الرئيس بارعاً. يدير قبيلة الدولة وسط تجاذب القبائل. يتقدم ويتراجع. يهاجم ويلتف. يعادي ويصالح. يزجر ويسترضي. تدوّي مدافعه ثم يولم في المصالحات.
كان علي عبد الله صالح بارعاً. وكان متعباً في الداخل والخارج. كان يعرف تضاريس اليمن. وتضاريس الروح اليمنية. وأصول الرقص على هذه الساحة المعقدة. ليس بسيطاً أن تمتد ولاية رئيس يمني اكثر من ثلاثة عقود. وأن تنجز الوحدة اليمنية في عهده. وأن يغادر سالماً في حين جاء بعد مقتل اثنين من أسلافه. لكن الرئيس البارع لعب أوراقاً كثيرة بالغة الخطورة. وحارب كثيراً وطويلاً. وترك مؤسسات منهكة ومستنزفة.
لم يعد السؤال اليوم عن مستقبل علي عبد الله صالح. السؤال هو عن مستقبل اليمن. عن وحدته واستقراره. وعن قدرة العهد الجديد على لملمة أشلاء البلاد والسير في تنفيذ المبادرة الخليجية. على القوى التي طالبت بإطاحة الرئيس أن تظهر اليوم جديتها وبرنامجها. إذا كان علي عبد الله صالح هو المشكلة فإن عهده انقضى. على المنتصرين الإجابة عن أسئلة الجنوب والحوثيين و»القاعدة». عن أسئلة الدولة ومؤسساتها والأمن والتنمية.
يمكن القول إن علي عبد الله صالح رجل محظوظ. ليس فقط لأنه أقام طويلاً. بل أيضاً لأنه لم يغادر كما غادر زين العابدين بن علي. ولم ينقل إلى المحكمة كما ينقل حسني مبارك. ولم يتعرض لما تعرض له معمر القذافي. وحتى حين لامسه الموت في دار الرئاسة أسعفه الحظ. ناور علي عبد الله صالح طويلاً ثم اكتشف أن توقيع المبادرة الخليجية أقل كلفة من المجازفة بمواجهة مصير مشابه لما رآه على الشاشات.