[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

من تجارب رؤساء يمنيين

أنجبت أبين حتى الآن ثلاثة رؤساء وأنجبت صنعاء أربعة رؤساء، فيما توزع البقية بين إب ولحج وتعز وحضرموت. كان الرئيس الراحل سالم ربيع علي (سالمين) متطرفاً في بعض مراحله الأولى، ولكنه اكتسب خبرة وتجربة بعد ذلك، وشعر بمسؤوليته تجاه الدولة والشعب في الجنوب، وأبدى مرونة في التعامل والتعاون مع الأنظمة والجيران في منطقة الجزيرة والخليج، وانفتح في علاقاته مع النظام في الشمال ومع السعودية، وفتح قنوات اتصال مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية في آخر عهده، لكن بعض العناصر لم تستوعب تلك السياسة، وعدته انحرافاً عن النهج الثوري والتحرري، حيث كانت ترفع شعار تحرير صنعاء ودولة الخليج والجزيرة انطلاقاً من عدن.. ويردد البعض شعار “من عدن إلى البحرين شعب واحد لا شعبين” وفي المحصلة وظفت ذلك في إطار الصراع السياسي، واستخدمته كورقة ضد الرئيس ربيع، محملة إياه مسؤولية التفريط بالنهج الثوري للثورة في الجنوب.

نفس هذا المنطق واجهه الرئيس علي ناصر محمد في سنوات حكمه الأولى (1980-1986) عندما قام بعملية إصلاح سياسي واقتصادي في السياستين الداخلية والخارجية؛ إذ رأى فيها الطرف الآخر خروجاً عن نهج الحزب والثورة وعن الخطوط الحمراء، لمجرد أنه أقام حواراً مع المسؤولين في الشمال لتحقيق الوحدة بالطرق السلمية والديمقراطية بدلاً من القوة والحرب.

لقد أوقف علي ناصر الحرب الطاحنة التي كانت تشهدها المناطق الوسطى بين الجبهة الوطنية وقوات النظام في صنعاء، والتي كانت تسبب الدمار والقتل وتستنزف مليارات الريالات، وقد وفرت هذه الخطوة الأمن والاستقرار والتنمية للشمال.

ولمجرد أن أوقف الدعم والتأييد الذي كان نظام الجنوب يقدمه للجبهة الشعبية لتحرير عمان، بعد أن توقفت وانحسرت العمليات العسكرية في عُمان كلها عام 1975م.. وأقام علاقات حسن جوار مع دول المنطقة.. وكان منطقه في ذلك حسب تصريحاته المعلنة “أننا لسنا مسؤولين عن تغيير الأنظمة في الشمال ودول الجزيرة والخليج بل هي مسؤولية شعوبها.. وأن مصلحة دولتنا وشعبنا تكمن في علاقات طبيعية مع هذه الدول وفي الأمن والاستقرار لنا ولجيراننا؛ لأن في ذلك مصلحة مشتركة للجميع..”لكن البعض لم يفهم هذه السياسة واعتبرها تراجعاً عن خط الحزب والثورة، مع أنها حظيت بأوسع تأييد من الشعب الذي رأى في هذا الانفراج مصلحة مباشرة له تؤثر إيجاباً على أمنه واستقراره ومعيشته وتطوره.. إضافة إلى الانفتاح على دول العالم.

أما الرئيس علي عبدالله صالح فقد أقام نظامه على التحالف مع المتناقضات؛ حيث تحالف مع الإصلاح ضد الاشتراكي، وحين استتب له الأمر انقلب على الإصلاح واتهمه بالإرهاب، ولم يتوانَ أن يشبهه بالكرت المحروق.. لهذا لم يؤمن جانبه، كما تحالف مع البيض والاشتراكي ثم انقلب عليهم بحرب 1994م.. وتحالف مع فئة أخرى من الجنوبيين أو استفاد منهم ثم ركنهم على جنب كما يقال!!

وكان يتعامل مع الأزمات عن طريق ترحيلها، ويرفض الحلول الجذرية أو الأفكار التي تسلبه جزءاً صلاحياته، وبالذات مشاريع الحكم المحلي أو الفيدرالية، وكان الحديث عن الفيدرالية قد بدأ قبل حرب 1994م، واقترح البعض تقسيم البلاد إلى إقليمين شمال وجنوب، واقترح البعض الآخر إقليماً ثالثاً من محافظات: تعز وإب والبيضاء ومأرب، ولكن ذلك لم يجد له قبولاً آنذاك، ويطرح اليوم من جديد الفيدرالية بإقليمين شمال وجنوب، وهذا الخيار يمثل حالة أفضل من الانفصال، ولكن المحافظات التي أشرت إليها آنفاًَ ترى أن يشكل إقليم ثالث؛ لأنه إذا تحول الجنوب إلى إقليم فإنهم سيشعرون بالاضطهاد من قبل النظام الذي عانوا منه كثيراً في عهد الإمامة وكذلك في زمن النظام الجمهوري وحتى اليوم، ولهذا فهم يميلون إلى إقليم ثالث، وفي الجنوب لم تلق فكرة الفيدرالية قبولاً في عهد صالح؛ لأن أبناء المحافظات الجنوبية عانوا من الاضطهاد في ظل الوحدة التي عمق قادتها الحقد ضد هذا الهدف السامي.

وعندما كان يعجز الرئيس صالح عن رفض مشروع معين بحكم الضغوط الداخلية أو الخارجية فإنه يلجأ لتطبيق تلك المشاريع والإصلاحات بأسلوب يفرغها من مضمونها مثلما جرى خلال عملية انتخاب المحافظين؛ لأن عدم التحايل على المضامين الجميلة، وإفراغها من أهميتها، والتمسك بالمركزية البغيضة سيؤدي إلى فقدانه لبعض صلاحياته، لكنه نسي أو تناسى أن الحكم المحلي الحقيقي كان كفيلاً بإعفائه من خوض حروب أدت إلى نتائج كارثية تحت شعار “الوحدة أو الموت” أو شعار “الموت لأمريكا الموت لإسرائيل”.

ومن المعروف أن الفوضى وعدم الاستقرار التي سادت في كثير من مناطق اليمن تعود أسبابها إلى عدم وجود نظام حكم محلي حقيقي يتيح للمواطنين انتخاب ممثليهم وتدبير شؤونهم بأنفسهم.

وقد تحول التذمر في المناطق المتضررة من السياسات الخاطئة إلى أحداث عنف وضعت المجتمع الدولي أمام خيارات صعبة لفرض وصاية غير مباشرة على اليمن، وإذا ما استمر صالح بعد خروجه من الحكم في محاولات التأثير على الحياة السياسية في البلاد وزعزعة استقرارها فمن غير المستبعد أن تلاحقه العدالة الدولية من أجل ضمان حماية البلاد من الوقوع تحت سيطرة الأيديولوجيات المدمرة.

زر الذهاب إلى الأعلى