أرشيف الرأي

خدمات البيض.. لاتنتهي

عندما خرج النائب الاسبق للرئيس السابق من سردابه في معقل الاباضية بعد اعوام من الغيبة السياسية؛ توقع المراقبون والمنتظرون ان يقول اللاجئ السياسي كلاما مفيدا فنحو عقدين من العزلة والتامل زمن كاف واكثر لإضاج نبي وانبات الحكمة المكتملة في عقل صاحبه.

لكن جبل علي سالم البيض تمخض اكثر من فأر وبدا ان المعتكف صنع له عالمه الخاص وتماهي مع ميتافيزيقات
الغيبة، منفصما بالكلية عن الواقع ومجمل مايدور على الضفاف المحاددة للسلطنة التي فر إليها على متن زورق بعد أسابيع معدودة من اعلانه الانفصال والعودة إلى مربع ماقبل 22مايو 1990.

كان البيض ينتظر فقط ساعة خروج غائبه الذي لاينتظره احد ،وحين اندفعت اول موجة من الحراك الجنوبي على
الضفاف القريبة من النائب الغائب ،في العام 2007قرر –دون تقدير جيد للتبعات-الخروج على الملأ.

خرج.. وجها متغضنا بالتجاعيد وونظرات زائعة في عينين ازدادتا غورا وانكمشت حدقاتهما بشكل مبين .. لقد تركت سنوات العزلة ظلها على ظل جسد ماكان له ليشيخ إلى هذا الحد لو انه حافظ على شيء من التوازن النفسي عقب تجرعه غدر الشريك في دفعة السم الاخيرة.

وعاد البيض إلى الواجهة وادبيات الاعلام اليومية ..اجريت معه مقابلات ووجه رسائل شفهية ومكتوبة وانشأله قناة تتحدث باسمه وتروج لافكاره الانفصالية التي لم تتغير، تماما كباروكة رأسه الصناعية بلونها الاسود الناصع.

وخلال هذه الفترة التمهيدية لزمن مابعد خروج الغائب جدف البيض بزورقه على رمل اليابسة وبمحراثه القديم في عرض الماء .. ووجدت ثلة جانبية من المحسوبين على الحراك السلمي في البيض مهديها المنتظر الذي عد
من المعتكف بمعجزات ووحي.

غير ان ثمة تعاطفا كان حاضرا بشكل أو باخر ليس في وسط نخبة من الحزب الاشتراكي أو جماعة من ابناء الجنوب مسقط راس البيض الذي صار في قبضة الشريك الالد علي عبدالله صالح الذي ازداد بعد هروب الند الخاسر في صيف 94 اكثر عتوا واشد نفورا.

كان مدعى هذا التعاطف المتواجد ايضا في جزء من النفسية الشمالية هو ان البيض هو العامل الاساسي في تحقيق الوحدة اليمنية بين شطري البلد وان تضحيته بمنصبه من رئيس دولة لها علم يرفرف في باحة الامم المتحدة وراية منصوبة في رواق مدخل جامعة الدول العربية ، إلى نائب رئيس ،ثم بعد اربع سنوات إلى لاجئ في المنفى، واول ستة عشرة اسما محكوم عليهم بالاعدام قبل طلبهم للعدالة . وظهر بوتيرة متسارعة ان المهمة الاولية للنائب الخارج من سدابه هي الفتك بكل جزئيات التعاطف المتبقي تجاهه وقدانجز خلال ثلاث سنوات فقط هذه المهمة بنجاح ساحق وبكلتا يديه.

وفي موقفه الاخير من الانتخابات الرئاسية المبكرة وتبنيه المباشر والصريح لاجندات ولاية الفقيه واملاءات "قم" ومانجم عن ذلك من احداث اختراق للحراك السلمي عبر التسليح والتمويل الفارسي وعقد شبكة عنف منظم مع الصديق الجديد "الحوثيين" سعيا إلى الانتقام من المستقبل اليمني باثر رجعي ونزعات ماضوي.. هذه الحماقات التي تزعمها البيض علنا ،في التوقيت الاحمق ،اودت باخر ماكان في قلوب متعاطفين معه ،على قلتهم القليلة ،واثبت البيض الذي بلغ من نفسه مالم يبلغ اعداؤه منها انه مازال وبدون قصد قادر على اسداء خدمات مجانية وطويلة المدى والمفعولية للوحدة الوطنية والتاريخ والمستقبل اليمني ،وان الشخص الذي ضحى بمنصبه من اجل الوحدة مازال مصرا ان يضحى في حماقاته المتكررة بهذه الميزة الوحيدة في سيرته الذاتية الممتلئة بالخيبات والغيبات.

زر الذهاب إلى الأعلى