كنت من المعولين كثيراً على حكمة الدكتور محمد عبد الملك المتوكل في أن تساهم حكمته في إخراج اليمن من دوامتها الحالية، كرجل خبر السياسة في اليمن كثيراً وأصبح صاحب تجربة تمكنه من عدم الوقوع والانزلاق في متاهة مراهقي السياسة وشبيحتها.
لكنني مؤخراً تفاجأت في حواره الذي نشرته صحيفة الهوية المغمورة، باتهامه حزب الإصلاح شركاءه في المشترك، في محاولة اغتياله عن طريق دارجة نارية، بقوله إنها (موتور سياسي) حاول التخلص منه نتيجة خلافه مع إسلاميي اللقاء المشترك" مصدر مفاجأتي الكبرى من الدكتور المتوكل أيضا كان في قوله «إن ترحيل أولاد صالح قبل الحوار شيء غير مقبول لأن من يقف وراء ذلك له أمر يريد إبرامه للسيطرة».
حادثة "المتور" لم تكن في صحراء الربع الخالي كانت في شارع مجاهد وحضرها شهود كبار وثقة أبرزهم الزميل والمفكر عصام القيسي الذي تعرف على صاحب المتور، وعنده كل المعلومات الضرورية في حال استدعى ذلك تحقيقاً في هذه الحادثة.. الجديد في كلام الدكتور المتوكل على غير عادته هو الاتهام المباشر للإصلاح بمحاولة اغتياله، وتشديده على ضرورة بقاء أولاد صالح في المؤسسة العسكرية، فبالله عليكم حللوا لنا ألغاز حكيم اليمن المتوكل هذا، وقولوا لنا ماذا يريد؟ أم هي لعنة المركز المدنس الذي عانى منه اليمنيون قروناً، تعاود الظهور مرة أخرى وبروح وطريقة مختلفة هي أقرب إلى لعبة الراقص على رؤوس الثعابين منها إلى حكمة سياسية لشخصية عٌرف عنها الكثير من الدهاء والحكمة..لغة المتوكل هذه المرة هي اللغة التي حاول أن يغلفها طويلاً بمصطلحات الحداثة السياسية من التعايش والحوار وحقوق الإنسان، لكنها لم تصمد أمام مخاوف الحنين إلى الماضي كمرض كامن في عديد من أصحاب مرضى الجينات القاتلة، التي عاودت حنينها لماضي الأجداد الدموي الغابر.
ربما قد يكون خانك ذكاؤك هذه المرة يا دكتور محمد، أو ربما غشك الورثة في توجيه ذكائك نحو الهدف الذي يريدون الوصول إليه، أنا لا أبرىء أحداً هنا بقدر ما أحكم على معطيات موجودة لتهمة كانت بيدك أدلتها منذ وقوعها، فأبيت إلا أن تحتفظ بالتوقيت وترمي بالأدلة، لتبقى تهمة لا دليل عليها سوى أهواء السياسة وقذارتها.
صحيح من حق الدكتور وتلامذته الصغار أن يتخوفوا من حزب الإصلاح، لكن شريطة أن يكون تخوفاً مستنداًَ على منطق سياسي لا مشاعر بغض وكره شوفيني يستند إلى مخزون من الإرث العدائي لكل صاحب صوت للعدل والمساواة، والدعوة لقيام دولة حقيقية، لا تحكمها نظرية الجينات النقية، أو نظرية صاحب الغرامة الأكثر عدداً، بقدر ما يحكمها نظام وقانون يخلقان مواطنة متساوية، وفقا للإرادة العامة للأمة.
وفي الأخير إذا كان الإصلاح حزباً سياسياً يقدم نفسه على أنه حزب سياسي وكفى، ويقبل بالتعددية السياسية والعملية الديموقراطية والتداول السلمي للسلطة، فلماذا الخوف إذن منه، طالما وهو يؤمن بهذه المرتكزات الأساسية التي تقوم عليها الدولة المدنية الحديثة.
لا شيء نفهمه من هذا التحريض والكره للإصلاح سوى أنه ربما الحزب اليمني الوحيد الذي استطاع أن يفكك عقدة المذهبية والمناطقية، ويبنى على أنقاض هذه الطائفية السياسية تدافعاً سياسياً وطنياً، يرتكز على قاعدة المواطنة المتساوية، و أنه الحزب الوحيد رغم كل ما يقال في حقه، الذي استطاع أن يحرر العكفي من شيخ القبيلة والقبيلي من ربق السيد، والسيد من نرجسيته القاتلة.
فخلاف المتوكل مع الإصلاح لم يكن خارجاً عن هذا النوع من العداء للإصلاح، وإن تلفع رداء آخر، حداثياً في صنعاء أو مذهبيا طائفياً في صعدة. فالهدف واحد، هو ضرب الإصلاح "الفكرة" و"المشروع" و"البرنامج" للنيل منه، كونه الحزب الوحيد الذي يمتلك امتداداً جماهيرياً كبيراً عابراً للمذاهب والمناطق والجغرافيات الإثنية والدينية والقبلية، وبالتالي في حال وجود ديمقراطية حقيقية فإنه الحزب الوحيد الذي سيكون له دور رئيسي في يمن ما بعد الثورة، وعلى عاتقه تقع مهمة إفشال كل مشاريع التيه السياسي العائلية والمذهبية والجينية.
هذا ما يفهم من تصريحي المتوكل في حواره المثير للجدل، باتهامه للإصلاح بمحاولة اغتياله والدعوة إلى بقاء أفراد عائلة صالح على رأس المؤسستين الأمنية والعسكرية، ولا شيء يمكن فهمه سوى ذلك، أي خوف المتوكل من خروج "نافذي" لعبة المركز المدنس من حلبة السباق السياسي القادم، وهو ما يحاول حكماء والمتوكل منهم لا شك تفاديه ربما من خلال إعادة ترتيب أوراق التحالفات بين بقايا نظام سنحان و خصومه أو ضحاياه من أصحاب الحق الالهي، أنصار الله، مع بعض متفلتي الأحزاب اليسارية والقومية، بفعل تضخيم فزاعة الإصلاح في عيونهم، أو سخط هؤلاء على أحزابهم المتحالفة مع الإصلاح.
صحيح الإصلاح ليس حزب المدينة الفاضلة، ولا حزب ملائكة السماء الذين لا يخطئون، لكنه للحقيقة والتاريخ والإنصاف، الحزب الوحيد المعولون على قدرته على تصحيح أخطائه، والحزب الوحيد الحقيقي في كشوفات لجنة شؤون الأحزاب، والحزب الأكثر تنظيماً وقدرة على تجاوز عثراته، هذا عدا عن أيدلوجيته الوطنية اللامذهبية واللامناطقية، بعكس كل عناوين المشهد الحالي.
وكل هذا يعني ان على الإصلاح مسؤولية تاريخيه كبيرة في هذا المرحلة الفاصلة في تاريخ اليمن المعاصر، وعليه أن يدرك هذا الحقيقة بكثير من المكاشفة والشفافية و المؤسسية، والاهم من هذا كله، هو الانتباه لإكسير الديمقراطية الداخلية للحزب، التي ستحفظ الحزب من كثير من مؤامرات و مكائد الساسة والمعوقين ذهنياً.