من الجدير بالذكر أنه قد أصبح لزاما علينا عندما قررنا أن نبعث بمضمون هذه الرسالة ومفرداتها الرئيسة إلى كل أصحاب الشأن في هذا البلد العظيم الذي يقف على عتبه بوابة واحدة من أهم مراحل العمل الوطني قاطبة؛ من خلال هذا العنوان الذي تعمدت أن يبرز بكل هذا الوضوح وأنا أقصده متعمدا مضمونا وشكلا، أن أحيط القارئ العزيز علما أن بيني وبين الأستاذ الجندي علاقة قرابة ونسب تربطنا من الدرجة الأولى ليس هذا فحسب، لا بل ويسعني- أيضا- القول أن والدي هو من ينسب له الفضل الأول والأخير بعد الله تع إلى فيما وصل إليه الأستاذ الجندي من فضل الله تعالى.
فإلى والدي يعود الفضل في احتضانه بالوقوف بجانبه كأخ وصديق ورفيق درب وحيد لازمه في هذه الفترة من حياته، مقدما إليه الدعم والمساندة في أول وأهم مرحلة في حياته قاطبة عندما مد له بذراعيه واسعة فأخرجه من قريته وقربه منه كي يصبح أقرب أصدقائه وأصهاره؛ جراء ما كان يكن له من مشاعر وأحاسيس لم يحظى بهما شخص غيره، وصولا إلى دوره المحوري في دفعه نحو ضرورة إكمال دراسته الثانوية والجامعية وتحفيزه إلى الانضمام إلى صفوف الحركة الناصرية.....الخ إلى أن أوقفه على كلتا قدميه بصورة نسبية
على خلفية ما كان يحظى به والدي من تقدير واحترام بين أفراد قريته، حيث كان واحدا من أعيانها القلائل لا وبل من الذين حصلوا على دراسات عليا (دبلوم تخطيط طرقات ومدن من الجامعة الأمريكية في بيروت عام1971م) واحد كبار القيادات الناصرية (قيادات الصف الثاني) على مستوى شعبة تعز ومديرا عاما في مصنع الأسمنت باجل..الخ، وهذه حقيقة حرص الأستاذ الجندي على إخفائها قدر ما استطاع إليه سبيلا لاعتبارات عديدة كنت لا أعرفها في الماضي ولكني أصبحت منذ فترة ليست بالقصيرة أعرف جوهرها وهذا يكفيني بدون ان أتعب نفسي في الخوض في التفاصيل.
ومما تجدر الإشارة إليه ان هذا الوضع قد استمر كما هو إلى ان فتح الله عليه بعد رحلة شبه طويلة وشاقة من الكفاح إذا ما صح لنا القول ذلك، بأن أصبح رقما له شأنه في سلسلة الأرقام السياسية من الدرجة الثالثة أو الثانية منذ تأسيسه للحزب الناصري الديمقراطي، بصورة أهلته في فترة لاحقة من الانفتاح السياسي أن يدخل البرلمان، ومن هنالك بدأ بنيل نصيبه من فتات ما يسمى بالكعكة كما يحلو له ترديدها من آن إلى آخر، لينقلب بعدها الأستاذ الجندي على أعز وأقرب أخوته وأصدقائه، لأسباب كثيرة أعرف بعضا منها سوف تتضح بعض أهم معالمها الرئيسة في هذا المقال، وهذا ما يهمني فقط.
ومن نافلة القول- أيضا- قبل الخوض في أتون موضوع هذه المقالة أود أن أستميح القارئ العزيز عذرا على هذه المقدمة المهمة التي كان من الواجب إحاطته بها علما، لأني عندما قررت الخوض في مثل هكذا جزئية في هذا التوقيت تحديدا ومن على صدر الصحافة المحلية فهو كي أسلط بين يديه جزء بسيط ومهم جدا من حقيقة رجل يعد اليوم في نظر الكثيرين واحدا من الأرقام البارزة في سماء البلاد كما يحلو للبعض ترديد ذلك، وخاصة في حال ما إذا سأل سائل طب يا دكتور طارق إذا كان هذا النوع من علاقة القرابة الوطيدة تربطك بالأستاذ عبده الجندي فلماذا لجأت إلى الصحافة كي تبعث إليه بكلماتك هذه، من خلال هذه الرسالة المختصرة شبه الجامعة والمانعة التي ترسلها إليه ؟ نرد بالقول كي أبلغه أن السيل قد بلغ الزبا بالفعل، وإن الفرص التي كانت شبه متاحة أمامه قد باتت شبه ضئيلة أو محدودة جدا كي يصلح ما خربه الزمن بقلبه قبل لسانه ويديه.
ثم كي أتوجه إليه بأسئلتي هذا نصها ألم تكفي يا عمي يا كبير هذه السنوات العجاف من الظلم والجور والأنانية والمغالطات وقلب الحقائق التي سئمتها وسئمها من حولي كما سئمت الحقبة التي ظهرت فيها، ألم يتسنى لك أن تأخذ العظة والعبرة من كل ما دار حولك ؟ أما آن لهذا الحسد والكبر والجبروت الذي مازال يجثو على صدرك وقلبك فأعمى قلبك قبل عينيك منذ أكثر من أربعين عاما الماضية والأربع أعوام الأخيرة عن أقرب الناس إليك، أن ينزاح تاركا ورائه الوساوس والأوهام والأحقاد والمخاوف المحيطة بك ليلا نهار، ألم تستطيع حتى الآن التمييز بين أحبابك وأعدائك ؟
ومن ثم ضمن هذا السياق سأتوقف قليلا كي يتسنى لي الانتقال إلى ذلك المستوى الآخر من التساؤلات التي تهم كل فرد يعيش على هذه الأرض الطيبة أوجهها من القلب إلى القلب إلى الأستاذ عبده الجندي منتظرا منه الإجابة الوافية الشافية ومن خلاله إلى كل من له علاقة بها من قريب أو بعيد، هل أنت في حقيقة الأمر مع قيام الدولة المدنية الحديثة دولة النظام والقانون التي سوف تقتلعك من مكانك وسوف تحصد معظم الامتيازات غير المشروعة التي تتمتع بها، سيما أن بقائك قد أصبح بالفعل يتعارض كثيرا مع قيامها من الأساس ؟ هل تعرف لماذا ؟ نرد بالقول لان الحقيقية الدامغة التي أثبتها التاريخ الإنساني المعاصر بهذا الشأن تفيد أن لكل مرحلة رجالها وأنت وأبناء جيلك لم تعدوا واحد منها ؟ ثم بمعنى آخر ما حقيقة موقفك من مسألة تولي الشباب المتسلح بالعلم والمعرفة والمشبع بالروح والقيم الوطنية والدينية والأخلاقية لمقاليد البلاد ؟
أعني واعظ عليها هل أنت معي أستاذي بأن عمرك الافتراضي مثل غيرك لخدمة البلاد من هذه المواقع الرسمية الحساسة وما دونها في هذه المرحلة قد انتهى بالفعل ؟ ألا يعنى لك ولغيرك من عبدة الكراسي والمصالح الضيقة النتنة الدرس العظيم الذي قدمه لنا رئيسنا السابق على عبد الله صالح حفظة الله ورعاه ؟ ألم تعودوا تخجلوا أو تستحوا من أنفسكم، ألم يعد للقيم والدين والأخلاق والضمير مكانة تذكر لديكم ؟ فالوقت قد حان بالفعل عليكم أن تتراجعوا خطوات إلى الخلف بدون أية ضجيج يذكر إن كنتم على قدر عالي من المسئولية الوطنية والتاريخية كما تقولون، أما لماذا ؟
فأرد بالقول كي يتسنى لي وأقراني ومن ورائنا أصحاب القلوب الطيبة من التفرغ للإعداد والتخطيط ومن ثم العمل الدوؤب- وفقا- لمعايير ومتطلبات المرحلة التي أُهلنا أو تم تأهيلنا لقيادتها وإدارتها، حيث كيف لنا برأيك أن نقوم بكل ذلك وانتم مازلتم تغطون البر والجو والبحر قولا وفعلا، بالرغم من أن ما تقومون به برأي لم ولن يتعدى مجرد أصوات ليس إلا (جعجعة بدون طحين) أكثر منه أقوالا تحمل معاني ودلالات ترتقي إلى أعمال عظيمة يعتمد عليها في إمكانية إصلاح الأوضاع إلا ما ندر لمن رحمه الله.
بل سأكون أكثر صراحة وجراءة من ذلك بسؤالكم أما آن لكم أن تتفرغوا لخدمة البلاد التي أحببتموها أكثر من مقلات أعينكم ومستعدون للتضحية من أجلها بالغالي والرخيص كما يحلوا لكم ترديد ذلك (وهذا بالطبع واضح ما دامت تدر لكم الذهب والمال والأراضي...الخ)، بأن ترفعوا أياديكم الغليظة عن اليمن دولة وشعبا وتتركوها مطمئنة بين قلوبنا وأعيننا قبل أيادينا فنحن رجالها ولها، على أن لا تبتعدوا كثيرا لأننا بحاجة للنصيحة والمشورة التي لن تبخلوا بها عنا ولبعضا من الخبرة وليس كلها، لماذا ؟ نرد بالقول لان ما تدعون امتلاكه من خبرة لم تعد تنفعنا في زماننا الحالي فبها أوقفتم عجلة التقدم والتطور هذا إن لم أقل أُهلكتم الحرث والنسل، فنحن بهذا الشأن نطمئنك أننا قادرون على ان نطور ونكتسب علومنا وخبراتنا الضرورية بأنفسنا.
ثم أسالك بصراحة وشفافية سؤالا محرجا هل أنت مع الحق أم مع الباطل ؟ وإذا كنت مع الحق فهل تعرف أن الحق الذي نقصده يفرض عليكم أن ترفعوا أياديكم عن البلاد دولة وشعبا ؟ وإلا كيف سوف يتسنى لنا بدون ذلك العمل بما تم تأهيلنا عليه على مدار العشرين عاما الماضية ما دمتم تجثمون بأجسادكم وعقولكم وقلوبكم وأفكاركم ووسائلكم... علينا ؟ ثم كيف تستطيع أستاذي أن توصلني إلى شبه قناعة بأنك مع مبدأ التغيير إلى الأفضل ومع تسليم البلاد للشباب أصحاب المصلحة الحيوية والقوة الحقيقية القادرة على تسيير شئون البلاد بكفاءة واقتدار ووطنية عالية أكثر منكم، وأنت مازلت تتمسك بالفتات الذي يسمى سلطة بيديك ولسانك وقلبك ؟
كيف ذلك وأنت تقف أمامي وأمام أقراني حجرة عثرة حقيقية سواء ببقائك في مواقعك الرسمية أو بما تمارسه من أعمال كثيرة (مشينة) غير مباشرة تحول دون حصولي على فرصة حقيقية واحدة تتناسب مع كل ما عملت من أجله طوال حياتي والعشرين عاما الماضية منها خاصة ؟ لدرجة جعلتني أصرح للعديد من أصدقائي بأن هذه الفرصة لن تأتي أبدا إلا بإزاحتك نهائيا من الساحة السياسية- وفقا- لقواعد اللعبة الصفرية التي تديرها مع أقرب الناس إليك (يا أنا يا أنت) أما نحن الاثنين فلا توجد فسحة لكلينا، سيما أني قد ظهرت معك لا بل وبجانبك على صفحات الصحف طوال السنتين الماضيتين فهل رفعت رأسك عاليا لا بل هل أخبرت أحدا من أصدقائك ومحبيك بأنك عمي، هل فكرت للحظة ورفعت سماعة التلفون لتبادل أطراف الحديث معي ؟ هل فكرت لمجرد التفكير أن تمدد بيديك لي لأنهض كما فعلها والدي معك كرد لجزء بسيط من الدين الذي في عنقك له، سيما أني في وضع يختلف كثيرا جدا عن الوضع الذي كنت فيه وتعرف ما أقصده.
ثم هل عرف أحدا في هذه الدولة صلة القرابة التي تربطك بي أو هل نويت لمجرد النية أن تأخذ بيدي بين يديك بأن تضعني في بداية الطريق الذي أهلت نفسي له على أن تترك الباقي علينا في بلد لا يعترف بمن ليس له ظهر كما يقولون ؟ نعم أقولها مدوية بملء فمي أنت مع الأسف الشديد لست تخافني فحسب لا بل وترتعد فرائص رجليك عند ذكر أسمي أمامك أو رؤية صورتي، تخاف قلمي طموحي الكبير وقدراتي المتواضعة، تخاف إننا أصحاب قيم ودين وأخلاق هكذا عشنا وسنموت، تخاف قوة الحق وقلم الحق الذي أقف إلى جانبه وأوازه (وأنت تعرف من أقصد)، نعم تخاف قلم الحق الذي عندما تأذن إرادة ربنا جل في علاه ولست إرادتك بخروجه واعتلوه المكانة المرموقة التي أرادها له، ستدرك كم كنت غافلا وحاسدا لا بل ومتكبرا ظالما له، لا بل تخاف أننا مازلنا نحمل القيم والمعاني والمبادئ التي عيشنا وسنعيش بها، والتي لم يعد لك بها صلة تذكر.
وختاما أنت يا عمي بكل صراحة لم تحتضن في حياتك كلها إلا الكثير من الفاشلين البوساء وغير المؤهلين وناكري الجميل والمعروف الذي منيت بهم الأمة اليمنية من أصحاب القلوب القاسية والضمائر الميتة، لا بل وبذلت معهم كل ما تستطيع لقضاء حوائجهم ويسعدك التفاخر بهم في مؤتمراتك الصحفية، قل لي بالله عليك هل تستكثر على نفسك أن يشار بالبنان إلى أحد أقاربك ومعارفك الذي يرفع ذكرك بأخلاقه وأعماله، فتقول عندها لهم إني لي يد في هذا النجاح، هذه الأسئلة ومنك أنتظر الأجوبة وإن غدا ناظره لقريب.