أفزعني خبر أتمنى ألا يكون صحيحاً؛ وهو أن مجموعة من الإعلاميين اليمنيين الذين زاروا إيران مؤخراً التقوا برئيس أركان الأمن المركزي في منزل سري في صنعاء، تابع لما يسمى بمركز الإعلام التقدمي، وتم أثناء الاجتماع الاتفاق على تشكيل خلية إعلامية لكتابة نصوص بيانات تذاع باسم رئيس الجمهورية عبر وسائل الإعلام الحكومية عندما تستدعي الضرورة ذلك.
لا أدري ما هو المقصود بعبارة عندما تستدعي الضرورة ذلك التي ضغط عليها ناقل الخبر إليّ، ولا أدري هل كان المقصود هو تسريبه عن طريقي أم أن هناك هدفاً آخر من وراء إبلاغي به؟.
كنت قد قررت تجاهل مثل هذه المعلومات غير المؤكدة، ولكني تذكرتها عقب متابعتي للهجوم الإعلامي الأحمق الذي تعرض له الزميل الصحفي يحيى العراسي - الناطق باسم رئيس الجمهورية - عقب خبر نسبته وكالة (سبأ) الحكومية للرئيس عبدربه منصور هادي، عن تهنئة مزعومة للرئيس السوري بشار الأسد.
ورغم علمي أن الزميل العراسي لم يكن مسؤولاً عن هذا الخطأ، إلا أني أستطيع القول: حتى لو كان هو صاحب الخطأ فإن الأمر لا يستحق شن حملة إعلامية عليه، إلا إذا كان هناك مخطط لتكرار الخطأ وتحميل الرجل المخلص لرئيسه وبلده مسؤولية إخلاصه وتفانيه.
ومن هنا فإن التغييرات القادمة يجب أن تشمل قادة اللواء الرابع مدرع الذي يتولى حراسة محطات الإذاعة والتلفزيون الحكومية؛ حتى لا يلجأ أي متمرد محتمل على الشرعية لإعلان قرارات باسم الرئيس، يكون الرئيس منها بريئاً براءة الزميل العراسي من دماء المواطنين السوريين.
كما يجب أن تشمل أخطر ثلاثة أشخاص على الأمن الداخلي والإقليمي والدولي من أتباع الرئيس السابق.
فحسب المعلومات المتوفرة لديّ من مصادر في صنعاء ونيويورك فإن الدول العشر المشرفة على تنفيذ المبادرة الخليجية تبذل حالياً جهوداً مكثفة خلف الكواليس عن طريق الديبلوماسية الناعمة؛ من أجل الضغط على الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح للخروج من اليمن؛ بحجة أن بقاءه رئيساً لحزب مشارك في السلطة يعرقل تنفيذ قرارات رئيس اليمن الجديد - القائد الأعلى للقوات المسلحة - المشير عبدربه منصور هادي، المتعلقة بتغيير قادة الوحدات العسكرية المحيطة بالعاصمة، وقادة الأجهزة الأمنية من أقارب الرئيس السابق.
ورغم وجاهة الرأي الغربي والخليجي القائل بأن الرئيس السابق مازال حتى الآن يمثل عقبة رئيسة أمام عودة الاستقرار لليمن، والبدء في مواجهة المشكلات الأخرى، إلا أن ما تسرّب عن خيارين مطروحين حالياً للنقاش خلف الغرف المغلقة بشأن أفضل السبل لإخراج صالح من المسرح السياسي اليمني لن يؤدي أي منهما إلى حل المشكلة من جذورها، ولكن هناك خياراً ثالثاً سوف أقترحه في هذا المقال، وأعتقد أنه الخيار الأمثل فيما لو تمعّن فيه أصحاب القرار.
ولكن قبل أن أطرح اقتراحي لابد من التطرق إلى الخيارين اللذين يدور الجدل حولهما بين الدول ذات التأثير والقدرة على إنفاذ رغباتها، مع شرح بعض الدوافع التي تقف خلف كل خيار على حدة.
الخيار الأول هو الاستمرار في تدليل الرئيس اليمني السابق، وسحب البساط من تحته تدريجياً، إلى أن يجد نفسه خارج اللعبة، بعد أن يكون قد فقد القدرة على ارتكاب أية حماقة.
ورغم أن هذا الرأي لم يتبنه أي طرف رسمياً حتى الآن، ولكن جميع الأطراف الدولية والإقليمية مارسته مع الرئيس السابق منذ بداية الثورة الشبابية، باستثناء دولة قطر التي تبنت موقفاً مختلفاً منذ البداية نابعاً من قراءة أكثر إدراكاً للمشهد اليمني.
الخيار الثاني هو التلويح بالعقوبات الدولية والإجراءات الحازمة ضد الرئيس السابق؛ من أجل دفعه إلى الضغط على أقاربه المتمردين بإيقاف تمردهم على الشرعية الدستورية، وإتاحة المجال للرئيس الشرعي أن يستكمل أداء مهامه السيادية.
هذا الخيار بدأ يتردد بقوة بين الديبلوماسيين الخليجيين والأوربيين والأميركيين بعد أن نفد صبرهم من ممارسات الرئيس السابق، ولكن مازال هناك من يعمل على تخويفهم بأن الرئيس السابق قد يرتكب حماقات عن طريق أقاربه، وأنه لن يغادر اليمن، ولن يستسلم للضغوط، بل ربما تدفعه الضغوط لتفجير الموقف.
الحل الأنسب في رأيي ليس التدليل ولا التخويف؛ فعلى الدول المهتمة فعلاً باستقرار اليمن أن تتجاهل “صالح” تماماً وتنساه وكأنه غير موجود، وأن تتعامل مباشرة بحزم مع أدواته في الحرس الجمهوري والأمن المركزي والأمن القومي.
الرئيس السابق يستمد عنجهيته وغروره ودلعه من ثلاثة أشخاص هم الذين يمسكون مباشرة بأدوات التهديد وهم: نجله قائد الحرس الجمهوري أحمد علي عبدالله صالح، ونجل أخيه رئيس أركان الأمن المركزي يحيى محمد عبدالله صالح، والثالث هو كبير الجواسيس اليمنيين عمار محمد عبدالله صالح، وهو أيضاً نجل شقيق الرئيس السابق.
هؤلاء الثلاثة هم الذين يهددون استقرار البلاد؛ بسبب طمعهم في الاستحواذ على السلطة، وبسبب حجم الكراهية الشعبية التي يكنها لهم المجتمع اليمني؛ لأنهم يعبثون بالحياة العسكرية والمدنية، ويهددون مستقبل البلاد بأكملها.
بدون هؤلاء الثلاثة فإن “صالح” لا يساوي شيئاً، وعند خروجهم من مناصبهم سوف يبحث صالح بنفسه عن ملجأ لدى إحدى الدول العشر، ويرجو من قادتها أن يوفروا له حماية في أبوظبي أو في غيرها. لن يستمر في الدلال على أحد إن وجَد وقتاً للفرار بجلده على أول طائرة أو سفينة إلى أقرب بلد، فالهروب سيكون الحل الأسلم له؛ لأنه يريد أن يستمتع بأمواله قبل أن يتم تجميدها وتجفيف منابعها.
وصحيح أن “صالح” قد خصخص الحرس الخاص ونقل لواءً كاملاً معه لحمايته مثلما نقل كميات هائلة من المعدات والأسلحة الثقيلة إلى مسقط رأسه في سنحان، ولكن سنحان أصبحت ثورية ومن قرح يقرح. ولن يكون صالح حينها هو وأولاده بأخطر من أولاد الحوثي أو أنصار الشريعة.
لا يجب على الدول الغربية والخليجية أن تضيع أوقات دبلوماسيها مع صالح أو من يمثله، ولا يجب على المبعوث الأممي جمال بن عمر أن يخشى على جهوده من لجوء صالح لتفجير الموقف؛ فصالح قد فقد الشرعية، ولو كان لديه القدرة على تحدي المجتمع الدولي لتحداه عندما كانت الشرعية في يده.
لقد كان الرئيس السابق يعتقد أنه السياسي الداهية حسبما خدعه طارق الفضلي، ولو كان ذكياً وداهية بالفعل لما أصر على الانتخابات المبكرة؛ لأن الانتخابات هي التي أعطت الرئيس هادي القوة والجرأة على اتخاذ القرارات الصعبة، وكان هو الأذكى؛ لأنه رفض صعود السلطة بدون انتخابات حتى لا يملي عليه أحد قراراته.
أما الأولاد من أقارب الرئيس السابق فقد استمعت لأول مرة إلى خطاب علني ألقاه قائد الحرس الجمهوري وكان خطاباً مكتوباً، لا يبدو أن من كتبه له شرَح له معاني تلك العبارات التي ألقاها، وأتمنى أن يكون هذا آخر خطاب أستمع فيه إليه؛ لأن كل رئيس يأتي بطاقمه.
إن استمرار هؤلاء الثلاثة الأشخاص في مناصبهم يمثل تهديداً لاستقرار اليمن وبالتالي مكسباً كبيراً للقاعدة وإيران وكل اللاعبين الوافدين على الأرض اليمنية.
ويجب اقتلاعهم من مراكزهم؛ جزاء لهم لاقتلاعهم استقرارنا وأمننا وراحة مواطنينا.. وأدعو الله أن يعين الشعب اليمني على هؤلاء الثلاثة الصغار ليلحقوا بأبيهم الذي لم يعلمهم سوى”الهنجمة والعنجهية”.
- ثلاثة يمنيين يهددون أمن أميركا وأوروبا والسعودية «1-2»
https://nashwannews.com/news.php?action=view&id=17071