آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

زيارة سريعة إلى السنوات القادمة

مثلما تتشابه أسباب وظروف تراجُع أي شعب من الشعوب تتشابه كذلك أسباب وظروف الصحو والتقدم بنسبة أو بأخرى..

والمتأمل اليوم في ظروف اليمن الراهنة يجدها تكاد تتطابق مع الظروف التي عاشتها بلدان عديدة في طور خروجها من حالة التراجع إلى حال المراجعة ثم البناء والتقدم.

صحيح أن هناك اليوم، من يحاول جاهداً أن يثبت لليمنيين والعالم أن الحاصل هو أن اليمن تراجَعَ إلى الوراء.. وأمثلُهم طريقةً يقول ألا تقدُّم ولا تراجُع؛ فقط تغيير أسماء، بينما الجمعة الجمعة، والخطبة الخطبة، أو كما يقال: "ديمة خلفنا بابها"..

منطق الزمان لا يخضع للأماني.. ومعلوم لكل ذي عقل سليم أن الأخذ بالأسباب هو الطريق الموصل لجعل القراءات والتنبؤات أمراً واقعاً أو وهماً خادعاً، سرعان ما فقد بريقه واتضح زيفه.. والثابت هو أن اليمنيين أخذوا بأسباب التغيير الذي لم تستطع أن تقف في وجهه كل إمكانيات الجاه والنفوذ والمال والشوكة والكثرة والتضليل والترهيب والترغيب والدسيسة والتطنيش والمماطلة.. ولقد بذلوا لهذا التغيير أغلى ما يمكن بذله من قرابين، وهي الأرواح، وتفننوا في التعبير عن أشواقهم للواقع المختلف الذي ينشدونه.. وتماسكوا فيما بينهم حتى أصبح التغيير واقعاً يعيشونه ويباركه الجميع من حولهم..

قد نختلف حول تقدير كل منا لحجم هذا التغيير.. قد نتفاوت في درجة السرعة التي ينبغي أن تسير عليها وتيرته.. قد يتألم بعضنا لوجود هذا الاسم أو ذاك، في هذا الموقع أو ذاك.. لكن الحاصل الأكيد هو أن يمناً جديداً يتبلور على أسس جديدة.. يمن يتأكد فيه كل من وقف ضده، من ابنائه، أنه كان يقف، دون أن يدري، ضد كرامته وكينونته.. هذا لأن الخير الموعود لا يختار قوماً ويذر آخرين، بل سيعم الجميع بإذن الله، وينعم الجميع بظلاله، ويحرص الجميع على حمايته ودوامه.

ما أريد الوصول إليه هو أنني، بوازع من إيماني بأن المولى عز وجل لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وبوازع من إلمامي بمؤشرات الوضع القائم وبوصلة اتجاهه، أكاد أجزم أن سنواتٍ فقط هي المسافة المتبقية لكي يرى العالم بوضوح يمناً ترتفع فيه معدلات التنمية وتختفي فيه بوادر الإقلاق وتتحسن فيه معيشة المواطنين باطراد، وتستعيد فيه الدولة هيبتها وتتمكن من القيام بوظائفها في خدمة الشعب بشكل ملموس، وتتفجر فيه الطاقات والمواهب والثروات، وتتوفر فرص لامتناهية للعمل، وتكاد النعرات القميئة بكافة أشكالها تموت من شدة الهزال.. وعلى عاتق ذلك تستعيد الهوية الوطنية ملامحها الصافية الأصيلة.. ومجموع ذلك كله يتلخص في عبارة "الحياة الممكنة الكريمة".

أقول ذلك شبه جازم به، ليس من باب بث التفاؤل وزراعة الأمل، بل أيضاً من باب القراءة العادلة لمستحقات الأداء اليمني العام منذ مطلع فبراير 2011 وحتى اليوم.

بعد كل ما حصل، لا ينبغي أن ينقصنا الإيمان بعدالة ما وهبنا أرواحنا من أجله وبحتمية الفجر المنبجس عن هذا الصمود.. وها هي ذي عصافير هذا الفجر تطلب منا كف مخاوفنا عن إحداث الضجيج كي نتمكن من الإصغاء لألحانها الآسرة.. كما أن أشعة هذا الفجر بدأت تصافح رؤوس النخيل وقمم الجبال.. ومن اللازم ألا ننسى أنه عادةً ما يسهر طائرُ "البُوم" إلى ما بعد مجيء الصبح، إلى أن يستحوذ النهار على كل التفاصيل، فيتقهقر "البوم" أمام جيوش الضوء البهي..

طلائع كل مجتمع هي تلك التي تتنبّه قبل غيرها، لوجود العصافير، وتحتفي قبل غيرها، بأشعة الصبح.. وعِلل كل مجتمع هم أولئك الذين لم تزل قلوبهم في قبضة الليل وأبصارهم تلقاء ذلك "البوم"، مستدلين بوجوده على بقاء الليل.. وجميل أن نكون "طلائع المجتمع" لكن الأجمل بالتأكيد، هو أن نكون "مجتمع الطلائع".

زر الذهاب إلى الأعلى