ماذا يمكن للكلمات أن تقول؟..وهل اللغة قادرةٌ أن تنفطر حزنا وكمدا كما هي قلوبنا وعيوننا؟.. ماذا يفعل اليمنيون بأنفسهم؟..ولماذا؟ وأي شيطان تلبّس أرواحهم كي يفعلوا ما يفعلون. كيف لعيوننا أن تنسى ما رأت؟ وكيف يحلو لها العيش بعد أن رأت؟!
تقوم الدنيا ولا تقعد من أجل أن يغادر"أحدهم" أو لا يغادر قيادة معسكر أو كتيبة، وتتقاطر الوساطات على البلاد عربيةً ودوليةً!.. وعندما يسقط الجنود بالمئات بين شهيد وجريح إثر عملية غامضة خائنةٍ مشينة في ميدان السبعين، وقبل ذلك في أبين..لا أحد يقدَّم للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى..ولا أحد من جهابذة الجيش والأمن والمسؤولين ومن عباقرة الكيد السياسي وسماسرة الفَيْد الرئاسي يقدِّم استقالته على الأقل خجلا من أمهات الشهداء، وحياءً من البزّات اللامعة التي يلبسونها، والنياشين الكاذبة التي يتقلدونها.
كنا نريد أن يسمع الشعب الصابر من رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة قَسَما وعهدا بالقصاص والانتقام لأبنائه الجنود.. لشهدائنا وجنود قرانا الفقيرة البائسة..
كنا نريد أن نرى أبطالا حقيقيين يهرعون إلى ميدان السبعين، ويمرّغون أيديهم ووجوههم بالدماء الزكية والأشلاء المتناثرة الشهيدة، ويقسمون أمام الله الكبير الجبار وعلى مرأى من أبناء وطنهم بإنزال العقاب العادل على الجناة كبارا وصغار، مخططين ومنفذين، عاجلا غير آجل.
كنا نريد أن نرى لجنة نوعيّة وشجاعة يتم تشكيلها للتحقق والتحقيق، و تعطى لها سلطات وصلاحيات لم تعطَ للجنةٍ قبلها، كي تصل إلى الجناة كبارا وصغارا.. لا كما ماتت لجنة أبين بالسكتة القلبية.
كنا نريد أن نعرف أسماء متهمين، أو حتى اسم متهم واحد.. رغم أن الحادث أقرب إلى تفجير عبوة لا تقدر عليها إلا دولة، أوعصابة في دولة على أقل تقدير!
إلى متى يظل اليمنيون غائبين مغيبين..بينما الدولة غير قادرة حتى على معاقبة مخرب واحد من مخربي أبراج الكهرباء، أو قاطع طريق بين صنعاء وتعز والحديدة.. ولا أقول الجوف ومأرب! نريد أن نرى ولو لمرة واحدة قاطع طريق أو مخربا لأبراج الكهرباء مشنوقا على أسوار صنعاء.. هل هذا كثير على الشعب اليمني؟!
إذا كان ذلك كثيرا، فأين ذهبت الأسلحة الفتاكة، وأحدث دبابات العالم؟ ولمن يتم ادّخارها إذن؟ ألِضَرب الشعب والفتك به؟ أم لضرب الخصوم والمعارضين؟ وإذا لم تقم القوات المسلحة بواجبها دفاعا عن جنودها وفلذات أكبادها..فكيف نتوقع منها أن تدافع عن وطن أو مواطن!
ما حدث في ميدان السبعين هو أبشع مذبحة في تاريخ اليمن..وإذا لم يتم اكتشاف الجناة تخطيطا وتنفيذا ومعاقبتهم فلا معنى لأية سلطة أو مبادرة أو حوار.
لا معنى لائتلاف أو اختلاف.. لا معنى لحكومةٍ مشتركةٍ تبدو مثل شرَك.. أو لحوار يبدو مثل حوار الطرشان..
لا معنى للبقاء في سلطة أو منصب إذا كان ذلك مجرد شكلٍ دون مضمون..صمتٍ دون إشارة ولو بالسّبّابة!
لا معنى لأيّة قيمة، إذا كان الإنسان -وهو الأعلى والأغلى قيمة في الكون- هيّنا لا قيمة له في دولته، ولا كرامة له في وطنه.
كانت الأعناق تشرئبّ تيها في ميدان السبعين لخمسين عاما مضت..والآن وقد أصبح الميدان جرحا في روح كل يمني.. يا ترى كم سنة نحتاج كي تشرئب أعناقنا مرة أخرى تيها بوطن، واعتزازا بقيادة، وفخرا بانتصار.. كم أعمارا نحتاج لجراحنا كي تندمل، ولعيوننا كي تنسى!
قولوا لنا من فضلكم كم هو القربان النهائي من الضحايا الفقراء كي يرحل فلانٌ أو يبقى علان؟!