[esi views ttl="1"]
دراسات وبحوث

الحوار الوطني.. الأسس والمبادئ والمحددات (دراسة)

تختص هذه الورقة بمناقشة أسس ومبادئ وقواعد ومحددات الحوار الوطني بين الأطراف اليمنية المنخرطة في الحوار الوطني الذي يستهدف العبور إلى بناء اليمن الجديد الذي يحقق العدالة والإنصاف لكل اليمنيين ، في ظل دولة يمنية حديثة مدنية وديمقراطية ولا مركزية. وستكون خطة الورقة على النحو الآتي، أولاً، مقدمة عن أهمية الحوار الوطني. ثم محددات نجاح مؤتمر الحوار الوطني. وثالثاً، أسس ومبادئ الحوار الوطني.

أولاً : المقدمة :
إن الحوار قيمة أخلاقية وسياسية عظيمة كما أنه منهج رشيد في إدارة التباينات والتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وبالحوار بين فرقاء ومكونات العمل السياسي في أي مجتمع تترسخ قيم التسامح والتعاون والتكامل بين هذه الأطراف المختلفة العاملة في ساحة العمل الوطني ، كما تتجسد بالحوار الفاعل قيم الحرية والديمقراطية والقبول بالآخر، وبالحوار الجاد والفاعل يغدو مجتمعنا أكثر أمناً واستقراراً وأكثر بعداً عن بواعث التشظي والتمزق وبواعث العنف والتطرف ، ومن ثم يتهيء لبلادنا فرصاً أكبر وآفاقاً أوسع لبناء اليمن الجديد يمن الحرية والديمقراطية والمساوة والمواطنة والدولة الحديثة التي تضمن الحقوق والحريات والسلام والعدالة الاجتماعية والنهوض الاقتصادي .

ليس من مضامين الحوار الجاد المفاهيم الضيقة أو الدوافع الانتهازية أو المطالب الفئوية أو الجهوية المحدودة أو العصبوية المقيتة . إن الحوار الوطني المثمر يتحقق بالبعد عن المعارك الكلامية والمناوشات الفكرية واستدعاء التاريخ أو الحمولات الفكرية ، فلم يعد اليمنيون يتحملون اليوم مزيداً من وضع المتاريس الفكرية أو التاريخية بين قوى التغيير السلمية المناهضة للاستبداد والديكتاتورية فلم يعد مهماً السجالات حول المصطلحات والتعبيرات وإنما المهم هو جوهر ومضمون ودلالات هذه التعبيرات على حياة الناس وأحوالهم ، دون أن يؤدي ذلك إلى تحميل المجتمع أعباء وتكاليف جديدة .

ليس متوقعاً من الحوار أن يكون مجرد عمر ترفي فكري عقيم لا ينتج إلا مزيداً من التناقض والتباعد لا التعاون والتفاعل ولا أن يكون الحوار مجرد عمل ترفي سياسي ينتج عنه انتزاع شرعية لسياسة خاطئة أو موقف له كلفة وأعباء كبيرة، أو يولد اصطفائية سياسية أو اصطفائية دينية أو اصطفائية اجتماعية جديدة تعبد الدولة والمجتمع إلى حالة الاستبداد والظلم من جديد.

إن جدية الحوار وفاعليته وثمرته الايجابية تتحقق باتكائه على قوة الحجة والبرهان والرغبة الصادقة من كل أطراف العمل السياسي والمكونات الاجتماعية بالاتجاه نحو تحقيق أهداف ثورة التغيير السلمية المتمثلة في بناء يمن جديد –دولة مدنية حديثة- تحقق العدل والسلام والحرية والرخاء لكافة المواطنين في كل المناطق والمحافظات والمديريات ، دولة تتأسس وفقاً لنظام سياسي عادل وجديد.

إن من خصوصيات الحالة اليمنية، فيما يتعلق بالحوار كقيمة ومنهج رشيد لإدارة التناقضات هي أن القوى السياسية اليمنية تمتلك مخزوناً حوارياً كبيراً وتجربة رائدة في أساليب ومناهج الحوار وقضايا الحوار ، فقد انخرطت هذه القوى في حوارات جادة في العقود الماضية وخاصة منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى الآن، وقد تركزت هذه الحوارات في كافة القضايا ذات العلاقة الأساسية ببناء الدولة اليمنية الجديدة –الدولة المدنية الديمقراطية- .

لم يكن طريق التجربة الحوارية مفروشاً بالورود وإنما اعترضها عوائق وعقبات سياسية كانت مجرد انعكاسات مباشرة لركام الاستبداد والظلم والعقلية الشمولية التي كان لتداعياتها وآثارها السلبية أن وصل الحال إلى أن يقوم اليمنيون بثورتهم السلمية التي يأتي في مقدمة أهدافها بناء اليمن الجديد.

لقد أفضى المسار السياسي في اليمن إلى توقيع أحزاب اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام إلى توقيع المبادرة الخليجية و آليتها التنفيذية المدعومة بالقرار الأممي 2014، وقد استهدف هذا الاتفاق تحقيق تطلعات الشعب اليمني في بناء اليمن الجديد، بدءاً بالانتقال السلمي للسلطة إلى سلطة انتقالية ، مؤقتة تدير عملية الانتقال من خلال المرور بمرحلتين انتقاليتين.

الفترة الانتقالية الأولى التي تنتهي عند نقل السلطة والانتخابات المبكرة لانتخاب الرئيس التوافقي "عبدربه منصور هادي" في 21 فبراير ، وقد انتهت هذه الفترة بخروج الشعب اليمني يوم 21 فبراير بصورة منقطعة النظير لاختيار التغيير بانتخاب الرئيس هادي .

الفترة الانتقالية الثانية التي تبدأ من استكمال نقل السلطة بتوحيد الجيش والأمن تحت قيادة واحدة والولوج في حوار وطني جامع وشامل لكل القوى والمكونات والجماعات السياسية المختلفة والمرأة.

لقد حددت الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية أطراف الحوار الوطني شاملة بذلك كل مكونات وفرقاء العمل السياسي والثوري والإجتماعي والمرأة ومنظمات المجتمع المدني مثل :

• الأحزاب والقوى السياسية العاملة في الساحة اليمنية .
• الشباب والفعاليات السياسية والاجتماعية.
• الحراك الجنوبي .
• جماعة الحوثيين وبقية مكونات قضية صعدة.
• المرأة ضمن جميع الأطراف المشاركة.
• ممثلون عن منظمات المجتمع المدني.
ومن جانب آخر ، فقد حددت الآلية التنفيذية قضايا الحوار الوطني مثل (مادة 21)
• الإصلاح الدستوري ومعالجة هيكل الدولة والنظام السياسي والنظام الانتخابي.
• حل وطني عادل للقضية الجنوبية ، وبما يحفظ وحدة اليمن واستقراره وأمنه.
• النظر في القضايا المختلفة ومنها أسباب التوتر في صعدة.
• اتخاذ خطوات للمضي في بناء نظام ديمقراطي كامل ومنها اصلاح الخدمة المدنية والقضاء والإدارة المحلية.
• اتخاذ خطوات باتجاه تحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية والتدابير اللازمة لضمان عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني مستقبلاً .
• تحديد أولويات برامج التعمير والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة .

ثانياً : محددات نجاح الحوار الوطني:
لا ريب أن المرحلة الثانية من الفترة الانتقالية هي مرحلة فارقة وفاصلة في تحديد مسار ومستقبل اليمن الجديد. وأن العبور إلى الدولة اليمنية الحديثة الديمقراطية والمدنية يتطلب استشعار أهمية وطبيعة المرحلة ، وهو ما يشكل حافزاً للولوج في حوار وطني ناجع ومثمر، فالحوار الوطني الواسع لكل اليمنيين هو الكفيل بتحقيق العدل والانصاف للجمعي في ظل اليمن الجديد، وهو ما يتطلب التخلي عن المشاريع الخاصة التفكيكية والانخراط في مسار الحوار الوطني الواسع ، إن أجندة وقضايا الحوار في المرحلة الثانية من الفترة الانتقالية ليست سهلة وإن الولوج إلى الحوار الوطني الواسع تكون فرص نجاحه أوفر وأضمن إذا تم تهيئة شروط ومحددات نجاحه وأهمها:
1) استكمال نقل السلطة ومن ذلك توحيد الجيش والأمن تحت قيادة واحدة (وزارة الدفاع ووزارة الداخلية) فالرئيس وكذلك هيكلة الجيش على أسس وطنية ومهنية وضمان تبعيته للسلطة الشرعية وتعيين من تتوفر فيهم شروط الكفاءة والنزاهة والمهنية والمعايير العسكرية المعروفة عالمياً وخدمة الوطن والولاء له بعد الله.
2) ومن متطلبات التهيئة وضمان نجاح الحوار الوطني التي أكدت عليها الآلية(مادة16)، ضمن مهام المرحلة الأولى، إنهاء جميع النزاعات المسلحة وعودة القوات المسلحة إلى معسكراتها وإنهاء المظاهر المسلحة في العاصمة وغيرها من المدن وإخلاء العاصمة وباقي المدن من المجموعات المسلحة غير النظامية، وكذلك إزالة حواجز الطرق ونقاط التفتيش والتحصينات المستحدثة في كافة المحافظات.
وأكدت الآلية على اتخاذ أي اجراءات من شأنها أن تمنع حدوث مواجهات مسلحة في اليمن .
3) إطلاق السجناء والمعتقلين والمختطفين على ذمة ثورة التغيير السلمية في كل المحافظات والمديريات وغيرها والرعاية الكاملة لجرحى وأسر شهداء ثورة التغيير ووقف الاعتداءات على المناطق والمديريات والقرى التي ساندت ثورة الشباب السلمية.
4) استعادة هيبة الدولة بتمكين حكومة الوفاق الوطني ورئيس الجمهورية من ممارسة صلاحياتهم الدستورية والتصدي الحازم لظاهرة التقطعات في الطرق العامة وبين المحافظات وأعمال التخريب لخطوط الكهرباء وأنابيب النفط والغاز وتعزيز إجراءات مكافحة الفساد، وعلى وجه الخصوص اجراء تغيرات في قيادات المؤسسات المتورطين في قضايا فساد واستعادة الاستقرار الاقتصادي وتأمين الخدمات الأساسية للمواطنين.
5) تبني استراتيجية اعلامية رسمية مؤيدة ومواتية ومشجعة لمسيرة الحوار الوطني والوفاق الوطني قائم على الاعتدال والوسطية والتخلي عن السياسات الاعلامية التي تؤدي إلى التوتر وتأجيج الخلافات .
6) ضمان انخراط كل القوى والمكونات المختلفة في مسار الحوار الوطني.

ثالثاً : أسس وقواعد ومبادئ الحوار الوطني
إذا كان توحيد الجيش والأمن واستكمال نقل السلطة يمثل أبرز محددات التهيئة للحوار الوطني ، باعتبار ذلك ضرورياً لاستمرار التسوية السياسية في اليمن ، وأن التلكؤ في توحيد الجيش والأمن وإزالة الانقسام من شأنه أن يهدد بانهيار مسار العملية السياسية والعودة بالأوضاع إلى ما لا يحمد عقباه ، فإن نجاعة الحوار وعدالته وتحقيق الانصاف للجميع لا بد أن يتكئ على جملة من الأسس والقواعد الضرورية الضامنة للعبور إلى اليمن الجديد.

1) قاعدة المخزون الحواري الفكري والسياسي: يتوفر لليمنيين مخزون كبير من التجارب الحوارية ينبغي تعظيم الاستفادة منه لأنه تم من خلال حوارات جادة رسخت ثقافة الحوار والالتقاء والتعاون والقبول بالآخر والتوافق حول كثير من قضايا بناء الدولة اليمنية. إن من أبرز هذه التجارب تجربة اللقاء المشترك وبرنامجه الوطني ثم مشروع رؤية الاقتصاد الوطني وكذلك الأهداف العامة للحراك الجنوبي السلمي والتفاهمات التي تمت بين الحوثيين وبقية أطراف قضية صعدة من جهة وبين القوى السياسية الأخرى من جهة أخرى.
هذه تمثل عناصر أساسية في تحديد القضايا المشتركة التي يتم البناء عليها وتطويرها بما يخدم المصلحة العليا للشعب اليمني ويلبي تطلعات ثورة الشباب السلمية في يمن جديد يمن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية في ظل دولة يمنية حديثة ومدنية ولا مركزية تحقق النهوض الاقتصادي وترتقي بالإنسان اليمني، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وتحقيق الانصاف والعدالة لكل مكونات وشرائح المجتمع اليمني بعيداً عن المصالح الضيقة الفئوية أو العصبية أو الجهوية أو الحزبية الضيقة.
• ومن جانب آخر ، فإن الرصيد الحواري الذي جاء ثمرة لثورة التغيير السلمية وأحد مساراتها السلمية وانتهى إلى تسوية سياسية قائمة على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومدعومة بقرار أممي (2014) تشكل أساساً في مسار الحوار الوطني بما تضمنته من مهام وقضايا وإجراءات تنظم سير الفترة الانتقالية بمرحلتها الأولى والثانية وصولاً إلى تحقيق تطلعات الشعب اليمني في التغيير والعبور إلى اليمن الجديد.

2) البناء على ما تراكم من مخزون دستوري وقانوني تم التوصل إليه عبر حوارات جادة في العقود الماضية وخاصة في ثوابت الوطن ومدنية الدولة وديمقراطيتها والحقوق الأساسية للمواطنين السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقضايا الحريات العامة والخاصة التي حولها نظام الاستبداد إلى مجرد نصوص زينة أفقدها مضمونها العملي والجوهري .
إن النصوص الواردة في البابين الأول والثاني من الدستور تجسد تلك المعاني والثوابت والحقوق الأساسية ومن أبرزها هذه الثوابت.
الشريعة الإسلامية والنظام الجمهوري والوحدة الوطنية والنظام السياسي التعددي والتداول السلمي للسلطة والعدالة الاجتماعية. وقد أكدت أيضاً النصوص (24) إلى (31) على الأسس الاجتماعية والثقافية بما فيها التأكيد على مبدأ تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وكذلك قيام المجتمع اليمني على أساس التضامن الاجتماعي القائم على العدل والحرية والمساواة والعمل والخدمة العامة وحرية البحث العلمي.
وتضمنت المواد الدستورية (41) إلى (61) على ما يؤكد على المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وحق الاسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحرية الفكر والتعبير وحق الانتخاب والترشيح وحق الجنسية وحق كفالة الحريات الشخصية وتجريم التعذيب ، والمعاملة غير الانسانية واحترام دور العبادة ودور العلم وحرمة مراقبتها أو تفتيشها ، كما أكدت على حق المواطنين جميعاً في التعليم والرعاية الصحية تكفلها الدولة وحق الضمان الاجتماعي وحرية التنقل وحق كل مواطن في تنظيم نفسه سياسياً ومهنياً وثقافياً ، وأكدت النصوص على واجب كل مواطن في الحفاظ على الوحدة الوطنية.

3) حضارية الحوار وسلميته:
• إن مفهوم ومضمون الحوار هو تقليب الآراء والأطروحات المختلفة على أساس من الاحترام المتبادل والقبول بالآخر وحرية التعبير عن الآراء والمقترحات بغية التوصل إلى القواسم المشتركة. لذلك ، فإنه حوار ومباراة سلمية بحتة ، فالحوار السلمي يتناقض كلية مع أساليب العنف وحمل السلاح لفرض المواقف والآراء بالقوة.
• ولذلك ، فإن حضارية الحوار تعني تمسك كل فرقاء الحوار بالسلمية ونبذ العنف والتخلي عن السلاح ، فليس حواراً من يتحاور بيد ويحمل السلاح باليد الأخرى أو يهدد به أو يتوعد بإثارة الفتن والفوضى والإضطرابات.
فالحوار الحضاري يوفر بيئة يمارس فيها كل طرف في الحوار دورة بكل حرية وفي ظل حقوق متكافئة ومتساوية وخطاب موضوعي ذات أفق جامع يقرب ولا يباعد، يوحد ولا يمزق، من شأنه أن يرسخ الثقة بين أطراق الحوار ويقلص فجوة التباين والاختلاف ويزيح جذور الشكوك والتوجس والريبة أو القلق ويحفظ لليمن واليمنيين جميعهم وحدتهم وأمنهم واستقرارهم في ظل دولة لا مركزية يتفق المتحاورون على شكلها وركائزها.
• إن من شأن الحوار الحضاري هو أن يضع الأسس التي تجنب اليمنيين حاضراً ومستقبلاً الصراعات العصبية والمناطقية والعنصرية والمذهبية ، ويرسخ أيضاً أسس التعايش والقبول بالآخر والتسامح، لا أن يضع ألغاماً وأفخاخاً تهدد الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والنهوض الاقتصادي والاستقرار السياسي والأمني.
• إن من متطلبات الحوار الحضاري هو أن تكون لأطراف الحوار برامج سياسية معلنة، سواء كانت هذه الأطراف أحزاباً أو جماعات أو مكونات تجسيداً لبناء مجتمع مدني سياسي في ظل دولة مدنية وديمقراطية ينشدها المجتمع وتمثل الغاية النهائية من الحوار الوطني، وأن تؤكد بوضوح تخليها عن العنف واستخدام السلاح.

4- لا اصطفائية في الحوار الوطني:
إذا كان اليمن الجديد الذي يجسد تطلعات الشعب اليمني هو ذاك الذي يقوم على مبدأ الشراكة الوطنية ، وكما تجسدت هذه الشراكة عملياً في ثورة التغيير السلمية، فإنها أدعى للتمسك بها في عملية الحوار الوطني الذي يرووم بناء دولة الشراكة الوطنية ، ولا يستقيم مسار الحوار الوطني إلا بالتخلي عن فكرة الاصطفائية سواءً كانت اصطفائية سياسية أو اصطفائية اجتماعية أو اصطفائية دينية ، إن ثلاثية الاصطفائية لا تولد حواراً متكافئاً وإنما حوار اذعان، كما أنها لا تولد حقوق ومصالح مشتركة وإنما تفرض حقوق أو مصالح خاصة عصبوية أو فئوية أو جهوية أو عنصرية من شأنها أن تهدم الشأن العام والمصلحة العامة للمجتمع والشعب وهي في النهاية لا تسوق إلى حوار ناجع ومثمر وإنما إلى حوار فاشل يؤجج الصراعات ويخرب العلاقات ويقلل من مساحة القواسم المشتركة المتفق عليها لحساب المختلف عليه.

إن من شأن الاصطفائية السياسية أن تسوق الحوار إلى حوار اذعان ، حواراً مستبداً ، كما أن من شأن الاصطفائية الاجتماعية أن تكرس ثقافة العصبويات الاجتماعية والقبلية التي تشتت النسيج الاجتماعي وتمزقه.

وليست الاصطفائية الدينية أقل شأناً فهي تسوق الحوار إلى مسارات التمزق المذهبي لا التعايش ، وإلى الاستعلاء لا التواضع ، وإلى الأدعاء بالحق الالهي لا كرامة الإنسان بالتقوى والعمل الصالح.

إن قيام الحوار الوطني على أساس لا اصطفائي هو الذي يضمن حواراً يحقق مصلحة الشعب لا مصلحة خاصة بجماعة سياسية معينة كانت أو دينية أو اجتماعية، فالحوار الحضاري المثمر لا يقوم على الإدعاء بالحق أو الامتياز الخاص أو المظلومية الخاصة دون سائر المظلوميات.

ومع تقديرنا للمظلوميات الخاصة ، لكن في اطار الحوار الذي يروم الانتصار لمظلومية الشعب اليمني بالعبور إلى دولة الشراكة الوطنية الجديدة، وانصاف المظلومين.
• إن ما يضمن حواراً جاداً بعيداً عن الاصطفائية هو اتكائه على الندية الإيجابية في الحوار واحترام التوافق في تحديد مآلات القضايا التي يتم التحاور فيها ، و الحرص أن يكون التوافق طريقاً لحصد النتائج المنصفة للجميع لا عقبة في تحصيلها ولا غاية في حد ذاته .

إن التوافق لا يعني تمسك كل طرف بموقفه إلى الحد الذي يوصل الحوار إلى نفق مسدود أو طريق شائك يبقى على الوضع السياسي الحالي على حاله دون تغيير وهو الأمر الذي يهدد بانهيار الحوار الوطني والعملية السياسية التي ينتظرها شعبنا اليمني .

إن التوافق يقتضي تنازل الأطراف إلى فضاء مشترك واسع يحقق المصلحة العامة للشعب اليمني وإلى تحديد القضايا المختلف عليها، وإدراجها في جدول حوار مستمر دون أن يعوق ذلك مسارات وقضايا الحوار الأخرى المتفق عليها، ليس من مقاصد التوافق الايجابي أن يتكئ على التعصب أو الجمود أو الانغلاق أو إفراغ الحوار الوطني من مساره الصحيح إلى طريق مملوء بالأشواك والألغام والقضايا العصبوية الجزئية التي لا تتوخى المصلحة العامة الكبرى للشعب اليمني.

5- مصداقية الحوار الوطني:
تحقيق مصداقية الحوار الوطني مسئولية مشتركة بين قوى وأطراف الحوار الوطني، ولعل من مؤشرات المصداقية ما يلي:
- توخي الجدية من الجميع لإنجاح الحوار الوطني والتخلي عن اختلاق المعوقات أو طرح الشروط المعيقة لمسار عملية التسوية السياسية.
- الاتفاق على جدول زمني لمراحل ومسارات الحوار يلتزم الجميع فيه حرصاً على الإنجاز في الوقت المحدد.
- التوافق على آلية منصفة ومقبولة في تشكيل ممثلي الأطراف السياسية في عملية الحوار في اللجنة التحضيرية للحوار الوطني وتحديد قوامها.
- الحرص على مشاركة جميع الأطراف في الحوار الوطني.
- احترام نتائج الحوار والالتزام به.
- تقسيم عمليات الحوار إلى مسارات متعددة حسب القضايا الداخلية في الحوار وتشكيل اللجان الحوارية الخاصة بكل قضية واسناد القضايا التي تحتاج إلى المتخصصين.
- من الأفضل أن يقدم كل طرف في الحوار رؤيته للقضايا مكتوبة ، ليسهل مناقشتها وتداولها.
- تقديم القضايا التي تحضى بالاتفاق المشترك وإحالة قضايا الخلاف إلى لجان خاصة كي تحدد مسارات وآلية تناولها والتوصل إلى تفاهمات مشتركة حولها، أو طرح قضايا الخلاف على رئيس الجمهورية للمساعدة في إيجاد مخارج لها.
- الفصل بين القضايا التي تم الاتفاق عليها والقضايا التي لم يتم بعد الاتفاق حولها حتى لا يتعطل مسار الحوار الوطني.
- أن تستحضر أطراف الحوار دائماً تطلعات الشعب اليمني وأهداف ثورة التغيير السلمية في بناء يمن جديد.
- أن لا يدعي أي طرف من أطراف الحوار حق تمثيل منطقة معينة أو حق معين مقصياً بذلك المكونات الأخرى في هذه الجهة أو تلك.
- أن تعكس من مداولات المؤتمر روح الثقة والتفاؤل بالمستقبل المزدهر لليمن وأن يكرس هذا المؤتمر روح المصالحة الوطنية لينتهي عند تدشين مبدأ المصالحة الوطنية وفقاً لمفهوم العدالة الانتقالية .
- أن ينتهي المؤتمر إلى تشكيل لجنة صياغة مشروع الدستور الجديد وفقاً لنتائج مؤتمر الحوار ووفقاً للمادة (22)من الآلية، فإن حكومة الوفاق تنشئ تلك اللجنة ، وعلى أية حال ، فإن انشاء اللجنة سيتم بتعاون بين مؤتمر الحوار وحكومة الوفاق، وستكون مهمة اللجنة هي الصياغة الدستورية للنتائج التي تم التوافق عليها وتحتاج إلى اصلاح دستوري ، ومن ثم فإن مهمة مجلس النواب فقط هي احالة التعديلات الدستورية على الاستفتاء.
- إن من متطلبات إنجاح المؤتمر وفاء دول مجلس التعاون والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ومن خلال الأمانة للأمم المتحدة بتعهداتهما وبتنسيق المساعدات الاقتصادية اللازمة لانجاح مهام الفترة الانتقالية.

6- شفافية الحوار الوطني:
شفافية الحوار الوطني حق عام للشعب ولجميع اطراف الحوار الوطني وهذا يتطلب ما يلي:
• اعلان اللجنة التحضيرية للحوار الوطني بأسس وقواعد ومبادئ ومحددات انجاح مؤتمر الحوار الوطني وآليات التمثيل وقوام المؤتمر الوطني وشمولية التمثيل ليضمن أطراف الحوار ومشاركة المرأة والعلماء الأكاديميين والقطاع الخاص والنقابات والمنظمات المدنية. ويشمل هذا الإعلان اختصاص ومهام اللجنة التحضيرية للحوار الوطني.
• إعلان اللجنة التحضيرية بقضايا الحوار الوطني وجداولها الزمنية حسب الأهمية النسبية للقضايا .
• علنية تحديد آلية ومسارات الحوار الوطني عبر اللجان المختصة والمؤتمرات العامة في المحافظات وصولاً إلى المؤتمر العام.
• إعلان جميع الأطراف مشاركتها في الحوار دون شروط مسبقة .
• إعلان كل طرف أو مجموعة أطراف رؤيتهم في قضايا الحوار ورؤيتهم لحلها.
• يفتتح مؤتمر الحوار الوطني الأخ / رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الوفاق الوطني وعلى الدول الراعية للمبادرة والآلية والقرار الأممي الوفاء بدعم وإنجاح مؤتمر الحوار الوطني من خلال الإيفاء بتعهداتهم الاقتصادية والمالية لتسريع قطار التنمية في اليمن وتسهيل المعضلات التي تواجه اليمنيون في التوصل إلى حلول لقضايا الحوار.
• علنية جلسات المؤتمر وعلنية المداولات والحوارات والنقاشات عبر كل وسائل الإعلام المختلفة.
• الإعلان أولاً بأول عن القضايا التي تم التوافق عليها وتنشر تباعاً .
• الالتزام بالمواعيد المحددة للانتهاء من قضايا الحوار الوطني وبالنسبة للقضايا التي يتأخر التوافق عليها وتتجاوز وقتها المحدد يمكن النظر إليها لاحقاً دون أن يعني ذلك توقف الحوار في القضايا الأخرى فشفافية الحوار لا تعني أن يتحول المؤتمر إلى غاية بحد ذاته وإنما هو اسلوب ومنهج للتوصل إلى توافقات لحل القضايا الوطنية في أوقاتها المحددة.
• يشكل المؤتمر لجنة اعلامية وناطقاً رسمياً له ولجنة متابعة للقرارات والنتائج.

*ورقة عمل مقدمة إلى الندوة نظمها مركز الوحدة للدراسات الاستراتيجية في الفترة 19 - 20 / مايو 2012

زر الذهاب إلى الأعلى