[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

عن قرار مجلس الأمن حول اليمن

إن من المؤسف ان المجتمع الدولي مكترث بنا أكثر من اكتراثنا نحن بأنفسنا، والمؤسف أن الغالبيية العظمى من قيادات العمل في التسوية السياسية غير مطلعة على تفاصيل قرار مجلس الأمن والمبادرة الخليجية والآلية التنفيذية المزمنة لها، مما يؤدي إلى قصور في فهم واستيعاب أبعاد واسس هذه التسوية.

إن قرار مجلس الأمن الدولي رقم2014 يمثل توجّهاً جديداً في قواعد القانون الدولي المتعلقة بسيادة الدول، يفرض مبدأ جديداً يضع قيوداً على شرعية حكومة دولة عضو، عندما تشكل انتهاكاتها لحقوق الانسان تهديداً للأمن والسلم الدوليين، حيث تضمن القرار أمراً لرئيس بلدٍ معترف به دولياً ان يستقيل من منصبه، وفضلاً عن ذلك، فرض خارطة طريق للفترة الانتقالية في اليمن .

والأهم من ذلك ان على اليمنيين ان يعترفوا ان قرار مجلس الأمن الدولي والمبادرة الخليجية والآلية التنفيذية لها يشكلون سابقة جديدة في القانون الدولي، حيث تم، من خلال ذلك، إعلاناً دستوري ينظم، وبالتفصيل، مستلزمات الفترة الانتقالية في اليمن لتأسيس نظام ديمقراطي جديد، في دولة عضو، يقوم على مبادئ دولية تقرها عهود واتفاقيات دولية، وتحديداً الاعلان العالمي لحقوق الانسان والقانون الدولي الانساني والقانون الجنائي الدولي. بل ان الآلية التنفيذية نصت صراحةً انها تحل محل الدستور والقوانين فيما يتعلق بتنفيذها خلال مرحلتي فترة العامين الانتقالية التي تنتهي بالانتخابات البرلمانية والرئاسية في 25فبراير 2014 وهي الفترة التي ستظل اليمن خلالها تحت إشراف مجلس الأمن الدولي.

واعتقد شخصياً ان هذا الاشراف سيمتد إلى مابعد ذلك التاريخ إلى ان يستقر الوضع في اليمن وينتهي تهديد السلم والأمن الدوليين.

هذا الوضع يؤسس لما يمكنني ان اطلق عليه "نظام الوصاية الجديدة" داخل منظوم الامم المتحدة بحيث يستخدم هذا النظام لاحتواء الدول الاعضاء الفاشلة وتلك التي تنذر بالفشل. وقد تدخلت منظومة الامم المتحد ، والمقصود مجلس الأمن ومعها مفوضية الامم المتحدة لحقوق الانسان والمحكمة الجنائية الدولية، في دعم ثورة الربيع العربي، في ليبيا واليمن وسوريا، وإن كانت بأشكال مختلفة، تؤيد هذا الرأي.

وعلينا مراجعة كيف تدخل مجلس الأمن الدولي في الثورات الثلاث، رغم أنها قامت كلها في فبراير 2011.

في اليمن اوكل المجتمع الدولي "التدخل" إلى الجوار الاقليمي، ومن هنا ارتكز الحل على مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وأيدت الجامعة العربية هذا المعالجة. وجاء تدخل مجلس الأمن الدولي عندما دفع مجلس التعاون الخليجي بالملف عندما أمعن صالح في رفض التوقيع على المبادرة الخليجية، بعد ان وقعت كافة الأطراف عليها. وتدرج الدخل الدولي من خلال بيانات للامين العام للأمم المتحدة ثم بيان باسم رئيس مجلس الأمن اعقبه بيان من المجلس مجتمعاً وترافق ذلك بتقرير مفوضية الامم المتحدة لحقوق الانسان. ولم يقبل علي عبدالله صالح على المبادرة والآلية في الرياض الا بعد صدور مجلس الأمن. وهنا فالحل في اليمن هو بمثابة "تسوية سياسية" يجب ان يشارك فيها كل اليمنيين.

في ليبيا، بدأت الليبيون الثورة سلمية، وعندما أمعن القذافي في قتل شعبه، اصدر مجلس الأمن الدولي قرار يوجب على المجتمع الدولي كله حماية المدنيين، وكان تدخل المجلس بطلب من الجامعة العربية بعد ان دخل الوضع في ليبيا إلى مجلس الجامعة. وتجد ان كل الدول التي تدخلت إلى جانب الثورة الليبية كان تحت مبدأ "حماية المدنيين"، بناء على طلب من مفوضية الامم المتحدة لحقوق الانسان الذي اقر بأن قصف وقتل المدنيين جرائم ضد الانسانية. وجاء تدخل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بطلب من مجلس الأمن بموجب اتفاقية روما، رغم ان ليبيا ليست طرفاً في الاتفاقية.

في سوريا، فإن المعالجات حتى الامؤسفة مؤسفة ومؤلمة، بسبب الفيتو الروسي والصيني. وهذا السبب تحديداً هو الذي قاد المجتمع الدولي إلى الاعتراف بالمجلس الوطني ممثلاً شرعياً، واعتماد كوفي عنان ممثلاً للأمم المتحدة والجامعة العربية بمشروع شبيه بالتسوية السياسية في اليمن. وانتهج المجتمع الدولي منهجاً دبلوماسياً يتمثل في سحب الاعترافات بالحكومة السورية الشرعية وطرد المبعوثين الدبلوماسيين السوريين، وهو ما تم مؤخراً. وهذا الوضع سيتبعه بالضرورة، حسبما أعتقد، واذا فشلت مبادرة كوفي عنان واستمر الفيتو الروسي والصيني، ان تعترف الدول بحكومة منفى سورية يحتل ممثلوها السفارات والبعثات السورية، وهي التي ستكون مخولة في طلب مساندة العسكرية لاسقاط النظام بالقوة.

علينا كيمنيين إدراك أن هذا هو الوضع الدستوري والقانوني الذي يحكمنا، فقد انتهت الشرعية الدستورية للنظام الذي ثار الشعب عليه بتوقيع الرئيس السابق على المبادرة الخليجية التي أهمها خروج الرئيس من منصبه، وان هناك شرعية جديدة لرئيس البلاد الجديد عبدربه منصور هادي منذ 25 فبراير الماضي، وان من المستحيل الرجوع عما اقره اليمنيون وحقهم المشروع في تغيير الواقع المرير. لهذا على الجميع دعم الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومة الوفاق الوطني لاجتياز المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد.

* مروان عبدالله عبدالوهاب نعمان
سياسي وقانوني دولي وسفير سابق

زر الذهاب إلى الأعلى