لا بدّ أن أعترف ابتداءً أنني لم أكن أحبّذ دخول مرشح للإخوان المسلمين في سباق الانتخابات المصرية الرئاسية، على الأقل خلال الفترة الراهنة، وذلك خوفا من انقسام الشارع المصري بشكل عام، والشارع الثوري الشبابي بشكل خاص.
ولكنني غيّرت رأيي مباشرة بعد أن تم حل مجلس الشعب المصري عشية الانتخابات فجأةً وبالقانون!! وأدركت أن وراء إصرار الإخوان على دفع مرشحهم للترشح، فهما، ووعيا بطبائع واحتمالات الواقع السياسي المصري وكواليسه ومطابخه!
الوطن العربي يتغير بعمق، وعلى نار هادئة! والإخوان المسلمون في مصر-وليس اليمن- يتغيرون بعمق أيضا.. وعلى مهل!
ستون عاما من الملاحقة والإقصاء، وحصرهم بين المساجد والسجون، والعمل السرّي.. وفجأةً وجدوا أنفسهم أمام محك الواقع والتجربة والحكم!
العمل، والواقع، والشارع، والتنافس.. والشفافية، والعصر.. كل ذلك سيشذّب أداءهم، ويهذب أساليبهم، بعد أن يتفق الجميع على قواعد المجتمع الديمقراطي، والدولة المدنية الحديثة، وسيادة القانون.
لا عنف، ولا سلاح، ولا إقصاء ولا إلغاء.. ولا تكفير ولا تخوين.. ولا تغيير لقيم مجتمع مصر المدني الذي بدأ بالتشكل منذ أكثر من مائة وسبعين عاما، أي منذ عهد محمد علي.
مصر على مفترق طرق. إما أن تأخذ التجربةُ مداها برئيس جديد.. كي ينجح أو يفشل، يبقى أو يذهب بعد أربع سنوات شأنه شأن أي رئيس محترم في العالم.. وإما أن نبدأ رحلة عذابٍ جديدة! خلق فزّاعة اسمها "الإخوان المسلمون" وحرب أهلية قد تودي بمصر ومستقبلها!
كنتُ سعيدا خلال الأشهر الماضية وأنا أرى وأسمع إخوان مصر، وحتى سلفييها وقد اصبحوا ينافحون عن الديمقراطية والدستور والقوانين، ويتحدثون بإسهاب عن الرأي الآخر، وحقوق الإنسان..الخ.
كنت أريد للتجربة أن تكتمل، وللتغيير أن يستمر حتى يحدث تغييرٌ عميق وحقيقي في النفوس والعقول، والأرواح.. وحتى يحدث فهمٌ وتفسيرٌ وتأويل بما يتناغم ومصالح الناس، ومستجدات العالم وتطوره، وعلمه وعلومه.
كنت سعيدا بما كنت أرى وأسمع، على أني ما زلت آمل أن تكون وتيرة التغيّر أكثر سرعة، ومرونة، وتقدما نحو العصر وحقائقه، وطبائعه.
في تركيا، كما في تونس، ثمّة تجربة تبدو ممكنة في مصر.. ولم لا؟.. وحتى يصبح الإسلاميون بشرا! لا ملائكة كما يعتقدون، ولا شياطين كما يظن خصومهم!
زلزال مصر محمد مرسي.. سيرسي قواعد جديدة، ليس في مصر فحسب..بل في الوطن العربي كله، .. دعوه فحسب، أمام الاختبار العلني، والتجربة العملية، وحين يكمل فترته حاسبوه، وكافئوه أو عاقبوه! لن تكون مدافعه على جبل المقطم كي تضرب خصومه، ولا دباباته على ناصية الهرم كي تهدم بيوت منافسيه!.. ولا أولاده ملوك عروش، ولا أبناء أخيه قادة جيوش.