آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

أين وصل مؤتمر الحوار.. وما النقطة الفاصلة؟

ببيان القاهرة، يبدو أن مؤتمر الحوار في اليمن الذي يروج له الكثيرون بأنه نقطة الفصل قد وصل نقطة حساسة أو بداية النهاية، بعد أن وقف أمام إحدى القضايا الرئيسية التي لأجلها بدأ الحديث عن مؤتمر للحوار، تتحاور فيه الأطراف الموقعة على المبادرة الخليجية وآليتها الأممية مع القوى والأطراف التي لا تزال بعيدة عن المشاركة السياسية..

الدفع نحو هذا المؤتمر كان دولياً أكثر منه محلياً، ونلمس الحرص عليه من خلال البنود الأممية في القرار 2051 وخطابات المبعوث الأممي.. وهو في الأساس وضع لأجل طرفين محليين، وهما بعض قوى الحراك "الجنوبي" غير الموقعة للمبادرة ومن يرتبط بها من القيادات في الخارج، والطرف الثاني هو المسلحون الحوثيون الذين يسيطرون على محافظة حدودية ومديريات مجاورة..

بالنسبة للحوثي، فقد كان واضحاً أنه رحب بالحوار، بغض النظر على الشروط التي أطلقها للاستهلاك الإعلامي، لأنه يأمل أن الحوار يصب في خدمته، وينقله من حالة الجماعة المسلحة الخارجة عن القانون إلى طرف مصبوغ بالشرعية..

النقطة الثانية الملغمة أكثر والتي لا تبتعد كثيراً عن ملف الحوثي.. هي القضية الجنوبية والحوار مع القادة المعارضين في الخارج، الذين ستعد مشاركتهم في مؤتمر الحوار خطوة جيدة في المصالحة السياسية والحوار، فيما لو تمت.. وكان اللقاء في القاهرة مع قيادات ما أسمي "المؤتمر الوطني لأبناء الجنوب" ، وعلى رأسها علي ناصر محمد وحيدر أبوبكر العطاس وآخرين.. هؤلاء الذين التقوا باللجنة الرئاسية برئاسة الدكتور عبدالكريم الإرياني وعضوية الدكتور ياسين سعيد نعمان..

هذا اللقاء كان قد مهد له السفير البريطاني في اليمن حيث تواصل مع بعض الأطراف في الحراك من أجل الترتيب للقاء القاهرة..

بعد اللقاء 23 يونيو الماضي، سلمت قيادات القاهرة للوفد شروطها وصدرت في بيان تحت عنوان " رؤية مقدمة من القيادة المؤقتة المنبثقة عن المؤتمر الجنوبي الأول المنعقد في القاهرة".. ذلك البيان، الذي حمل شروطاً تعجيزية للمشاركة في الحوار.. والصعوبة لا تكمن فقط بالبيان، بل إن البيان أوضح بما يفكر واضعو البيان من مطالب تعجيزية يصعب التعامل معها..

ومن أبرز ما جاء في البيان أو في المطالب التي سلمت للجنة:
- "بيان سياسي موثق دولياً من قبل الحكومة وكافة القوى السياسية التي شاركت وباركت اجتياح الجنوب في 1994م، يعبر عن الاعتذار..". واعتراف وقبول صريح بحقه في تقرير مصيره..
- "يمثل الشمال والجنوب في الحوار بصورة ندية ومتساوية، وبالصيغة التي يتفق عليها.
- سيمثل الجنوب بوفد موحد تحت مضلة الحراك الجنوبي السلمي، بتمثيله لكل الأطياف السياسية والاجتماعية.
- يعقد الحوار في مقر جامعة الدول العربية أو مجلس التعاون الخليجي أو في احد مقرات الأمم المتحدة.
- يعقد الحوار تحت رعاية وضمانة إقليمية ودولية".

تلك كانت أهم الشروط.. وكمثال على تعجيزها نأخذ الإعلان الرسمي الموثق دولياً من الحكومة وجميع القوى بالاعتذار عن حرب 94.. وتبدو عبارة "الاعتذار" سهلة لمن لا ينظر إلى ما بعدها.. إذن أن مجرد القول إنه تم الحرب على الجنوب هو إعلان بأن ما جرى هو احتلال، وبالتالي: تحرير.. مع أن الحرب كانت بين حزبين حاكمين، وليس بين جنوب وشمال.. والجنوبيون شاركوا بطرد الطرف الذي غادر.. ثم ساهم الجميع بطرد الطرف الذي أساء إلى الوحدة بعد حرب 94 وهذا ما حدث بثورة التغيير.

ومن جهة أخرى وفيما يخص الشباب والقوى الأخرى فقد رحبت بالحوار، وأخرى انتقدت إقصاءها وعدم دعوتها للمشاركة في هذا المؤتمر، كهيئة علماء اليمن ، الذي أعتقد أن انتقادها لم يأتِ من غباء، بل قد يكون العكس هو الصحيح، فبيان الشيخ عبدالمجيد الزنداني جاء في الوقت الذي لم يعد فيه مؤتمر الحوار مطمعاً، بقدر ما هو أمر يجب الانتباه إليه.. والحقيقة أن كثيراً لم يسأل نفسه: على ماذا سيتحاورون؟ ولماذا يقول الناس إن مؤتمر الحوار نقطة فاصلة قد تؤدي إلى النجاح أو نسف الجهود التي تمت خلال الشهور الماضية؟..

على ماذا سيتحاورون؟
من الأخطاء المنهجية، أن دعوة الحوار لم تضع الأسس والمبادئ والقضايا التي يدعى من أجلها الحوار.. على ماذا تدعو الناس للحوار؟.. لم نجد إجابة لذلك؟

مما يتردد هو أن قضايا جذرية ومصيرية، كمطالب "الفيدرالية"، والدستور الجديد، ستطرح في هذا المؤتمر، وهذا يعني أن مؤتمر الحوار سيقرر مصير يمن ما بعد صالح.. والسؤال الذي يتردد هنا..؟ هل لجميع الأطراف والقوى السياسية الحق في إقرار مثل هذه القضايا المصيرية والاستراتيجية في مرحلة انتقالية وأوضاع استثنائية؟

وكيف تدعو شباب الثورة للمشاركة بحوار تحضره أطراف سياسية لها أهدافها وتنظيماتها.. مع أن الحوار بهذه الصيغة هو مصادرة للثورة وأهدافها كما أنه مصادرة لإرادة الشعب.. أي الإتيان بمجموعة من القوى المحملة بالأحقاد والملطخة بالدماء، وما معها من الأمراض المناطقية والمشاريع الصغيرة لتقرير مصير يمن الثورة؟.

إذن؛ الشروط التي يجب أن يضعها شباب الثورة للحوار، لا تختص بإطلاق سراح المعتقلين ومحاكمة النظام السابق.. هذه شروط صغيرة لا تقرأ التحديات الكبيرة والمخاطر المحتملة.. التحديات تكمن في أن شباب الثورة الذين أسقطوا مشروع التوريث بقي عليهم أن يسقطوا المشاريع الصغيرة ومشاريع تقسيم اليمن التي تريد الحضور معهم في مؤتمر الحوار لتقرير مصير البلاد.. إذ أن هذه المشاريع لا يقل خطرها أبداً عن مشروع التوريث الذي ثار عليه الناس.. فالتوريث كان يسعى للاستيلاء على البلاد، أما المشاريع الصغيرة فتريد تمزيق الوطن وإنهائه..

النقطة الفاصلة.. ألغام!
تقول التقارير الدولية إن هذا المؤتمر هو نقطة فاصلة في الأوضاع في اليمن والعملية السياسية التي بدأت بتوقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.. وقد تصل أهمية هذه النقطة إلى ما يمكن معه القول إنها ثاني أهم التحديات بعد نقل السلطة وتجنيب البلاد الحرب الأهلية.. أي أن هناك منعطفات ستواجه الثورة اليمنية على الجميع الانتباه إليها لا الانشغال بالمشاركة بالحوار من عدمه.. تماماً مثلما وقعت الثورة المصرية قبل الانتخابات الرئاسية في منعطف سياسي كان يمكن أن تنسف كل ما حققته مصر.

أما المنعطفات والألغام التي تواجه اليمنيين فهي لا تشبه ما جرى في مصر، لكنها منعطفات أخطر.. لأنها لا تعني عودة النظام السابق وفشل التغيير ما يترتب عليه من عنف وموت وانهيار اقتصادي.. فالتحديات اليمنية تتعلق بالوحدة الوطنية بما يحمله هذا العنوان من معنى وما يترتب عليه من مخاوف الانقسام والحرب الأهلية، والتحدي الآخر الأساسي هو وجود دولة من عدمه، إذ ليس مهماً من يحكم وكيف؟.. بل أين وبماذا؟

ومن هنا فإن ما يمكن أن يجعل مسألة الحوار نقطة فاصلة الجديد بوجهة نظري، هو الآتي:
أولاً.. في حال أن القضايا التي ستناقش فيه، هي القضايا المصيرية كالفيدرالية ، في ظل أن الطرفين الرئيسين المقصودين في الحوار هما: طرف مسلح يسيطر على جزء من الوطن بقوة الحديد والنار ويريد فرض أجندات سياسية مذهبية عرقية والتحكم بتلك المناطق كالحوثيين.. وطرف آخر يرفع مطالب تعجيزية لتفتيت البلاد.

المعادلة مع الحوثيين، تكون في أن الدولة بحاجة ماسة لفرض سيطرتها على كامل أراضيها، والحوثيون يأملون بالحوار أن يحصلوا على شرعية سياسية أو فيدرالية تمكنهم من إبقاء قبضتهم على صعدة وما جاورها ولكن بوجه قانوني بعد الحوار.. وبين ذلك يمكن التفاوض، ولكن في حال تنازلت الدولة للحوثي عن إبقاء سلاحه أو السيطرة خارج المدن الرئيسية.. فإن ذلك يعني تأجيل الأزمة فقط لا غير.

المعادلة مع مجموعة المطالب التشطيرية في المحافظات الجنوبية، هي أنهم يرفعون مطالب تعجيزية ويريدون الوصول إلى حل وسط، من باب "هدده بالموت يرضى بالحمى".. لكن الحل الوسط يبدوا بعيداً ومعقداً ما دام الأمر قائماً على توصيف سياسي تحت مسمى (شمال وجنوب)، إذ يتعلق الأمر بالوحدة الوطنية.. فإذا كان البعض يأمل الفيدرالية مثلاً من خلال هذا الحوار، فإنها في الوقت الحاضر ليست إلا خطوة إلى التشطير، ناهيك عن أنها أمر في صميم البلاد ويجب أن يناقش في الأوضاع المستقرة، الأمر الذي من الصعب على القوى السياسية الوطنية القبول به.

ثانياً.. يعد الحوار نقطة فاصلة وملغومة، في حال كان لدى القوى الغربية أو بعضها مشروع جاهز لليمن الجديد تريد تهريبه وفرضه على الأمر الواقع من خلال هذا المؤتمر.. وما يجعل المخاوف بديهية من الحرص الغربي على أن يعقد المؤتمر وبصورة عاجلة، بالإضافة إلى التوصيف الذي يحرص على اعتباره نقطة يمكن أن تهدم كل ما تم..

وخطورة الوضع، فيما لو كانت الأطراف الثلاثة وما يدعمها خارجياً (إن وجد)، قد تحالفت وأعدت برنامجاً للتصعيد بالتزامن مع هذا الحوار، سواءً للضغط بالمطالب، أو بما يتناسب مع التطورات، وهذه الأطراف الثلاثة هي ما يلي:

النظام السابق: هذا الطرف، الذي جاء التغيير للإطاحة به، ويريد إثبات أن اليمن بدون سوف يتفكك ويتهدم.. وهذا الطرف لا يزال يملك الكثير من الخيوط والأدوات.. بل إن أحدهم قال إن علي عبدالله صالح وضع ألغاماً يمكن أن تنفجر بالبلاد خلال المرحلة الانتقالية.. ومن بينها مؤتمر الحوار..
الحوثيون: هذا الطرف المسلح الذي يعرف الناس جميعاً، أن لديه نفوذ وخلايا في مختلف المناطق والمدن والمواقع الحساسة في البلاد.. وهذا الطرف يمثل أحد المشاريع الصغيرة التي بوجود الدولة وقوتها يصبح ضعيفاً.. حيث أن مشروعه ضد الديمقراطية والمساواة، كما هو مشجع من طرف إقليمي ليس من مصلحته نجاح اليمن، على الأقل في المرحلة الانتقالية.
الانفصاليون: هؤلاء يريدون تقسيم اليمن، بعضهم يريد ذلك بطريقة سياسية وتدريجية، وبعضهم يعلن كل ما يريد، وقد بدأ بحمل السلاح.. هؤلاء استغلوا أخطاء النظام السابق وسياساته خلال السنوات التي سبقت الثورة وقاموا بتعبئة عنصرية ومناطقية شحنت جيل من الأبرياء ورموا بكل تعاستهم على الوحدة.. كل إنسان في الأرض يشعر بالتعاسة ويبحث عن سبب، فهؤلاء استغلوا وجود وحدة وجعلوها الإجابة المقنعة.. وآثار هذه التعبئة ذهب جزء شعبي كبير منها مع ثورة التغيير، وأخرى لم تزل بحاجة إلى سنوات لكي تعود العقول إلى المعقول..

الأطراف الثلاثة السابقة تشكل خطراً مجتمعاً فيما لو كانت قد اتفقت ونسقت لذلك.. ليس وحدها، ولكن إذا وجد طرف دولي من أطراف المبادرة الرئيسية لديه أهداف من خلال مؤتمر الحوار، بحيث يعطي الضوء الأخضر لهذه الأطراف بالتصعيد ليقوم بالضغط من خلالها.. وهذا أمر لا نجزم بوجوده ولا عكسه.

وواقعياً وبدون هذه المخاوف، فإن الحوار ليس نقطة فاصلة، باعتبار أن اليمن الآن يسير بقيادة منتخبة ومجموع القوى السياسية قادرة على فرض الأمر الواقع إذا استدعى الأمر.. أي ما الذي ينسف كل شيء لو استمر الدعم الدولي للرئيس وحكومة الوفاق، واستمرت معه القوى السياسية الرئيسية في البلاد؟..

زر الذهاب إلى الأعلى