ما زالت رائحة عطر الروائي الألماني باتريك زوسكيند تتسرب من روايته الشهيرة "العطر.. قصة قاتل" فتملأ شوارع السمك في باريس ومارسيليا..
"جان باستيت غرنوي" اليتيم الموهوب، بطل الرواية المولود على رصيف شارع تختلط فيه روائح القمامة بالسمك يقوده الذكاء الأنفي إلى صناعة عطره الأسطوري من جثث قتيلاته من الفتيات العذراوات، غير أن الكاتب الصحفي والشاعر الساخر عبدالكريم الرازحي، قرر الأسبوع الماضي أن يملأ شارعي القصر وجمال، المزدحمين بالفتيات ومعارض عطور باريس، أن يملأهما برائحة سمك، متعفنة ومتجاوزة تاريخ الانتهاء بسنوات.
ولأن منع مجلس النواب دخول علبة الرازحي الناسفة، والمفتوحة على رائحتها التي يقول إنها تشبه "بالوعة"، لا يبدو بوسع أي عضو برلماني، الهروب من رائحته الشخصية، التي يكتشفها الرازحي في علبة السردين الناسفة، ليقوم بتفجيرها في وجه مصدرها الرسمي، في أي وقت.
قبل يوم من صدور مقال الرازحي الساخر، انفجرت علبة التونة المتعفنة، والمنتهية صلاحيتها، في قاعة البرلمان، وكادت رائحتها المتسربة أن تودي بحياة رئيس الوزراء ووزير المالية، لولا أن دق الراعي المطرقة ورفعت الجلسة.
أي من النواب لم يبد أي اكتراث لطلب كان تقدم به في مقال سابق، المواطن الرازحي، لسدَّ علبة البالوعة التي ما زالت رائحتها المتعفنة عالقة بأرنبة أنفه الجميل.
استشاط أعضاء البرلمان غضباً من الكاتب الرازحي، وقرروا رفع دعوى قضائية، واستدعت نيابة الصحافة الناخب الرازحي في قضية نشر، وفيما الدعوى قائمة على قدم وساق، حصل الرازحي على تأكيد طازج، يدعم صحة ما ذهب إليه من مطلب وطني مشروع، وهو إغلاق مصدر الرائحة المتعفنة، رائحة سمك ميت ومطبوخ ومتجاوز تاريخ الانتهاء، والرازحي بهذا المطلب لم يكن يريد النجاة بنفسه فحسب، فالأمر أكبر من ذلك وعلى ارتباط مباشر بالصحة السكانية العامة، و"البيئة" التي يفترض أن يكون البرلمانيون هم أكثر الناس حرصاً على نظافتها وسلامتها وخلوها من الروائح الناسفة..
وباعتباره مواطناً متضرراً من رائحة التونة، تقدم الناخب الرازحي إلى مجلس الشعب بما كان قد تقدم به، وبدلاً من انعقاد جلسة لمناقشة هذا الموضوع الحساس، تهرب النواب من واجبهم ورائحتهم ولم يعقدوا جلسة طارئة لسن قوانين للحد من انتشار الرائحة، وتقنين عملية التسرب الاشعاعي لذراتها..
رفعت الجلسة، فيما كانت رائحة السمك الميت، تملأ أرجاء القاعة وبطن القبة.