آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

تقاطع إيراني - أميركي لتقسيم اليمن

لا يمكن أن يمر يوم على اليمن، إلاّ ويخرج فيها هذا البلد الذي كان يسمى سعيداً في التاريخ إلى دائرة الضوء، فيوم الخميس إستقال وزير التعليم العالي اليمني الدكتور يحيى الشعيبي من الحكومة ليس لأنه وزيراً عن حزب المؤتمر الشعبي العام (حزب الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح)، بل أن استقالته جاءت على خلفية الرؤية والسياسات للحكومة اليمنية الانتقالية برئاسة محمد سالم باسندوه.

وعبّر الشعيبي في رسالته التي وجهها إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي، عن اعتقاده بأنه «ولمصلحة اليمن، تجب إعادة النظر في تشكيل حكومة الوفاق لتقوم بواجباتها على أكمل وجه. فهذه المرحلة انتقالية وأساس لما هو آتُ. وتتطلب حشد الجهود والهمم والتوافق الحقيقي من خلال حكومة وفاق وطني قادرة على اخرج الوطن من أزماته الخانقة ودعم أمنه واستقراره ووحدته». وكان الشعيبي وهو الإنسان الكفوء على المستوى الشخصي قد تقدم بإستقالته لأول مرة إلى الرئيس هادي في 12 حزيران/ يونيو الماضي. ولم تقبل استقالته، وانه للأسباب نفسها عاود مجدداً في الثاني من شهر آب/ أغسطس الجاري بتقديم استقالته مقدماً فيها 16 ملاحظة، أكد فيها «عدم وجود أي رؤية أو سياسات واضحة لدى الحكومة لدورها في هذه المرحلة، وأن رئيس مجلس الوزراء غير قادر على فهم طبيعة المرحلة وما تتطلبه من جهود للم الشمل والتوافق وتقريب وجهات النظر بين أعضاء حكومة الوفاق وشركاء العمل السياسي ومختلف الفاعليات السياسية، بالإضافة إلى تواضع الامكانات والقدرات الإدارية لمجلس الوزراء، وغياب أي خطط أو برامج للأولويات المطلوب تنفيذها في هذه المرحلة والمرحلة المقبلة».

ويوم الجمعة الماضي عادت المظاهرات الذكورية والنسوية إلى شوارع صنعاء، وطلبات المتظاهرين طالبت الرئيس هادي بحل أزمات البلاد من أمنية واجتماعية وسياسية واقتصادية وطالبت بإقصاء العميد أحمد علي عبد الله صالح من منصبه، ومحاربة التدخلين الإيراني والأميركي في سياسة البلاد، وهذا ما سيكون محور حديثنا التالي بعد الحديث عن نجاة وزير الإعلام اليمني علي العمراني من محاولة اغتيال في وقت متأخر من مساء الخميس الماضي، في حين قتل حارسه الشخصي وابن عمه في وقت أطلق مسلحون قبليون سراح رهينة ايطالي بعد أيام من اختطافه.

وكان الوزير العمراني قد سبق ونجا من محاولتي اغتيال في الأشهر الماضية، الأولى أمام مجلس الوزراء والثانية قرب منزله، وكان العمراني عضواً في البرلمان اليمني قبل أن يعيّن وزيراً، ولكنه انشق عن نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح وعن حزبه عقب ما عرف ب «جمعة الكرامة» التي قتل فيها أكثر من 50 متظاهراً في صنعاء.

وبالعودة إلى الموضوع الرئيسي في هذه المقالة، وهو التدخل الإيراني والأميركي في شؤون اليمن، فقد صدر موقف جديد بعد إعلان الرئيس هادي ووزارة الداخلية اليمنية عن القاء القبض على خلية تجسس إيرانية يرأسها شخص من الحرس الثوري الإيراني مهمتها التجسس على اليمن ودول القرن الافريقي.

وتقول الأخبار المتواترة من صنعاء وكما يعلم الجميع أن إيران كانت تموّل الحوثيين في حروبهم الستة ضد النظام بين العامين 2004 و2009 بالمال والعتاد والتدريب.

ورغم شكنا في تمويل طهران لتنظيم القاعدة كما يحكى في اليمن، إلا أن المعلومات التي استقيناها من معارفنا اليمنيين الوسطيين والذين أشاروا أن حركة إيرانية غير مسبوقة ليس على دعم انفصال الحراك الجنوبي المطالب بإنفصال الجنوب عن الشمال فقط، بل انه وخلال الأزمة السياسية بين أحزاب اللقاء المشترك وثورة الشباب والرئيس علي عبد الله صالح، إستطاعت، إيران من توسيع نفوذها في اليمن باستقطاب موالين لها من شخصيات سياسية وقبلية ونواب يعارضون اتفاق التسوية السياسية للأزمة اليمنية، وممن لديهم مخاوف من سيطرة حزب التجمع اليمني للاصلاح (إسلامي) الذي يتزعم تحالف أحزاب «اللقاء المشترك» على السلطة خلال الفترة الانتقالية الحالية وبعدها، إضافة إلى رفض ما يصفونه ب «الوصاية» الأميركية على اليمن. وهؤلاء ينتمون إلى محافظات سنية بحتة بما فيها المحافظات الجنوبية التي تطالب بعودة انفصال الجنوب عن الشمال.

في هذه المسألة وهذا الاستقطاب غريب الدور الإيراني، فهو يدعم الحوثيين في شمال البلاد وأراضيهم تقع على الحدود مع السعودية، إلى الانفصال عن صنعاء واعلان دويلتهم المستقلة، كما أن إيران تدعم الجنوبيين من خلال احتضان علي سالم البيض وتؤيد انفصالهم عن الشمال أي العودة لتشكيل دولتهم المستقلة. ولكن في هذا الدعم الإيراني إذا صح الكلام وكان حقيقة واقعة كما يقول اليمنيون فإن في هذا تقاطع مع الدور الأميركي وخارطة العالم الجديد التي تريد تقسيم الدول العربية إلى عدة دويلات. وما هو المكسب الذي ستجنيه إيران من تقسيم اليمن؟ أن تقوم دويلة شيعية مقلقة على الحدود السعودية إذا قامت دولة الحوثيين، وأن تكون لها السيطرة بالواسطة على باب المندب من خلال عودة انفصال جنوب اليمن عن شماله، فتسيطر بذلك على مضيق هرمز وباب المندب، في آن. وهل التدخل الأميركي السري في اليمن سيسمح لها بأن تكون اليمن مسرحاً للسيطرة والعلاقات المميزة مع الأشخاص النافذين على المستوى السياسي والقبلي؟.

في التفاصيل وكما ذكرت وسائل الإعلام عن خفايا زيارة الرئيس اليمني لدولة قطر يوم الخميس الماضي لساعات، ذكرت الأنباء أن «دولة قطر تسعى للتوسط بين الجمهورية اليمنية وإيران، على خلفية اعلان اليمن عن ضبط خلية تجسس إيرانية تعمل في اليمن ويقودها ضابط سابق في الحرس الثوري الإيراني. وذكرت وسائل الاعلام نقلاً عن مصدر يمني رفيع المستوى «هناك عرض قطري للملمة قضية خلية التجسس الإيرانية» وقال «يبدو ان الإيرانيين بعد فشل مهمة مبعوث نجاد. ورفض الرئيس هادي لقاءه قبل أيام، لجأوا لقطر للتوسط ولملمة القضية».

أما زيارة الرئيس هادي السريعة للعاصمة القطرية فقد قال المصدر «تمت مناقشة الوضع الإقتصادي في اليمن، ومناقشة بعض المشاريع التي تمولها قطر وتوقفت خلال الفترة الماضية في البلاد (...) كما تمت مناقشة أوضاع المغتربين اليمنيين في قطر وتمت الموافقة على أن يعامل اليمنيون معاملة القطريين في المدارس الحكومية. كما تمت مناقشة إعادة الإعمار في صعدة وإعادة الإعمار. وذكر المصدر أن «نقاشاً دار حول إدارة اموال صندوق اعمار صعدة الذي تموّْله قطر». وذكر ان الحوثيين يريدون أن تمر أموال الصندوق عبرهم من دون أن يمر بالحكومة اليمنية، أو تكون لها سيطرة عليه. وهذه مسألة تمس سيادة البلد لأنها تشرع للوجود الحوثي كدولة داخل الدولة».

على العموم دولة قطر قادرة على حلحلة العديد من العقد خاصة وانه كان لها دور في ايقاف الحروب الحوثية الستة. ويمكن أن يكون بمقدور قطر لملمة قضية خلية التجسس، ولكن هل القدرة على لملمة العلاقات الواسعة لإيران باليمنيين على مستوى المشهد الإجتماعي اليمني القبلي ممكنة؟

أما على صعيد الوجود الأميركي النوعي في اليمن، فإن العديد من المسؤولين الأمنيين ومسؤولي المخابرات الغربيين (كما تقول الأنباء المنشورة على الانترنت) ينظرون إلى اليمن منذ فترة طويلة باعتباره محور حربهم ضد التطرف الإسلامي كما ينظرون إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الفرع المحلي لتنظيم القاعدة بإعتباره أخطر جماعة ارهابية تتآمر لشن هجمات ضد الغرب.

وتزايد في الأشهر الأخيرة وقبل استعادة محافظة أبين وبلداتها من تنظيم القاعدة التدخل الأميركي والأجنبي في اليمن وأصبح يتجاوز حملة الهجمات بطائرات بدون طيار وتولي اعداد كبيرة من مستشاري القوات الخاصة تدريب الجيش اليمني. ولكن كل هذا لن يوفر للأميركيين تجفيف منابع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، ما يوفر تجفيف هذه المنابع تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وتوفير فرص العمل وجعل اليمنيين يهتمون بأعمالهم التي يعيشون منها عرض الحصول على المرتبات من قيادة التنظيم.

ولكن متابعة التحرك الأميركي في اليمن كما هو عليه، يقول حسب قول اليمنيين أنفسهم أن البلد مرشح ليكون مسرحاً لنوع من التدخل الأميركي السري إلى حد كبير الذي قلما يكون موضوعاً لنقاش علني والذي يعتقد كثيرون انه سيكون نموذجاً للتدخل في الصراعات في السنوات القادمة. بمعنى أن يكون التدخل في شؤون الدول العربية على هذا النمط وليس على مستوى النمط الذي حصل في أفغانستان والعراق.

زر الذهاب إلى الأعلى