آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

عودة الصومال والواقع الجديد لدول القرن الأفريقي

بالتزامن مع انتخاب الرئيس الجديد للصومال جاءنا خبر دخول القوات الصومالية إلى اقليم كيسمايو الذي انسحبت منه جماعة الشباب المتطرفة مع الإطباق عليها من قبل قوات كينية ومن الاتحاد الافريقي من الطرف الآخر.

سقوط آخر معاقل الجماعة المليشياوية الدينية المتطرفة يمثل مؤشراً على درجة عالية من الأهمية عن قرب عودة الصومال إلى وضعه الطبيعي ، وطي صفحة اللادولة والتفكك وتعدد المهيمنين على الأرض التي استمرت أكثر من عقدين من الزمن.

كان ذلك بداية التسعينيات، حين سقط الدكتاتور سياد بري ، وظهرت إنجازات تسلطه دفعة واحدة تحت عنوان انهيار الدولة بالكامل بالتزامن مع سقوطه ، وما ترتب على ذلك من توابع وانهيارات وتفكك وقراصنة ولاجئين وإرهاب.

لم تفلح محاولة كلينتون حينها في تدارك انهيار الصومال بلداً ودولة ، وفشل التدخل ذو الدوافع الانسانية مع سحب متطرفين ركبهم الجنون لجثث جنود أمريكيين، وكان ذلك كافياً لدى الرأي العام هناك كي يفرض على الادارة الأمريكية تجاهل الصومال وكأنه غير موجود على الخارطة ، كما فعلوا مع أفغانستان طوال عقد التسعينيات نفسه .

الآن اختلفت الاستراتيجية ، فانهيار دولة لا يلقي بتبعاته على البلد المعني وشعبه فقط، بل يمتد على شاكلة ملاذات آمنة لجماعات ارهابية وقراصنة في البحر ومشكلة لاجئين في دول الجوار وازدهار تجارة الاسلحة والمخدرات وغيرها.

يأتي اندحار الجماعة الارهابية في كيسمايو بمشاركة قوات من كينيا والاتحاد الافريقي ، متزامناً مع هزيمة أنصار الارهاب في أبين وشبوة ، ودخول اليمن في مرحلة انتقالية عقب الثورة الشعبية السلمية ، وكذلك مع انتخاب رئيس جديد للصومال.

كل ذلك يؤشر إلى تغييرات في منطقة القرن الأفريقي تفتح المجال لتفعيل تجمع الدول المطلة على البحر الأحمر باستيعاب الصومال واريتريا هذه المرة.

وتختلف طبيعة التجمع الجديد ومهامه عن تلك التي أملتها الأجندات الخاصة للنظامين في اليمن والسودان قبل سنوات .

بداية ربما تختلف طبيعة التجمع ، فبدلاً من كونه تجمعاً للدول المتعثرة آنذاك ، سيكون الآن تجمعاً للدول المتعافية ، أو التي في طريقها للتعافي ، كسمة مناسبة لدول تمر بمرحلة انتقال من الديكتاتورية العائلية كاليمن التي شهدت ثورة شعبية أعادت الأمل في بناء الدولة على أسس وطنية ، أو الصومال الذي شهد مؤشرين ايجابيين ، ويحتاج إلى تجاوز مهام صعبة، لعل أهمها بلورة دولة اتحادية بين مكوناته التي تعمل بقوة الأمر الواقع ولم يعترف بها كدويلات ، باستثناء جمهورية الصومال ، مضافاً لذلك وفاة الرئيس الإثيوبي واحتمال دخول اثيوبيا في سياسات أكثر انفتاحاً على المستوى الداخلي في ظال مؤشر الاحتجاجات الواسعة للمسلمين هناك عشية وفاة زيناوي ، وأخيراً الوضع الجيوسياسي الجديد في السودان الذي حل أزمته مؤقتاً بانفصال شماله عن جنوبه ، وتصاعد احتجاجات جماهيرية ضد البشير ونظامه للمطالبة بالتغيير.

تتباين المهام المفترضة للتجمع الجديد مع اختلاف المعطيات، فبدلاً من تسيد وظيفة الحرب على الارهاب في التجمع القديم ، ستكون المهمة الجديدة برنامج التعافي من آثار الارهاب والاستبداد وانهيار الدولة، طبعاً مع استمرار مكافحة الارهاب في عودته إلى طوره الاصلي كخلايا سرية وعمليات ارهابية بعد أن هزم في مرحلة السيطرة على مناطق على الأرض.

الوظيفة الأهم لتجمع دول القرن الافريقي المطلة على البحر الأحمر هي تهيئة مناخات الاستقرار في دول أشبه بالبوابات لشرق افريقيا التي تحتل أهمية كبرى في استراتيجيات المصالح الجيوسياسية للدول الكبرى خلال الثلاثين عاماً القادمة.

كما أن استنفاد الحرب على الارهاب لوظيفتها وبروز محددات جديدة سيكون لها الأثر الأكبر في العلاقات الدولية وأهمها ثورات الربيع العربي ، وبوادر حرب كارثية أو باردة جديدة مع إصرار إيران على امتلاك أول قنبلة نووية ، الدولة التي تتواجد في أهم منطقة نفوذ عالمي غربي وتحديداً أمريكي ، كل ذلك يحفز أمريكا وأوروبا على تعظيم تفاعلها مع مطالب التحرر وربيع الشعوب والتغيير اجمالاً في الأنظمة وتوجهاتها ومحددات السياسات الغربية في منطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا إجمالاً.

بإمكان اليمن تطوير علاقاتها بالصومال وفق سياسات جديدة، فبدلاً من تهريب السلاح واللعب على ورقة الارهاب واللعب بورقة اللاجئين أيضاً ، ستقلب التوجهات الآن إلى محاصرة تجارة السلاح والتنسيق لمكافحة الخلايا الارهابية والحد من تدفق اللاجئين من الصومال وشرق افريقيا إلى اليمن ، والتنسيق مع السلطات الصومالية لمخاطبة دول الاقليم والدول الكبرى تحمل مسؤولياتها في ايجاد الحلول لمئات الآلاف من اللاجئين الصوماليين في اليمن وتوفير فرص عودتهم الآمنة إلى بلدهم وكذلك إشراك الدول المجاورة للصومال في تحمل أعباء لجوئهم مؤقتاً من خلال استقبال أعداد منهم من المتواجدين في اليمن.

فقد استخدم الرئيس السابق ورقة اللاجئين سياسياً ومالياً ، غير آبه بمترتبات وآثار استقبال هذه الأعداد الكبيرة في بلد يعاني ايضاً من عدم الاستقرار والصراع السياسي وغير قادر على ضبط حدوده ، وهو ما جعل مشكلة اللاجئين تفلت عن السيطرة لاحقاً عبر تدفق الآلاف سنوياً عبر التهريب ، ومعظم اللاجئين قادمون من بلد منهار مما يسهل استخدام بعضهم من قبل جماعات ارهابية أو من قبل عصابات النظام كما تبين ذلك أثناء الثورة وحرب استعادة أبين وشبوة من قبضة الارهابيين.

وإضافة لمهام جدول أعمال هذا التجمع المتوقع اعادة تنشيطه ستكون مهمته إعادة تنظيم الاصطياد ومكافحة المتسللين الذين يصلون حتى من الهند ودول بعيدة نسبياً عن اليمن في ظل عدم وجود اتفاقيات تحدد الحدود البحرية وتنظم عملية الاصطياد في منطقة بحرية غنية بالثروة السمكية.

زر الذهاب إلى الأعلى