في بداية نشاطها لم تستطع جماعة الحوثي كسب الأنصار من أبناء القبائل حينما اقتصرت على الدعوة الإحيائية ل(فكر الزيدية) باعتبارها الحامل الفكري لنظرية الإمامة ولم يكن ذلك مبررا لحمل السلاح فلجأوا إلى تجييش أنصارهم عن طريق تصوير أنهم جماعة تقف ضد خطر الغزو الأمريكي والإسرائيلي الوشيك على اليمن! وأنهم يقاومون عمالة الدولة والأحزاب لأمريكا والغرب فقاموا في 2002 برفع شعار خاص بهم أو ما يسمى بالصرخة وهي (الله اكبر الموت لأمريكا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود النصر للإسلام)، وهي مفردات مأخوذة حرفياً من ثورة الخميني في إيران عام 1979م وكانوا يرددون الشعار بطريقة استفزازية في صلوات الجمعة وفي كل مناسباتهم.
وكانت مسألة الشعار نقطة فاصلة في تعامل الحكومة مع قيادات الحوثيين وطلبت منهم التوقف عن ترديده فرفضوا وقالوا لأتباعهم إن انزعاج الدولة من الشعار سببه عمالتها لأمريكا وإسرائيل وبالتالي ارتفعت وتيرة الاعتداءات والتحرشات من قبل الحوثيين ووضع نقاط تفتيش وحفر الخنادق مع الهجوم على النقاط الأمنية وإنزال العلم الوطني الأمر الذي ارتفعت معه وتيرة الاحتكاكات بينهم وبين السلطات إلى إن قامت الدولة بشن حملة في 24 يونيو 2004 وانتهت في 10 سبتمبر من نفس العام بمقتل زعيم الجماعة حسين بدر الدين الحوثي وهي ما تُسمى بالحرب الأولى.
بعد الحرب الأولى أخذت الأمور منحى تراجيديا في طريقة إدارة السلطة السياسية لهذه الحرب فبعد انسحاب الجيش تمكن الحوثيون من الحلول محله في ظل تواطؤ امني من قبل السلطات وهو ما كان يحدث بعد كل جولة من الحروب الست إذ تنسحب الدولة ويعاود الحوثيون السيطرة على مساحة أوسع بعد ان يكون سيطروا على جزء من عتاد الجيش واكتسبوا خبرة عسكرية وأنصارا جددا إلى أن صاروا على ما هم عليه اليوم، حيث يسيطرون على مساحة 55.000 كيلو متر مربع تقريبا في صعدة وحرف سفيان بعمران وأجزاء من محافظتي حجة والجوف.
وقد جاءت أحداث الثورة الشبابية الشعبية في العام 2011 لتؤكد أن الرئيس علي عبدالله صالح كان يدير الحرب بطريقة يُراد منها إضعاف الفرقة الاولى مدرع التي يقودها اللواء علي محسن صالح الأحمر قائد المنطقة الشمالية الغربية لإفساح المجال أمام توريث نجله، الأمر الذي كان يعارضه محسن، إضافة إلى ابتزاز الجار السعودي مالياً على خلفية الخوف السعودي من مخطط التوسع الإيراني الذي تستهدف مفرداته السعودية بشكل سافر.
منذ 2004 وحتى نهاية هذا هذا العام 2012 ظلت صعدة مسرحاً لتوسع الحوثيين واتاحت لهم الحروب الست تهجير ومضايقة وتصفية أعداد كبيرة ممن ليسوا موالين لهم من أبناء محافظة صعدة. وهم عقب كل هدنة يبرمونها مع الحكومة يهدفون إلى إسقاط التبعات القانونية والجنائية لهذه الجرائم عن أنفسهم وينتزعون امتيازات اكبر في السيطرة على صعدة.
وقد أورد تقرير حقوقي صدر مؤخرا عن منظمة وثاق أكثر من 13 ألف حالة انتهاك في كل من صعدة وحجة ما بين قتل وتهجير وتعذيب للمدنيين غير المحاربين.. علماً ان الحوثيين لا يستهدفون مخالفيهم من غير المتمذهبين معهم فحسب بل حتى من داخل الشيعة كما حدث في استهدافهم جماعة محمد عبد العظيم الحوثي إضافة إلى استهدافهم أهل الذمة من يهود آل سالم.
وهنا نحاول ان نستقرئ الجذر العقدي لهذا العنف الذي يمارسه الحوثيون بدم بارد..
معروف أن العنف بمبررات دينية هو أحد أخطر أنواع العنف لأنه يمد مرتكبه بالمزيد من الرضا كلما مارس المزيد من العنف شاعراً أنه بذلك يتقرب من الله والجنة، ويخلص العالم من الأشرار، وذلك بسبب منظومة متكاملة ومتواصلة من التعبئة التي تلقاها في هذا الخصوص. ويكون الأمر أكثر مأساوية حينما يكون منفذو هذا العنف هم فتيان في أعمار صغيرة، ولعل في نموذج القاعدة والحوثيين برهان على ذلك.
إلى ذلك ثمة أسباب وعوامل منهجية خاصة بالحوثيين دون غيرهم في ما يتعلق ببذور العنف منها:
- العنصرية : تقوم فكرة احتكار الإمامة على نظرية الاصطفاء التي تقسم الناس وفقا لها إلى أخيار مصطفين وشيعة لهم مجندين معهم، ومخالفين لهم حقيرين يسري في دمائهم الخساسة ويستحقون الموت والفناء. ولعل في الوثيقة الفكرية للحوثيين التي تم توقيعها مؤخراً من قبل زعيم الحوثيين وبعض علماء المذهب ما يثبت بجلاء هذه المسالة التي كانت من قبل، محل نفي من قِبل بعض الحوثيين.
- المظلومية: يستكمل هؤلاء حلقة التعبئة لأنصارهم ودفعهم لممارسة العنف بعد تخديرهم بأطروحات متعددة عن مظلوميتهم مدى التاريخ! ويستعيدون قصصاً شتى منها مقتل الحسين بن علي بن ابي طالب رضي الله عنهما وغيرها من الأحداث. وتحت ستار المظلومية يرتكب الأنصار مظالم لا تنتهي دون ان يشعروا بتأنيب ضمير.
- الطقوس التعبوية: وبناء على نظريتي الاصطفاء والمظلومية تكرس الطقوس الاحتفالية للحوثيين بحيث تصبح نوعا من إلهاب مشاعر المظلومية وتعبئة عسكرية ضد الآخر الذي يحملونه مسئولية مظلوميتهم حتى وان كانت مدّعاة قبل مئات السنين ولهذا يبالغون في تعذيب أنفسهم بسبب ما يرونه تقصيراً منهم في فترات سابقة على عدم اخذ الثأر الأمر الذي يسهل معه وينتظر بموجبه الأتباع أدنى فرصة للتكفير عن ذنوبهم بارتكاب العنف ، كما يبالغون في إظهار السلاح خلال احتفالاتهم بالمناسبات الخاصة بهم كالغدير وعاشوراء وكربلاء .. الخ.
وكانت بعض هذه الطقوس غير موجودة في شيعة اليمن ولكن أشرطة فيديو أثبتت أن الحوثيين ادخلوا هذه الطقوس ويمارسون بعضها بشكل علني والآخر لم يزل في نطاق محدود.
- الحق التاريخي: تؤدي نظرية الاصطفاء إلى استحقاقهم، وفق زعمهم، لحق تاريخي في الحكم مسلوب منهم (مظلومية) الأمر الذي يجعل من ممارستهم للعنف جهاداً مقدساً لاستعادة هذا الحق الممنوح لهم من السماء حسب ظنهم. وهذا يجعل من تقصيرهم في الحصول على هذا الحق إثما شرعياً يستحقون عليه النار والعكس أكيد.
- "استهداف الخارج للبلد وعمالة الآخرين له": يتم تعزيز مفردات التعبئة السابقة بدوافع فروسية أخرى ضد المستعمر الخارجي القادم لاحتلال الوطن في ظل عمالة جميع أبنائه له ماعدا الحوثيين!! وبالتالي فإن بقاء الجماعة قابضة بالسلاح هو أمر تفرضه الضرورات ولهذا يستبسل هؤلاء في إحكام التنظيم العسكري وتشديد العمل الاستخباراتي إلى الحد الذي جعلهم ينفذون حكم الاعدام في عامل بناء من تعز في إحدى مديريات محافظة عمران بتهمة التجسس لأمريكا وإسرائيل. وعليه فإن الآخرين، في نظر الحوثيين، خونة وأدوات بيد المستعمر تسهل احتلال البلد وبالتالي تغدو تغدو تصفيتهم ضرورة شرعية ومهمة وطنية!!
وتعزيزا لهذه الروح يهتمون بإحياء مناسبات عديدة كيوم القدس العالمي الذي ابتكره الخميني. كما يعتمدون في تعبئتهم في هذا الجانب على مآس واقعية تتعلق بشعوب عربية واقعة تحت التدخل العسكري الخارجي.
- النبوءات والبشارات: يعتبر الحوثيون أنفسهم جنوداً مسخرين من السماء في معركة محسومة لصالحهم مهما كانت التضحيات وهذا الشعور ناجم عن معزوفة من "الشائعات" و"رؤيا المنام" و"الكرامات" التي يبثونها بين مجنديهم كما يقدمون قراءات موافقة للواقع تجعل بعض نتائجه مصداقا لما يتحدثون عنه سابقاً ويعززون طروحاتهم هذه بمؤلفات الكاتب اللبناني الشيعي علي الكوراني وبعض الاحاديث التي تتحدث عن السفياني والصنعاني وعلامة المهدي الغائب الذي لن يظهر، كما في تراثهم، إلا وقد قتل تسعة أعشار العرب، وهذا يجعل من مشهد الدم شيئاً مألوفاً يعززهم بالبشارة ويغريهم بالقتل بدم بارد.
- نظرية استدرار الدم: ينطلق الحوثيون من نظرية قديمة اعتمدها بعض الأئمة في اليمن إأثناء سعيهم للسيطرة على الحكم مفادها تمكين عدوك من قتل بعض أتباعك ليكون لديك شهداء وثأر لا يموت. ويتم ذلك مع إذكاء همة الثأر الذي يظل يقظاً ولا يهدأ حتى بسقوط المئات من الطرف الآخر مقابل الواحد من الطرف الحوثي.
- شعار الموت: يرى متخصصون أن الشعار (الواردة صيغته آنفا) الذي يقدسه الحوثيون ويرددونه ليل نهار صار جزءا من تكوينهم الذهني والتصوري بحيث يمدهم بالشعور أنهم هم رسل الموت الموجود في شعارهم وأدوات تنفيذه في حق من يعتبرونه مواليا لأمريكا وإسرائيل من اليمنيين. ويرى الباحث اليمني محمد العمراني في مقال له بعنوان "ضحايا الصرخة" أنه وفقا للشعار "ينشأ اليوم جيل يتم تعبئتهم أيديولوجياً على نحو يجعلهم ينسون كل تفاصيل حياتهم من أجل شعار يقوم على ذات الثقافة, ويستعدون في كل لحظة للحرب التي لم يفكروا أبدا من سيكون أطرافها ولا ما هي عواقبها لأنها في تصورهم ستجلب "النصر للإسلام"". ويضيف: سيكولوجياً وسوسيولوجياً,, ماذا تتوقع من شاب ينهك نفسه بشكل كامل في نشر شعار "الموت" وترديده بحماس وبشكل مستمر؟ حتى لو كان هذا الموت صحيحا ومستحقا!
- النماذج التاريخية: يستمد الحوثيون مناخ القتل وجرأتهم عليه من روايات متعددة تمجد مجازر وإبادات قام بها أئمة هادويون في قرون سابقة من مثل إبادة عبدالله بن حمزة 100 ألف يمني من فرقة تدعى "المطرفية" بذراريهم ونسائهم، حسب العديد من المصادر التاريخية. والمطرفية هم فرقة داخل المناطق الزيدية طالبت بإلغاء نظرية حصر الولاية في البطنين.
- نظرية الخروج: تتحدث مصادر التاريخ عن أن تاريخ الأئمة في اليمن أثناء سعيهم للحكم أو حفاظهم عليه هو سلسلة من المجازر تحت لافتة الخروج إذ يقولون بضرورة الخروج لمن رأى نفسه أهلا للولاية وهو من أبناء الحسن أو الحسين. والبعض يظن هذا الخروج محصوراً على الخروج عن الحكام الظلمة لكن التاريخ يؤكد أن الخروج شرط واجب عندهم لاستحقاق الإمامة حتى بعد وفاة إمام ما، إذ يخرج من يرون أنفسهم أهلاً لها ويصبح اليمنيون جنوداً عند هذا الداعي أو ذاك للحد الذي أصبحت معه صعدة تحتضن اكبر مقبرة في الشرق الأوسط وهي مقبرة الهجرين. لذا فإن مناخ القتل والقتال هو القاعدة المألوفة عند هذه النظرية التي لم تعرف النضال السلمي أو لانتقال السلمي للسلطة إلا في مرة واحدة أيام القاضي محمد بن علي الشوكاني رحمه الله الذي انهارت دولة القاسم الهادوية بعد وفاته بعام واحد.
- فرض الأمر الواقع: يدرك الحوثيون إنهم لولا اعتمادهم على العنف والسلاح لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من سيطرة وفرض أمر واقع جعلهم يفرضون شروطهم للدخول في مؤتمر الحوار وجعل الدولة والقبائل تعمل لهم ألف حساب وهذا يجعلهم يشعرون أنهم في الطريق السليم كلما ارتكبوا المزيد من العنف. ولعل مناخ انتشار السلاح يجعل منه (السلاح) الخيار الأقرب إلى الاصابع كلما خطرت فكرة تصفية أو إيذاء في ذهن أي من مسلحي الحوثي في ظل صمت الدولة وبُعد صعدة عن العمل الاعلامي والحقوقي الذي انزوى بعيداً بسبب حالة الإرهاب التي صنعها الحوثي في مناطق سيطرته.
جملة ما سبق شكل منظومة متماسكة تغذي عنف الحوثيين ليس ضد المخالفين العزل فحسب بل حتى ضد غير الموالين حتى وان كانوا ممن يحملون نفس الافكار المذهبية. وكذلك يستهدف الحوثيون أيضا الأفراد الهاشميين الذين لا يوافقونهم على أسلوبهم في استهداف المدنيين العزل والنساء والاطفال وكذلك يستهدفون المواطنين الذين يمتنعون عن دفع الاتاوات والمكوس والزكوات لهم كلها أو بعضها. كما قاموا باستهداف الاشخاص والمناطق التي وقفت على الحياد أثناء حربهم مع الحكومة. كما يسوقون التوصيفات لمن ليس معهم متهمين إياهم بالعمالة والنفاق.. وغيرها من الأوصاف والتهم التي تبرر لهم هتك العرض وإراقة الدم. وتظل الظاهرة الحوثية في منحاها العنفي المتصاعد بحاجة إلى المزيد من البحث والدراسة أملا في وضع حد لإرهابها المتفاقم الذي صار يهدد اليمن بأكمله وليس مجرد مناطق سيطرة الحوثي.