أرشيف الرأي

هل وقعت السعودية في فخ الحراك الانفصالي؟

لا احد يستطيع نكران الدور الرئيسي الذي لعبه العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز والمملكة ودول الخليج عموما في منع نشوب حرب اهلية في اليمن العام الماضي،وكانت المبادرة الخليجية الرافعة التي استخدمتها القيادة السعودية في ذلك.

رغم ان المبادرة الخليجية كانت في البداية عبارة عن مقترح تقدم به الرئيس السابق للسعودية ودول الخليج العربي كمخرج سياسي لتفادي مصير مبارك وبن علي، الا ان ذلك لا يغير من حقيقة كون السعودية الاب الروحي والفعلي للمبادرة الخليجية.

- في اعتقادي كان الامر الاكثر اهمية وايجابية في المبادرة الخليجية تأكيدها على الوحدة اليمنية وضرورة الحفاظ عليها ،ودعم المجتمع الدولي ليمن موحد ومستقر ، وهى بذلك ساعدت في بلورة موقف اقليمي ودولي واضح وصريح من يمن مابعد ثورة فبراير 2011، وقطعت الطريق تماما منذ وقت مبكر على المشروع الانفصالي ،ووضعت نظريا المنادين به في خانة معرقلي التسوية السياسية ، اضافة إلى كونها المرجعية الاساسية التي استند اليها مجلس الامن في قراريه (2014 و2051) وبياناته الرئاسية الصادرة بشأن الوضع في اليمن ،والتي تؤكد جميعها على الوحدة اليمنية.

-لاشك ان السعودية كان لها دور رئيسي في هذا الموقف الدولي الرائع من الوحدة اليمنية ،وهو امر ليس بغريب على المملكة ،التي اكدت مرارا على لسان كبار قادتها وفي بياناتها الرسمية دعمها وتمسكها بيمن واحد ومستقر، كما ان عروبة وقومية الملك عبدالله معروفة للجميع ، وجاءت مشاركته احتفالات بلادنا بعيد الوحدة في عدن قبل سنوات لتأكيد دعمه الكبير للوحدة اليمنية،ولا يختلف الحال بالنسبة لولي العهد الامير سلمان ،حيث دعا في اول لقاء له بوفد يمني برئاسة الدكتور/عبدالعزيز بن حبتور رئيس جامعة عدن عقب توليه منصب ولاية العهد إلى التمسك بالوحدة اليمنية والحفاظ عليها باعتبارها مكسبا مهما تحقق للشعب اليمني والأمة العربية الإسلامية.

-حتى مع دعم السعودية الغير مباشر للانفصاليين في حرب 94م ،متأثرة بالموقف اليمني من احتلال الكويت في ذلك الوقت،الا ان ما ذكره الشيخ عبدالله في مذكراته عن حث الملك فهد له خلال لقاء جمعهما اثناء الحرب ، بسرعة حسم المعركة بسبب الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها، يدل على ان القيادة السعودية تنظر إلى الوحدة اليمنية كخيار استراتيجي للمملكة ولضمان مصالحها الحيوية و الحفاظ على امن واستقرار المنطقة والعالم.

- إلى هنا والكلام جميل ،لكن طريقة تعاطي اجنحة داخل العائلة الحاكمة مع القيادات الانفصالية وبالذات في الفترة الاخيرة ،يعطي انطباعا لدى الكثيرين بوجود هوة كبيرة بين التأييد السعودي العلني للوحدة اليمنية وبين مايجري على ارض الواقع ،بمعنى ان هناك بعض النقاط الغامضة التي تحتاج إلى توضيح من قبل الاخوة في السعودية لإزالة اللبس عنها ومن ذلك:

-من المعروف ان التمويل الرئيسي لقوى الحراك في الداخل مصدره رجال اعمال وتجار مغتربين في السعودية،ومع ذلك لم يلمس أي تحرك فعلي من حكومة المملكة من اجل تجفيف منابع تمويل الحراك ،كما لم تتخذ أي اجراءات بحق القيادات الحراكية النشطة على اراضيها امثال عبدالرب النقيب مثلا.

-بخلاف سلطنة عمان ،التي سحبت من البيض الجنسية وطلبت منه مغادرة اراضيها عندما قرر العام 2009م استئناف النشاط السياسي،لم تتخذ الرياض أي اجراء ضد قيادات حراكية بارزة حاصلة على الجنسية السعودية ومقيمة على اراضيها امثال الاصنج والجفري والعطاس رغم تكثيف تلك الشخصيات وبالذات العطاس نشاطها وتحركاتها المشبوهة ضد الوحدة اليمنية منذ نهاية العام الماضي.

-رغم الحرص الكبير الذي توليه القيادة السعودية لإنجاح التسوية السياسية وتنفيذ بنود المبادرة الخليجية ، وادراكها لحقيقة ان ممارسة الضغوط والتلويح بعصا العقوبات الدولية في وجه طرفي الازمة كانت السبب الرئيسي في نجاح التسوية السياسية إلى حد الان ،ومع ذلك لم تبد المملكة إلى حد الان أي مؤشر نحو استغلال نفوذها لدى ابرز قيادات الحراك الانفصالي في الداخل والخارج ومحاولة الضغط عليهم لإقناعهم بالمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني ،والتخلي عن شروطهم التعجيزية ،على الرغم من ان هذا الرفض في الواقع اصبح العقبة الرئيسية لانعقاد المؤتمر ومهددا رئيسيا امام نجاح التسوية السياسية برمتها.

-واذا كان مطالبة عبدالرحمن الجفري و حيدر العطاس وعلي ناصر (الذي يستلم 10الاف ريال سعودي شهريا من اللجنة الخاصة حسب صحيفة الشارع) بالفيدرالية مع تقرير المصير لحل القضية الجنوبية ،مبررا لعدم تدخل السعودية للضغط على تلك القيادات،لكن الوضع تغير منذ ايام مع اعلان العطاس والجفري إلى جانب حسن باعوم (الذي نجحت الرياض مؤخرا في استقطابه ،واستخدامه في شق مجلس الحراك ،واضعاف تيار البيض الموالي لإيران )، في القاهرة في الـ17 من نوفمبر الجاري عن توصلها لاتفاق سياسي يدعو للانفصال ويتخلى عن الفيدرالية ،ورغم ان هذا الموقف يتناقض تمامامع المبادرة الخليجية ومع الموقف السعودي ،الا ان السعودية تجاهلت إلى حد الان ذلك وكأن الامر لايعنيها أو كأنها فقدت السيطرة على تلك القيادات المهترئة ،التي طالما حركتها بالريموت كنترول.

لايقتصر الامر على ذلك فهناك شكوك لدى البعض بان تقارب باعوم الاخير مع تيار ناصر-العطاس ،اضافة إلى انضمام الجفري المفاجىء لهم ،جاء بتخطيط مسبق من الرياض ضمن جهودها لتحجيم دور ونفوذ التيار الموالي لإيران،سيما ان باعوم ذكر في تصريحه قبل مغادرته إلى القاهرة انه التقى اثناء تلقيه العلاج في السعودية قبل اشهر بوزير الداخلية في ذلك الوقت الامير احمد بن عبدالعزيز ،وهو لقاء غير بريء.

-هناك معلومات غير مؤكدة سربتها مصادر مقربة من باعوم تفيد بلقاء الاخير خلال تواجده بالسعودية بالامير محمد بن نايف وزير الداخلية الحالي ،ويبدو ان اللقاء اسفر عن صفقة ما منح بموجبها الامير محمد لباعوم شيك بـ10ملايين دولار كدفعة اولى ،وعلى الرغم من ان تفاصيل الصفقة غير معروفة ،الا ان الانقلاب الذي قاده باعوم على البيض بمجرد عودته إلى الوطن كان ضمن بنود الصفقة.

-في اعتقادي انه في حال صحة المعلومات بشأن تلك الصفقة، فإن باعوم لن يكتفي بالعائد المالي كثمن لانقلابه على البيض ،والترجيح بوجود مطالب اخرى له ،والسؤال الهام هنا ماهو الثمن السياسي الذي طلبه باعوم من الامير محمد لباعوم ؟وهل هناك وعود من الامير للسعي مثلا من اجل اقناع الملك وولي العهد بإعادة النظر في موقف السعودية من الوحدة اليمنية أو على الاقل عدم التدخل لعرقلة أي توجه خارجي غير مستبعد للضغط خلال مؤتمر الحوار الوطني على المتحاورين للقبول بمنح الجنوب حق تقرير المصير ؟

-يعزز من هذا الطرح اعلان القاهرة السالف الذكر ،ففي اعتقادي ان ما اتفق عليه العطاس وباعوم والجفري انما هو مجرد خطوة تكتيكية اتخذته تلك القيادات قبل اعلانها الرسمي القبول بالمشاركة في الحوار الوطني كممثل وحيد للحراك معترف به من قبل الوسطاء الدوليين مع استبعاد نهائي لتيار البيض ،لذا تعمدت هذه القيادات رفع سقف مطالبها من الفيدرالية مع تقرير المصير إلى المطالبة بالانفصال قبل الذهاب إلى الحوار،بحيث تتخلى استجابة للضغوط المتوقعة من قبل الوسطاء خلال جلسات الحوار عن الانفصال مقابل موافقة الطرف الاخر على منح الجنوب المصير للجنوب.

-في حال نجحت القيادات المحسوبة على السعودية في الحصول على حق تقرير المصير في مؤتمر الحوار وبضوء اخضر من الرياض ،تكون السعودية قد سقطت في الفخ الذي نصبته لها قوى الحراك الانفصالي، وارتكبت خطأ استراتيجيا فادحا،سرعان مايرتد سلبا عليها،حيث انه ليس هناك مايضمن للسعودية بان الخلافات العلنية بين قيادات الحراك هى خلافات حقيقية وليست مجرد تبادل ادوار بينها يتم اخراجه بمهارة فائقة خاصة مع اقتناع قوى الحراك المختلفة ان السبيل الوحيد لإقناع السعودية بتغيير موقفها المتمسك بالوحدة لن يتم الا عبر استغلال مخاوفها من التوجه الإيراني لإيجاد موطئ قدم لطهران في الجنوب.

-يعزز من هذا الطرح مايفهم من مضمون دعوة باعوم قادة الحراك عقب عقد مؤتمره العام في عدن مطلع اكتوبر الماضي إلى التوحد وترحيل خلافاتهم إلى مابعد تحقيق الانفصال، اضافة إلى اللقاءات العديدة التي جمعت علي ناصر مع البيض ،والتي كان اخرها في بيروت خلال عيد الاضحى المبارك ،حيث ان هذه اللقاءات رغم استمرار بعض الاختلافات الظاهرية في رؤية الرجلين ،الا انها تؤكد تجاوزهما حالة العداء الشخصي،اضافة إلى ان تبني تيار ناصر –العطاس مطلب الانفصال والتخلي عن الفيدرالية ينهى عمليا الخلاف الرئيسي مع تيار البيض.

من المهم ان تدرك الرياض ان قبولها دعم منح الجنوب تقرير المصير معناه في الواقع القبول بالانفصال، لان تقرير المصير في ظل وضع الاقتصاد اليمني المتردي وضعف الدولة وكثرة الملفات المفتوحة وحالة التأجيج المناطقي المستمر منذ سنوات في الجنوب ضد الوحدة الوطنية كلها عوامل تجعل الانفصال هو النتيجة الاقرب لأي استفتاء يجري في الجنوب.

عودة التشطير معناه ان السعودية ستجد نفسها في وضع لا يحسد عليه، حيث ان عدم تدخلها لكبح انفصالية الشخصيات المحسوبة عليها، وعرقلة المخطط الانفصالي، سيمثل فرصة مواتية لأعداء السعودية في المحافظات الشمالية لاستئناف حملتهم ومحاولة تأليب المواطنيين ضد المملكة، ويمهد الطريق امام الحوثيين وبالتحالف مع الناصريين والبعثيين والاشتراكيين للسيطرة على السلطة في الشمال.

-،وبصورة مشابهة فأن الاحتمال الارجح ان يسيطر اعداء السعودية في الجنوب على الحكم ،وذلك راجع إلى ان نفوذ البيض واتباعه يفوق بمراحل نفوذ القيادات الموالية للرياض في الجنوب خاصة ان اتباع الحزب الاشتراكي والقوى الشبابية على الارجح سيتحالفون مع البيض ،باعتبار ان السعودية تعتبر عدو تاريخي لهم و بسبب دعمها الرسمي للوحدة اليمنية ،اضافة إلى رفض كثير من قيادات الحراك لاتفاقية جدة لترسيم الحدود،وكذا الاعتقاد المتجذر لدى ابناء الجنوب بوقوف السعودية وراء تغذية النزعة الحضرمية للانفصال عن الجنوب ،والتي ارتفعت وتيرتها في الاشهر الاخيرة سيما مع تنامي نشاط شخصيات من ابناء السلطان الكثيري وهيئات حضرمية تدعو لفك ارتباط حضرموت عن الجنوب مثل عصبة القوى الحضرمية وغيرها.

-من هنا ستجد السعودية نفسها محاطة بهلال شيعي مع وجود كيانيين معاديين لها في خاصرتها الجنوبية ،ولاشك انهما وبايعاز من إيران سيعملان على تغذية التمرد الشيعي في جنوب وشرق المملكة سيما ان الاجواء ستكون مواتية لذلك مع تحول رياح الربيع العربي مؤخرا نحو الدول الملكية كالاردن والكويت والبحرين وما تمثله من خطر على الانظمة الحاكمة فيها ،واحتمال انتقالها مباشرة إلى السعودية خاصة مع انشغال الاسرة الحاكمة بمرض الملك عبدالله ،والبحث عن صيغة مقبولة لنقل السلطة إلى جيل الشباب داخل الاسرة.

- غالبا ماتسعى الدول لان يكون لها تأثير ونفوذ على الدول المحيطة بها للحفاظ على امنها القومي ومصالحها الاستراتيجية ،ولا يختلف الحال بالنسبة لعلاقة السعودية ببلادنا ،فرغم انتهاء مشكلة الحدود بين البلدين بعد توقيع اتفاقية جدة ،الا ان مراوغة الرئيس السابق وتكتيكاته التي ساهمت في تنامي خطر الحوثيين والقاعدة،كانت من الاسباب التي جعلت السعودية تتمسك بورقة الجنوب في يدها لاستخدامها كأهم الاوراق التي لديها للضغط عليه بما يخدم مصالحها الحيوية.

-للأسف يبدو ان هناك اجنحة داخل الاسرة الحاكمة ماتزال متمسكة بهذه السياسة رغم ان مصداقية وجدية القيادة اليمنية ممثلة بالرئيس هادي ،تستدعي منها التخلي عن هذه السياسة وتقديم مختلف انواع الدعم والمساندة له للإيفاء بوعوده ،والتعاون لمواجهة الاخطار المشتركة المحدقة بالبلدين.

-شخصيا مازلت اراهن على وحدوية وعروبة الملك عبدالله وولي عهده الامير سلمان للتدخل المباشر ،والتخلي عن السياسة التي ترى في الجنوب مجرد ورقة ضغط يتم استخدامها في وجه صنعاء من حين لآخر.

زر الذهاب إلى الأعلى