اليوم الاثنين، تحلّ الذكرى الثانية لاندلاع ثورة شباب اليمن 11 فبراير 2011م وكانت سبقتها في 15 يناير الشرارة التي أشعلت الحريق، وكلتاهما كانتا على التوالي عشية سقوط بن علي في تونس ومبارك في مصر، وهو ما يؤكد واحديّة آمال الشعب العربي مكاناً زماناً.
علاقة فبراير باليمنيين قديمة، ففي الثامن منه كان انحسار حصار السبعين يوماً سنة 1968م عن مدينة صنعاء.. وقبل ذلك قامت ثورة النخبة الدستورية في 17 فبراير 1948م والغريب أن الشعب أحبط ثورة النخبة السياسية في فبراير48م بينما أَحْبَطَت النخبة ثورة الشعب في فبراير 2011م!.. هل أصبح الشعب أكثر وعياً من نخبته بعد ستين عاماً؟ بحيث تجاوزها آمالاً وأحلاماً، رؤيةً صافية نقية لا تشوبها شائبة مما شاب النخبة السياسية اليمنية بإشكالاتها، وعلاقاتها الداخلية والخارجية؟ فبينما تتعارك فصائل هذه النخبة بما هو مشروع وغير مشروع من وسائل الصراع، بالسلاح والعقائد، والمذاهب، بالأموال والأفعال، بالمساجد والموالد.. تقف الغالبية العظمى من الشعب مذهولةً من هول ما ترى وتسمع! كأن البلد أصبح مهرجاناً ضخماً لحفلة تنكرية كبرى، وللمشاركين فيها أن يفعلوا ما يشاؤون! لكن الأدهى أن الوجوه هنا بلا أقنعة! وكأننا نشاهد فصلاً من مسرح اللامعقول! ويكفي أن تفتح بعض القنوات الفضائية اليمنية حتى تكتئب وتتساءل.. ماذا جرى؟ ماذا يأكل هؤلاء ويشربون؟! يتنكرون حتى لأسمائهم! لسحنة وجوههم، ولون عيونهم، لحنين تلالهم، ولثغة ترابهم، وأغاني رعاتهم، وزوامل قراهم..
من سكب كل هذه النار في أعصابهم.. كل هذا الغضب في عيونهم؟
آخرون ما يزالون مشتعلين بنار الفتنة الكبرى قبيل منتصف القرن الهجري الأول! غارقين حتى آذانهم في تفاصيلها، مشرعين سيوفهم ورماحهم في شعابٍ لم تعرف مدرسةً أو طريقاً، أو كهرباء منذ عشرات السنين! جهل، وظلام، وفقر، وغبار! ماذا تتوقع أن تكون النتيجة؟ هذا هو الحصاد المرّ لإدارة الدولة الفاشلة التي عاشت على إذكاء نار الصراع من أجل البقاء!
آخرون مشغولون بالوظائف، وما يحسبونه إرثاً من المكاسب والمصالح.. كأنهم يعيشون بين مرايا متقابلة لا يرون فيها إلاَّ أنفسهم!
مسؤولون لا يردّون على أحد! وبعضهم لم يعرف حتى إدارةً عامّة كي يديرها!.. محافظون ينامون حتى الظهيرة.. كأنهم مماليك جدد! لكن المماليك كانوا على الأقل فرساناً! أما بعض المحافظين فقد أصبحوا غير مهتمين حتى بأن يرضى عنهم أحد، ربما لأنهم يظنون واهمين أنهم محصّنون بمجلس الأمن! كم هو إنسانُ هذه البلاد صابرٌ ومظلوم!
لكن، ونحن نحتفل بالذكرى الثانية لثورة الشباب 11 فبراير.. سأحاول أن أسعد بنصف الكوب المملوء! بشباب اليمن الرائع، وطلاب الجامعات الثائرين.. بفتيات البلاد وطالباتها اللواتي أصبحن علامةً تميّزت بها اليمن على غيرها من دول الربيع العربي.. ما زلن يُشعلن المدن الغافلة بحريق أصواتهن ونبل أحزانهن.. ويوقظن الصباحات الغافية بحنين آمالهن وأحلامهن في دولة مدنية حديثة. ثلاث كلمات.. دولة .. مدنية .. حديثة.. كلمات تلخص آمال شعب، وآلام خمسين عاماً في سبيل التغيير والتثوير والتنوير.. والحياة الكريمة العزيزة لشعبٍ كريمٍ عزيز.