يستطيع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بدعم قوي من المجتمع الدولي المحافظة على وحدة اليمن، لكنه يواجه في هذه السبيل تحديات هائلة.
إن الفرصة الوحيدة لتحقيق ذلك تكمن في التطبيق الناجح لخطة التسوية التي جاءت ثمرة التفاهم بين دول مجلس التعاون الخليجي ومجلس الأمن الدولي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، إلا أن الحوار الوطني الذي يتوقع أن يحدد البنية السياسية المستقبلية سينطلق في مارس (آذار) المقبل، أي أنه جاء متأخرا كثيرا عن البرنامج الزمني المحدد.
ثم إن على اللاعبين السياسيين الأساسيين إبداء قدر من المرونة وروح التوافق أكبر بكثير مما بدا منهم حتى الآن. فالقوتان السياسيتان الرئيستان، حزب «المؤتمر الشعبي العام» بزعامة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وأحزاب «اللقاء المشترك» (التي يبرز فيها بل يقودها «التجمع اليمني للإصلاح»)، شريكان يكاد الود أن يكون مفقودا بينهما داخل الحكومة، وحتى الساعة يظهران مترددين في تقبل أي صوت مستقل يعبر عن الشباب والمرأة وجماعات المجتمع المدني كما جرى الاتفاق، ومن ثم أقر في الخطة الانتقالية.
في المقابل، بوشر بالفعل في إعادة بناء القوات المسلحة والمؤسسات الأمنية. ولتاريخه يمكن القول إن الجنرالات، الذين اقتربوا بالبلاد نحو حافة الحرب الأهلية في خريف 2011، يتعاونون بصورة مرضية مع الرئيس هادي، أيضا بعضهم مع بعض، في التصدي لتنظيم القاعدة وطرد مقاتليه من مدن الجنوب اليمني التي كانوا قد احتلوها خلال 2011 ومطلع 2012، ولكن خطر «القاعدة» (تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب») لم يقض عليه بعد رغم استخدام الطائرات من دون طيار والغارات الجوية المستهدفة قيادات التنظيم، ذلك أن التنظيم ما زال يحتفظ بهيكل مؤهل لتجديده وضخ الدم في أوصاله إذا فشل مسار المرحلة الانتقالية.
إحدى العقبات الكأداء حقا تتمثل بمستقبل جنوب اليمن. وكثيرون في الجنوب يمقتون ما يعتبرونه «احتلالا شماليا» امتد طوال السنوات العشرين الأخيرة، ما أدى إلى التنامي السريع لدعوات الانفصال، إلا أن القيادة الجنوبية منقسمة على نفسها، فتيار منها يحبذ الصيغة الفيدرالية – أو الاتحادية – التي يمكن تعميمها على نطاق أوسع في اليمن، في حين يفضل الحصول على مكتسبات للجنوب في ظل كيان يمني موحد.
راهنا، لدى الجنوبيين نصف مقاعد مؤتمر الحوار الوطني، مع أن تعداد سكان الجنوب يقارب الخمس – أي واحد من خمسة – فقط من مجموع سكان اليمن، ولكنهم يصرون على شروطهم المسبقة للمشاركة في الحوار. ثم إن ثمة مكونات مما يسمى «الحراك الجنوبي» ستقاطع الحوار الوطني، ومع أن «الحراك» ينحو إلى الأساليب السلمية، تتهم الحكومة في صنعاء إيران بتسليح أحد الفصائل الجنوبية. ولكن هذا المشهد الجنوبي المنقسم والمشوش، يتناقض كليا مع طريقة تعامل الحوثيين، من معقلهم في صعدة بأقصى الشمال؛ إذ لديهم استراتيجية تفاوضية واضحة المعالم والأهداف، وهم يوسعون مناطق نفوذهم في مناطق أخرى من البلاد.
على صعيد آخر، خير الأمور الواعدة التي تصب في مصلحة المرحلة الانتقالية ومن شأنها مساعدتها على النجاح، هي ضخ الأموال (نحو 8.4 مليار دولار أميركي سبق الالتزام بها) للتخفيف من معاناة أزمات الفقر، واضطراب الأمن، وتواضع مستوى الخدمات الحكومية، ناهيك عن شح الأغذية. ولكن حتى تاريخ كتابة هذه السطور بالكاد صرف ما يستحق الذكر من هذه الأموال، في ظل الظروف غير المواتية المتعلقة بشروط التمويل والإنفاق، بالإضافة إلى قصور الجهاز الإداري اليمني الذي يبدو عاجزا عن التعامل بها.
إن تذليل العقبات المشار إليها أعلاه خلال الاجتماع المرتقب لـ«أصدقاء اليمن»، خلال مارس المقبل، لأمر حيوي للغاية؛ إذ في حال الإخفاق في تذليل هذه العقبات سيفقد اليمنيون الثقة في مسار الحوار برمته، ما سيوفر فرص نجاح ليس لـ«القاعدة» فحسب، بل لقوى وتنظيمات أخرى تسعى لاستغلال الوضع.
إن ما يفتقر إليه المشهد اليوم هو الدليل على أن القادة اليمنيين، من مختلف الأحزاب والقوى والقبائل والمناطق، يريدون حقا العمل معا من أجل يمن أفضل.
الكل يقولون إنهم يريدون العمل مع الأفرقاء الآخرين، غير أن أفعالهم على الأرض تنم عن أنهم يتوقعون من الآخرين تقديم تنازلات وصولا إلى التوافق. وفي هذه الأثناء تشدد حكومات العالم على القول إن هذه هي آخر فرصة وأفضل فرصة لبناء مستقبل مستقر لليمن، وحسب تعبير وزير بريطاني فإن الفرصة المتاحة اليوم «هي الخيار الوحيد الموجود».
والواضح حاليا أن مسار الحوار، ومعه المرحلة الانتقالية، سيستغرق وقتا من السنتين المقدرتين أصلا في الجدول الزمني. وهنا لا بد من الثناء على جهود الرئيس هادي لقيادته اليمن خلال فترة غاية في الصعوبة.
المسألة المطروحة في نهاية المطاف ليست مسألة فشل أو نجاح؛ إذ لا يستطيع القادة اليمنيون ومن خلفهم المجتمع الدولي، السماح للمسار بالفشل.
* باحث بريطاني وخبير في شؤون الشرق الأوسط - رئيس الجمعية البريطانية اليمنية