لم يكن صالح يتوقع أن يرد اسمه في بيان مجلس الأمن كمعرقل لاتفاقية نقل السلطة ، ومرد ذلك الاطمئنان ليس الثقة ببراءته من العرقلة والمماحكة والتعطيل ، وإنما لاعتياده على اقتصار لغة مجلس الأمن على التلويح من بعيد بذكر اسمه ومعاقبته طوال الفترة الممتدة من صدور قرارات مجلس الأمن ، مروراً بالتوقيع على المبادرة ، وحتى صدور بيان مجلس الأمن الذي ذكر« العليان» بالاقتران القديم بين اسميهما ، غير أنه هذه المرة جاء اقتران سوء وتهمة عرقلة ، بعد أن كان اقتران خير وشهادة دخول للتاريخ من بوابة الوحدة اليمنية.
ولعل مجلس الأمن ببيانه هذا أراد أن يطوي صفحة التلويح بالعقوبات التي اقتصر أسلوبه عليها طوال الفترة الماضية ، ويدخل في طور تسمية المعرقلين بأسمائهم ، وهو تحول في أسلوب مجلس الأمن الدولي يتزامن مع نهاية العام الأول من المرحلة الانتقالية ، وبداية العام الثاني ، ويؤشر ذلك على أن الجولة الثانية حاسمة ولا متسع فيها لتدليل صالح ورفيقه اللدود ، ولا مجال فيها للصفاط الثقيل الذي يمارسه المعرقلون فوق أبراج الكهرباء وأنابيب الغاز والنفط ، واختطاف المؤتمر الشعبي العام لاستخدامه كعنوان لنشاط العرقلة ، وتأجيج الكراهية والعنف والعمالة لإيران من قبل البيض على الضفة الأخرى في الجنوب.
في مواجهته لبيان مجلس الأمن ، وتشبثه برئاسة المؤتمر يستخدم علي صالح نفس التكتيكات التي استخدمها في تشبثه برئاسة اليمن. اشترط في الأولى الاحتكام للصندوق ، والآن يكرر نفس التكتيك مع عبد ربه داخل المؤتمر بالاحتكام للتوليفة التي يهيمن عليها.
في الأولى ناور لأشهر، مرة يقول الخروج مع علي محسن ومرة يضيف بيت الأحمر ..وهكذا ، والآن يشترط خروج عبد ربه من المؤتمر. في الأولى تعلل بضغوط أنصاره والقبائل الموالية له وحشدهم في أكثر من مناسبة كان أكثرها فجاجة محاصرتهم للسفارة الإماراتية أثناء وجود السفراء الأجانب داخلها ، والآن يكرر نفس الأسلوب ، باستدعائه لمجاميع مسلحة من أنصاره الذين أحاطوا بمنزله أمس الأول وروج إعلامه أنهم يحاصرونه ويمنعونه من السفر للخارج ، ولم ينسَ أن يكمل المشهد بأخذ الفيزا فعلاً ، والتلويح للمجاميع المسلحة بإشارة الوداع من شباك منزله بشارع صخر.
والآن تبدأ التسريبات الملعوبة ؛ مريض مش مريض ، يسافر ما يسافر ، السعودية ولا أوروبا ، سمح له المؤتمر لا منعوه ، حاصروه أصحابه ..
. وهكذا يتصور أنه يكسب مزيداً من الوقت في مرحلة حرجة ، وهدفه الآن تجاوز يوم سبعة مارس القادم ،موعد جلسة مجلس الأمن دون عقوبات أو تجميد أموال أو إلزام بالاستقالة من المؤتمر ومغادرة البلاد ، وإذا سبرت يكون الهدف التالي تدشين الخطة الصفرية المضادة للمرحلة الحاسمة ابتداءً من 18 مارس موعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني ، والذكرى الثانية لمجزرة جمعة الكرامة التي ارتكبها نظامه ضد شباب الثورة السلمية عقب أدائهم لصلاة الجمعة.
الأهم من إدانة «العليان» في بيان مجلس الأمن هو تأكيده لموقفه الثابت في دعم وحدة اليمن وأمنه واستقراره.
لقد تحققت تطلعات اليمنيين في الوحدة يوم 22 مايو 1990 ، وكان ذلك تحقيقاً لنضالات الحركة الوطنية طوال عقود ، وتم ذلك بتأييد الموقف الدولي الذي شهد حينها تحولاً استراتيجياً مع نهاية الحرب الباردة.
ولأن الاستراتيجيات الدولية لا ترسم لعشر أو عشرين سنة وإنما لعشرات السنين ، فقد جاء الموقف الدولي تأكيداً لمصلحة العالم في بقاء اليمن موحداً ، وتأييداً للخيارات الوطنية اليمنية في مواجهة دعاة الانفصال والفوضى والتمزق ، التيار الذي يقوده علي البيض باتجاه الارتهان لإيران ورفض الحوار ونشر الكراهية والترويج للعنف واستخدام السلاح لتنفيذ الخيار الانفصالي الجنوني. . والأرجح أن الحريصين على مصلحة الجنوبيين وحل القضية في إطار مؤتمر الحوار الوطني لن يدعوا البيض يقود الجنوب مرة أخرى باتجاه هاوية جديدة بانفعالاته ، وأن يقرر مصيرهم بمزاجيته ، وارضاءً لغروره ،حيث خصص قناة تتغنى برئاسته الوهمية ليلاً ونهاراً ، ولا تذكر الجنوب وقضيته إلا هامشياً ومن بوابة الرئيس الوهمي الذي يظل المتن والجنوب وقضيته هو الهامش المسخر لخدمته ونفخ شخصيته المتقلبة المزاج.