أرشيف الرأي

قناة اليمن ومحمد الصلوي وطرد الإبداع

أزمة الفن في اليمن لا تكمن في عدم وجود المبدعين بل في عدم القدرة على الاحتفاظ بهم، فمن يمتلك ذاكرة فنية سيتذكر بعض الأسماء الفنية اللامعة التي اختفت من الساحة أو تم إقصاؤها لتحل محلها شخصيات تفتقر إلى الموهبة والإعداد الجيد وتهيأ لها الظروف لتقديم وترسيخ أدوار ممسوخة تسئ إلى الفن وتفسد الذوق العام، إنها عملية ممنهجة تهدف عن طريق خلقها لتلك الصور الذهنية المشوَّهة إلى العبث بالقيم الفنية والجمالية والذوقية للإنسان اليمني بعد أن عبثت بكل مقدراته ومكتسباته.

إن المبدع الحقيقي لا يستطيع أن يعيش في بيئة معادية للإبداع، وهذا ما حصل للممثل والمخرج المسرحي المبدع محمد الصلوي، صاحب الأداء المتميز الذي تألَّق في مجال التمثيل المسرحي في منتصف عقد التسعينان من القرن الماضي، ثم دفعه صوته المتميز إلى الالتحاق بالتلفزيون مذيعاً. وبسبب أدائه المتميِّز وصوته النادر، إذ لم يكن هناك من يباريه صوتاً وأداء، فقد كانت توكل إليه مهمة إلقاء أهم الأعمال، بالإضافة إلى تقديم نشرات الأخبار الرئيسية التي كانت محصورة حينها في أسماء معدودة.

لكن مشكلة محمد الصلوي أنه مبدع، وذلك عيب كبير في بلادنا، فإبداعك وحده لا يوفر لك حياة كريمة، ولهذا فكَّر هذا المبدع أن يهرب إلى أقصى مكان، وليس هناك أبعد من أمريكا، فكانت هي الوطن البديل. لكن الدم الذي يسري في عروقه مازال يمني الجنسية ومازالت اليمن هي الحبيب الأول ولهذا فحنينه دوماً لأول منزل. فعاد إلى صنعاء في صيف 2012 يمنياً بجواز أمريكي، أو أمريكياً بجواز يمني، وذهب مباشرة إلى قناة اليمن حيث كان صوته هناك مازال يجلجل في أرجاء الأستوديو: هذا المكان أعرفه، هذا المصوِّر أعرفه، هذا المذيع أعرفه، هذا الموظف أعرفه، هذه الكامرا تعرفني.

ذهب إلى إدارة القناة عارضاً تقديم بعض نشرات الأخبار بشكل طوعي بدون أي مقابل مادي، فقط من أجل إشباع رغبة الحنين والتواصل مع الجمهور الذي أحبه. لاقى ترحيباً حاراً من زملائه القدامى والمسئولين، ووُعِد بتنفيذ الطلب، وظل يتنقل بين المدراء، هذا يحوّله لذاك وذاك يحوِّله لهذا إلى أن انتهت إجازة الرجل ولم يتمكن من إلقاء التحية لجمهوره عبر القناة التي خدم فيها في ظروف قاسية، حيث أوشك أن يفقد حياته وهو يؤدي مهمة إعلامية لنفس القناة في حرب 1994.

إن الطريقة التي تعاملت بها قناة اليمن مع الفنان محمد الصلوي تشير إلى أنها مازالت تسير حسب عقلية حسن اللوزي الذي ترك وزارة الإعلام منذ زمن، فما زالت تعتقد أنها الجهة الوحيدة التي تعطي شهادات لمن يحق له الظهور ومن لا يحق له، في زمن الإعلام الجديد الذي فتح الأجواء واكتسح القنوات التقليدية بما فيها قناة اليمن التي لا نتذكرها إلا عندما نترقب قراراً جمهورياً يعيد هيكلة الجيش والعقليات المتحجِّرة في اليمن.

إن من يشاهد أي عمل من أعمال الفنان محمد الصلوي يدرك أن اليمن خسرت بهجرته قامة فنية كبيرة لا يمكن تعويضها، وسأحيل القارئ الكريم إلى الصفحة الشخصية للفنان على الفيسبوك ليطلع على الفيديوهات التي سجّلها وهو يؤدي مقاطع من قصيدة بلقيس للشاعر الكبير نزار قباني (الروابط أسفل المقالة)، وعليه أن يقارن بنفسه بين ذلك الأداء وبين أداء أي مذيع أو ممثل في اليمن. إنه من الظلم والإجحاف في حق هذا الفنان أن نقيم المقارنة أساساً، وإذا كان لابد فينبغي أن تكون بينه وبين أبرز الفنانين العرب لا اليمنيين.

لقد وجد محمد الصلوي في الإعلام الجديد مجالاً للتعبير عن فنِّه وإن بوسائل بسيطة، فهذه الوسائل البسيطة أصبحت اليوم تلعب دوراً كبيراً في توصيل الفنون والأفكار والتجارب وفوق ذلك وأكبر تغيير الأنظمة والحكام المستبدين الذين كانوا سبباً مباشراً وغير مباشر في دفع المبدعين إلى ترك أوطانهم والبحث عن أوطان بديلة.

الروابط:

http://www.facebook.com/mohamed.alseelwe

http://www.facebook.com/photo.php?v=474188735980889&set=vb.100001692991319&type=2&theater

http://www.facebook.com/photo.php?v=474187105981052&set=vb.100001692991319&type=2&theater

http://www.facebook.com/photo.php?v=474187105981052&set=vb.100001692991319&type=2&theater]

زر الذهاب إلى الأعلى