أرشيف الرأي

حتى لا يصبح حوار العائلات!!‏

لم يكن متوقعا بعد حوالي العام من التحضير لمؤتمر الحوار الوطني، الذي انفقت عليه الدولة ‏عشرات الملايين من الدولارات، أن تكون النتائج الأولية له مخيبة للأمال وبالشكل الذي ظهرت به ‏قرارات رئيس الجمهورية، يومي 16-17 مارس الجاري وذلك من حيث :‏

‏1- أغلب قوائم الأحزاب والتنظيمات السياسية المعلنة، افتقدت للشروط والمعايير الموضوعية ‏للمشاركة، فهذه القوائم لم تكن وطنية أولا ، لأنها ركزت على التمثيل الأسري وليس الوطني (مناطق ‏ومحافظات)، ثم لم تراع المعايير العلمية والثقافية المطلوبة للمشاركة في مؤتمر حوار "وطني" يتطلب ‏تكافؤ القدرة والكفاءة ، فهناك ملاحظات كثيرة على هذه القوائم شكلا ومضموناً.‏
قد يقول البعض، هذه من خصوصيات وشئون الاحزاب وليس لأحد حق التدخل فيما تقره أو ‏تتوصل اليه، ونقول نعم ، ولكن الأصل أن هذه الأحزاب أنشئت على أسس وطنية، وهي معنية بأن ‏تتعامل وفقا لشروط ومعايير تراعي مقتضيات المصلحة العامة، وليس المصالح الشخصية ، أو الفئوية ‏أو الأسرية ، فذلك يجرمه القانون.‏

‏2- قرار رئيس الجمهورية "بتسمية أعضاء مؤتمر الحوار الشامل " أظهر فشلاً ماحقاً في إدارة ‏اللجنة الفنية للحوار، وفي أداء معاوني الرئيس، فإعلان قائمة باسم الحوار الوطني تصدر بقرار ‏جمهوري بالصورة التي ظهرت بها، لا بد وأن تكون مدعاة للمراجعة وإعادة النظر فيها وفيما يجري.‏
فظهور (82) مشاركا موزعين على (27) عائلة بتمثيل من 2-7 أفراد من كل أسرة أو عائلة ، ‏من زوج وزوجة، وأب وثلاثة من أبنائه أو بناته، أو أب وابن وزوجته، أو من ثلاثة إلى أربعة اخوة ‏من "ديمة" واحدة ، و"مقيل" واحد، أو عائلة مكونة من سبعة وستة أفراد ممثلين في مؤتمر الحوار ‏الوطني اليمني الشامل ، وبإشراف ورعاية اقليمية ودولية، فذلك يمثل فضيحة سياسية ووطنية كبيرة ، ‏لا يجوز أن تمر مرور الكرام، أو - على الأقل – يجب أن يعاد النظر في تسمية المؤتمر ليصبح ‏مؤتمر حوار العوائل اليمنية المحدودة، لتتسق التسمية مع التمثيل.‏

ثم ، هل عجزت النساء اليمنيات أن تلد من يمكن أن يشارك في مؤتمر الحوار الوطني بدلاً عن ‏الوزراء والمسئولين التنفيذيين الذين اشتملتهم القائمة، ثم من سيدير أعمال ومهام وزارات ومؤسسات ‏هؤلاء خلال ستة أشهر ؟؟!!.. خاصة إذا ما أدركنا أن وزراءنا ومسئولينا يحملون مفاتيح وأختام ‏وزاراتهم ومؤسساتهم في جيوبهم ، ولا يسمحون لنوابهم أن يقتربوا من مواقع "الخطر" ، خوفاً عليهم ‏من التسلق والطلوع إلى حيث هم في "العلالي".‏

‏3- هناك شروط ومعايير وضعتها بعض الندوات الفكرية والسياسية التي كرست للتهيئة للحوار ‏الوطني، كان يجب على اللجنة الفنية للتحضير للحوار أن تقرأها وتستفيد منها، وليس عيبا في ذلك.‏
ومن هذه الندوات، ندوة " الحوار الوطني.. طريقنا للتوافق والسلام " التي بادرنا في مركز الوحدة ‏للدراسات الاستراتيجية وأقمناها في صنعاء في وقت مبكر (بتاريخ 19-20 مايو 2012) بمشاركة ‏نخبة متميزة من المشاركين من مختلف الأطياف السياسية والعلمية.‏

والشيء المؤكد أن وثائق هذه الندوة أرسلت إلى فخامة رئيس الجمهورية التي انعقدت الندوة ‏برعايته، و إلى دولة الرئيس باسندوة، وإلى زعماء لجنة الحوار الدكتورين الارياني ونعمان والاستاذين ‏القديرين الانسي و(ربما) العتواني.. واخرين، لكن أحداً من المعنيين بالحوار لم يكلف نفسه - للأسف - ‏حتى بالرد بالاستلام ، رغم أن الندوة كانت - بشهادة كثير من المشاركين - بمثابة مؤتمر حوار وطني ‏مصغر.‏

‏4- لا ندري كيف تم اختيار قوائم الشباب والمرأة ومنظمات المجتمع المدني، فرغم أن الاحزاب ‏المتصارعة في اللجنة، ظلت تتقاتل على حصص هذه الفئات خلال الفترة الماضية من التحضير ‏للحوار، لكنها في غفلة الزمن فوجئت بأنه قد تم تدبير ممثلي هذه الفئات بليل، وهو ما دفع أحزاب ‏المشترك ، التي استغنت عن شركائها إلى إصدار بيانها "التاريخي" ليلة انعقاد المؤتمر ، وأعلنت ‏تحفظها على "قائمة الرئيس"، متناسية بأن الشعب متحفظ على قوائمها ، وعلى كل خطواتها ، ‏ومسلكها بعد أن بدأت المشاركة في السلطة ، وفوجئت بـ50% من الحكومة في يدها، مع رئاسة ‏حكومة طيبة وطيعة ومطواعة.‏

وإذن، - والسؤال هنا موجه للجنة الفنية للحوار بممثليها من أحزاب السلطة والحوثيين ‏والحراكيين – أين ذهبتم بممثلي الشباب من المستقلين، وأين ذهبتم بممثلي المرأة من المستلقين ، ‏وممثلي منظمات المجتمع المدني من المستقلين أيضاً ؟!!‏

‏ واحداً فقط من ممثلي منظمات المجتمع المدني الفاعلين وجدناه حاضراً في القائمة، هو العزيز ‏علي سيف حسن، و- ربما- لولا أن له فضلاً على زعماء الحوار وقادة المشترك بالترتيب لزيارتهم قبل ‏عام إلى المانيا بالتنسيق مع منظمة المانية لما حظي بالمشاركة، ولكانوا قد وضعوا بدلا عنه أحد اقرباء ‏أو محاسيب قادة اللجنة التحضيرية للحوار الوطني ، وهذه للأسف الشديد هي القصة "الكارثة"، التي ‏لازمت اللجنة الفنية للحوار الوطني، ولا تزال تلازمها.‏

‏5- وأخيراً ظل الناس من عند الرئيس إلى دكاترة وأساتذة الحوار خلال الأشهر الماضية من ‏التحضير مشغولين ب"النطيحة والمتردية وما أكل السبع" من الرموز القيادية المعارضة في الخارج ‏التي قد أكل الدهر منها وشرب فعلاً، ونسوا التواصل مع المكونات السياسية الوطنية الجديدة في ‏الداخل "حراكية وغير حراكية"..!!!‏

إنها عقدة الماضي ، التي نطيل – نحن العرب - البحث والتنقيب فيها ،غير مدركين أنها منعتنا ‏وتمنعنا من السير قدما، ومنعت الأجيال الجديدة من المشاركة في البناء والانطلاق نحو عصر يفيض ‏حيوية وتفاعلا وعطاء..‏

ومع كل هذا... سنظل على أمل وتفاؤل بحوار يتجاوز الكثير من الأخطاء والعثرات..‏
والله من وراء القصد.‏

*رئيس مركز الوحدة للدراسات الاستراتيجية

زر الذهاب إلى الأعلى