مؤتمر الحوار الوطني جزء هام في التسوية السياسية التي تضمنتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية كان لابد له أن ينعقد بعد أن تم تأجيله من نوفمبر الماضي كما كان مخططاً له وفق الجدول الزمني للتسوية ولا يمكن أن يتأجل أكثر لأن ذلك يفتح شهية العديد من القوى التي ترى أن الثورة الشبابية والتغيير يفرض عليها استحقاقات تجد نفسها غير قادرة على تلبيتها دفعة واحدة فتعمل على خلط الأوراق بهدف إعادة ترتيب أوراقها بما يقلل من النتائج النهائية للتسوية عليها وعلى مصالحها التي كونتها في ظل فقدان التوازن السياسي وتوازن القوة "المال والسلاح" الذي كان نتيجة لحرب صيف 94م المشئومة مما خلق وضعاً غير طبيعي في البلاد أدى في النهاية لتفجر الحراك الجنوبي ومآلاته التي وصل إليها «مطالبات وسعي لفك الارتباط» كما أدى إلى ثورة شبابية شعبية أهم مطالبها «الشعب يريد تغيير النظام» تفادياً لدخول البلاد والعباد حروب تدمير وتمزيق ورفع يومها قبيل اندلاع الثورة الشبابية وخلالها شعار«التغيير بدلاً من التشطير».
والتغيير مستمر لكنه بالقطارة ويسير ببطْء ويتم تنفيذه على مراحل وبإشراف إقليمي ودولي وبعض خطواته تعثرت أو لم تكتمل بعد الأمر الذي فتح باب التوقعات والاحتمالات حول مآلات التسوية ونتائجها والسبب أنه عند البدء بتنفيذ كل بند من بنودها الهامة «انتقال السلطة بانتخاب رئيس جديد» الرئيس عبد ربه منصور هادي وتشكيل حكومة الوفاق وما رافق ذلك حول قانون المصالحة والعدالة الانتقالية ثم تنفيذ هيكلة القوات المسلحة والأمن ثم انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل تمارس مراكز القوى والنفوذ " الأطراف المعنية" مختلف الضغوط والممارسات التي تريد من خلالها المحافظة على مواقفها ومكاسبها التي تحققت لها في غفلة من الزمن وخارج سياق النظام والقانون والتوازن السياسي والعسكري والمالي وهذا ينطبق على الراضين على السلطة والمقتنعين بالحكم حتى الآن أو الرافضين والمطالبين بالمزيد الذي يصل حد «فك الارتباط والانفصال» وكل مركز قوى وطرف من الأطراف المعنية في اليمن يرى أن مصالحه تكمن فيما يطرحه من مواقف ويتبناه من مشاريع.
فعندما يقول شخص مثل عبد الرحمن الجفري " لن نحضر مؤتمر الحوار الوطني ولو وقف العالم كله ضدنا ما لم يكن هناك مرجعية بإقامة الاستفتاء في المحافظات الجنوبية حول الوحدة أو الانفصال في حال فشل الحوار الوطني ويوافقه المهندس حيدر العطاس في ذلك مع تقليله من إمكانية صدور عقوبات دولية ضد الرافضين لحضور المؤتمر ويلتقي معهما العديد من القادة الميدانيين لفصائل الحراك الجنوبي وبعض مكونات الحراك.. كل ذلك وغيره كثير يجعل المراقب والمتابع يتكهن ويستنتج بأن هذا الاطمئنان الواضح في تصريحات قادة جنوبيين من أمثال "الجفري والعطاس" بالذات وراءه مفردة المرحلية السارية والمطبقة مع بنود التسوية برمتها وهو ما سيجعلنا نتكهن أن مؤتمر الحوار الوطني لن يخرج عن تلك المرحلية المطبقة مع بنود التسوية الأخرى «الهيكلة والمصالحة وقانون الحصانة والعدالة الانتقالية" وإن كان مؤتمر الحوار الوطني أهمها.
وهناك بعض المؤشرات الصادرة هنا وهناك ومنها ما قاله المهندس حيدر العطاس حول عدم المشاركة في الحوار بصيغته الحالية وما قاله عبد الرحمن الجفري "إن المبادرة الخليجية لم تذكر القضية الجنوبية لا من قريب ولا من بعيد وان الحوار الوطني هو احد مخرجات المبادرة " وكذلك حديثه عن "مرجعية للحوار الوطني حول الجنوب في حال فشل الحوار" كل ذلك مؤشرات أن هناك تداولاً يجري على صيغ أخرى تكشفها ما يتم الحديث عنه في موضوع الفيدرالية والأقاليم وهناك ترجيحات حول إقليمين وبداخل كل منهما أقاليم وهو ما تعكسه نسبة تمثيل الجنوب في مكونات مؤتمر الحوار الوطني والتسريبات حول عقد جلسات خاصة بالقضية الجنوبية خارج اليمن وكذا المناكفات والهجوم المتبادل بين القوى السياسية الفاعلة على الساحة حول موضوع الفيدرالية والأقاليم.
وأخيراً: تكمن ثنائية نجاح أو تعثر مؤتمر الحوار الوطني في قدرة القوى السياسية الفاعلة ومكونات "الأطراف المعنية" في البلاد على قراءة الظروف والمعطيات بدقة بعيداً عن التمترس وراء المواقف المحكومة بمصالح ضيقة بمقاسات أفراد أو أحزاب فإن كانت مرحلية الحوار الوطني ستؤدي إلى الوصول إلى حل مرضٍ للجميع فلماذا لا نأخذ بها طالما وهي ستحقق ضمانات التنفيذ لما سيتم التوصل إليه. والله من وراء القصد.