شعر وأدب

ارجعي الصحراءَ يا ريحُ (قصيدة للفضول)‏

من قصائد شاعر اليمن الكبير عبدالله عبدالوهاب نعمان رحمه الله التي لم تنشر، ينشرها نشوان نيوز: ‏

لم أكن أعرفُهُ إلاَّ شهيدا
فادياً يصحبه للموت عيدا
حاملاً في كفِّه أكفانهُ
هازئ الخطوة بالحتفِ عنيدا
ولقد عايشتُ إنسانيته
خصبةً فيه وإنساناً فريدا

جشَّمته نفسُهُ ممتنعاً
ينتهي في صدره النسر صعودا
فمضى في الوعرِ لا أمضى خطىً
منه في الوعر ولا أصلب عودا
والطموح الضخم محذورٌ به
يكمُنُ النحسُ لمن لاقى السعودا

إذكروهُ وخذوه مثلا
قد مضى في شأوه مستبسلا
ما أتى في الدربِ مخزاةً ولا
خاض للغاية فيها وحلا
مجَّدوهُ وامنحوه القُبلا
وأتركوهُ في ثراه بطلا
مثلما كان وما زلنا على
دربنا نحملُ عنه المشعلا

لم أُقِم في بهو حزني مأتماً
يُلبس الشعرَ حداداً معولا
لم تمُتْ مفجوعةً نفسي ولا
نفضَ الحزنُ بعيني حنظلا
وكفاني أنه لو لم يكن
بطلاً في قومه ما قتلا
لا يروم الغدر إلاَّ مهجةً
يطعنُ الغادرُ فيها جحفلا

دارنا كم أعطتِ العذرَ لمن
صالَ أو غالَ بها قتيلا
إنه حاضرنا الوحشي من
يرهبُ الرواد والمستقبلا
وسيمضي حاملاً مَخْشَاتَه
مُمْعِنًا في ذعره مسترسلا
وسنمضي كلما جَثّ لنا
أملاً فينا زرعنا أملا

أرجعي الصحراءَ يا ريحُ دعي ما تبقَّى من قناديلي يضيء
وذري له واحتي آمنةً لا دجى فيها ولا صِلّ خبيء
إتركيها خارجَ الليلِ يروح لنا الفجر عليها ويجيء
ما لإعمارك شرير المزاج فما يفتنه إلا الرديء
ضقت بالدار وخاصمت نظافتها يخزيك فيها ما يضيء
فتحركت وباءً مؤذياً وملأت الدار فيرانا تصيء

طالما قمنا على الأخلاقِ والغدرُ في قاموسنا لفظ بذيء
فلماذا جئت بالقبح لنا فانطوى الفاضل وانطاد المسيء

وتوقحت عراءً لا ندى عنده يهمي ولا ظل يفي
وعشقتينا ضحايا فوقها رجسك الضاري على الطهر النقي

كيف تلقاك صديقاً يا ضُحى أعينٌ مفقوءةٌ لا تستضيء
نهنهي حزنكِ يا نفسي فلن يبرح الليلُ إلى الفجر يسيء
ومعاني الخبث عاشت أبداً خصمها المحراب لا القبو الوبيء
والضراوات التي في فكها طعمها الماجد والشهم الجريء

وجعي ملءُ أحاسيسي وأحزان نفسي أكتويها لهبا
أين من عيني من عايَشتْهُ الناسُ للناسِ غداً مرتقبا
من لبست الفخم من معروفه وتسربلت الجليل الطيبا
أثخنت جرحي به الأيام إذ سلبتني فيه إبنا وأبا

حيرتي تملئني.. تملأُ ظني ويقيني عجبا
كم تساءلتُ وكم لُذْتُ بأبعاد فهمي سائلاً مستجوبا
لِمَ أعمار عطاء الخير تُقصفُ والشرُ يعيشُ الحقبا
ولِمَ الأحداث تأتينا فتسلنا الصدق وتبقي الكذبا

أعقمتْ أنفسنَا الأحقادُ وماتركت للخير فيها عقبا
وتمشينا بها بُوميّةً تعشق الليل وتأوي الخربا
أغبياءٌ نحنُ كزلزالٍ يقصف لا يعرف ما ضربا
داميون وغابيون أمعنت الأخلاق منا هربا
كلما جاء مضيئٌ بيننا سبق النَّابُ إليه المخلبا
كم تفارسنا ولم نسدل على خزينا فيما أتينا حجبا
وافتضحنا تحت كل الضوء إن لنا في كل سوءٍ مذهبا
مجدنا أن طباعَ الغابِ أقامتْ لنا شرعاً وصارتْ أدبا
أي اسم اسمنا اليوم وقبل دخول الغاب كنا عربا

ياسمائي كدتُ لا أشهد فيكِ لأرضي غيمةً أو شهبا
كلما لاح لعيني وامضٌ فيك من ضوء شهابٍ غربا
وإذا أورقت الأحلام في الأرض من تحتك أمستْ حطبا
وأتى الشَّرُ على صهوة آثامه يحرقُ فيك السحبا

أمتي قد كثرتْ فيك الحصى والأذى أنذر فيك الذهبا
يقطعُ البغيُ رقابي ثم يسرحُ مختالاً عليها معجبا
وهو لا يأتي غبياً أبلهاً يأخذ البُلهَ ويبقي النُّجُبا
فطنتْ آثامه أن تنتقي غير من أقلقها أو أرعبا
يا نفوسي ستظلين دماً فوق أرضي أبداً منسكبا
طالما رفضك لاينصاع أن ينشرَ السوءُ عليك الجربا
وسيبقى وطني ما دام يركع لله مدانا مذنبا

زر الذهاب إلى الأعلى